“رحلة” سينمائية شابة من العراق إلى مهرجانات عالمية
كانت زهراء منذ نعومة أظفارها تحلم بدخول عالم الصحافة ومن ثم السينما لتصبح يوما ما صانعة أفلام. ولكن لم يخطر ببال هذه الشابة العراقية البالغة 26 عاما أن أول تجربة تمثيل لها قد تدخلها مهرجانات عالمية.
وكانت فرصة التمثيل قد أتت إلى الصحافية زهراء غندور بمحض الصدفة. ففي يوم كانت تعمل في غرفة المونتاج على أحد أفلامها الوثائقية، وكان يجاورها المخرج العراقي محمد الدراجي الذي كان آنذاك يحضر لعمله القادم، فيلم “الرحلة”. وما أن عرض عليها فكرة الفيلم وحدثها عن الشخصية التي يمكن أن تؤديها حتى وجدت “السبيل لدخول عالم السينما”.
ويتحدث فيلم الرحلة عن حياة “انتحارية” وما يدفعها لارتكاب عمل شنيع مثل تفجير نفسها وإنهاء حياة الكثير من الأبرياء، خاصة وأن أكثر الانتحاريين من الرجال.
تقول زهراء: “كان تحديا كبيرا لي أن أكون سارة. أن أكون الشيء الذي خوفني والذي أرعبني طول حياتي”، وفقًا لما نقلته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
ولكن رسالتها الأساسية من التمثيل في الفيلم هو فكرة أن المرأة مستضعفة وضحية. وسارة كما تراها زهراء “واحدة من بين الآلاف من الذين فقدوا أحلامهم و من ثم قرروا أن ينتقموا من الحياة و الآخرين”.
ملامح زهراء لا توحي بأن بمقدورها تمثيل شخصية قاسية. ولكن ذاك لم يكن عائقا، فقد عملت جاهدة على فهم الشخصية و تمثيلها بصورة صحيحة ووضعت نفسها في عزلة وظروف قاسية لتفهم ماذا كانت تمر به سارة.
وتوضح زهراء: “حرمت نفسي من رؤية أهلي لأشهر طويلة رغم أننا كنا في نفس المدينة، وتوقفت عن أي شيء ممكن أن يرسم البسمة على وجهي. سارة شخص انهار لكي يصبح انتحاريا. وهذا كان يجب أن أفعله لكي أوصل إحساس الشخصية”.
تقول زهراء إنها عانت من اكتئاب بعد انتهاء الفيلم بسبب تماهيها في الشخصية. و لكن ذلك ساعدها على تأدية دور سارة بإتقان في “الرحلة”. فبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق والتدريبات الجسدية المتعبة، رأت زهراء ثمرة جهودها، فقد عرض فيلمها الأول في مهرجان لندن السينمائي وكذلك وصل لمهرجان تورونتو الدولي.
“لو سمحت أنا أتحدث معك”
بدأت زهراء العمل في مجال الصحافة في عمر السابعة عشرة حين كانت متدربة في قناة عربية ثم انضمت إلى فريق إعداد وثائقيات. ومن بعدها، توجهت إلى تغطية مواضيع اجتماعية كثيرة، ولكنها تخصصت في شؤون المرأة والطفل والشباب.
وخلال سنوات عملها في الصحافة، واجهت زهراء الكثير من الصعاب، خاصة كونها امرأة تعمل في مجتمع ذكوري كما هو الحال في المجتمع العراقي.
ومن بين أكثر القصص التي بقيت راسخة في بالها، عندما عملت مديرة إنتاج في العراق ولاحظت وجود حساسيات بينها وبين باقي أفراد الفريق، خاصة الرجال منهم. وتقول إن الأمر وصل إلى رفض أحدهم أخذ الأوامر منها لأنها امرأة، مع أنها في مركز أعلى منه.
وكشفت زهراء أن ذلك التصرف جرح شعورها كثيرا، وكانت أمام مفترق طرق، إما الانهيار والاستسلام أو مواصلة طريقها.
وتقول إنها اختارت الطريق الثاني و لم تدع تلك المعوقات تمنعها من مزاولة عملها ومحاولة تحقيق أحلامها.
وتضيف: “الآن أصبحت لدي مناعة أقوى. الآن حتى الذي يحاول عدم النظر لي عند التحدث معي لأني امرأة، أستطيع أن أقول له “لو سمحت أنا أتحدث معك” وأدفعه إلى التحدث معي لأنني إنسان مثله”.
وتعتقد زهراء أنه أثناء عملها في مجال الإعلام واختلاطها بمديرين وزملاء من الرجال كان تمسكها بقيمها “أحد أسباب عدم تطوري في عملي، مقارنة بأشخاص آخرين. وعانيت من تحرش غير مباشر”.
لكنها تستنتج أن “المرأة التي تقاوم بطريقة صريحة وواضحة توصف بالمسترجلة”.
أما بالنسبة للفن، فزهراء كغيرها من الفنانات تتعرض للانتقاد بسبب الصورة النمطية السيئة للنساء في هذا المجال.
وعلى الرغم من مساندة عائلة زهراء لها في كل خطوة تخطوها، فالمجتمع العراقي لا يزال غير متقبل تماما لفكرة الممثلة أو الفنانة. وتقول زهراء: “كلمة فنانة (آرتسيت) أصبحت تستخدم للنساء اللاتي يُظن بأنهن سيئات. وفي العراق، حتى الفنانين الرجال يبعدون نساءهم عن هذا الوسط.”.
وتقول زهراء إن من الأسباب الرئيسية لدخولها عالم الصحافة والسينما هو التأثير إيجابياً في حياة الأفراد الذين لا يحصلون على حقوقهم كاملة وخاصة وسط النساء والأطفال.
أمران تراهما زهراء مفتاحاً لبوابة النجاح بالنسبة للمرأة هما: الإصرار والصبر، فـ “طالما لديك الإصرار الكافي فإن الشخص الذي أمامك سيحترمك. لكن إذا كنت متخاذلة، فلن يأخذ أحد رأيك بجدية. ويجب أن تكوني صبورة كي تكرري المحاولات حتى تحصلين على ما تريدينه”.