دارين المساعد تكتب : وعادت أيامُ الطيبين

منذ بدأ الأوامر الملكية السعودية بترتيب الأولويات وأصدار قرارات من شأنها تصحيح الدورة الإقتصادية في البلاد . تذكرت إستنكاري الشديد للبذخ والرفاهية والإسراف والتبذير في المجتمع . وأحاديثي اللتي لم تصل لأُذن أحد آنذاك . لقلة إيمانهم بهذه الحكمة الإلهية . قال تعالى ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ  وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)

كُنت أستنكر وأشجب على من يرمون بكل المسؤوليات على عاتق الدولة ومسؤولياتها . نعم رجال الحكومة يتحملون النصف ويتحمل الشعب النصف الآخر . ففي الآونة الأخيرة وتحديداً الخمسون سنة الماضية . تبدّلت أحوال الشعب السعودي مع النفط وإيراداته وصارت النهضة العمرانية والتكنولوجيا وكل جديدٍ أخترعه الإنسان وطوّره . من البديهيات والمسلمات في حياتنا .

وأستنكرنا أي فكرة يمكن أن تقال عن عقاب الله في الإسراف . وصمينا عنها الأذان . وأغلقنا عنها العقول . بإقتناع لايتغير أن بِلادنا بها من الخيرات اللتي لاتنضب . ومن الذهب الأسود مالانهاية . فأعاننا الله على رؤيتنا المحدودة ببعض حلمه ورحمته سبحانه وتعالى . ومرّت السنوات لتزداد البهرجة والبذخ إلى أن لبست الإبل الذهب . وبيعت الماشية البسيطة بالملايين . وأغتسل المسرفين بالعود والعنبر . وسالت أكباد الفقراء حسرةً على الأنعام في حاويات القمامة . ثم بقدرة الله أستولى أعداءنا على نفط العراق وليبيا وأستغنوا عن نفطنا . وزادت الحروب والمجازر والقصف والتهجير من حولنا ولم نعتبر . دخلنا في حرب دينية أخذت منّا أبناءنا إلى معاقل داعش وباتوا ضحايا الفراغ الناشئ عن مناظرات الآباء والأمهات مع أقاربهم وأصدقائهم . وأيضاً تطلّقت النساء بسبب السناب شات ومقارناته الكاذبة . أما صور الإنستقرام كانت تحملهم على تبني الحقد والغل على بعضهم فسودّت قلوبهم وأنشغل بعضهم بحياة بعض . وفجعوا بنحر الأطفال من الخادمات . ودب الرعب في حياة الصغار من تحرّش وقضايا عنف وتعذيب حتى من ذويهم . . وأمّا الشباب فهذا لايشعر بالرّاحة وتتجافى جنوبه عن المضاجع ، لايكاد يُغمض أجفانه حتى تترائى له الديون بصورة أفاعي تلدغه بلا رحمة . لأن زواجه كان مُكلفاً وتحضيراته كانت باهظة الثمن ناهيك عن المهور ووطأتها . أمّا عروسه فمازالت تتندم أنها لم تختار أغلى مما أختارت . كما أنها تُصاب بالقهر والغبن الشديدين حين ترى إحداهن قد لبست أفضل منها وتعطرت بأفخم العطور . أختفت الحكمة والعقلانية من الأمهات بحجة التطور وإختلاف الزمن وأنشأن لنا جيلاً سطحي التفكير عديم المسؤولية .

والصاعقة الكُبرى على المجتمع النسائي هي حين تتقدم إحداهن على مرأى من عينيها مُرتديةً حقيبة وحذاء من شانيل . وتجلس وتتحدث عن رحلتها الأخيرة إلى لندن . أصبح التفكير محصوراً بإطار المجتمع ونشاطاته وأختفى حب العلم والفكر والأدب . لقد مُحيت كُل أخلاق الإسلام وأنتشرت العين والحسد والمس والسحر بين الناس . فلم يهنئوا بأي شيء يملكونه ، بل كل من أنفق على الكماليات الباذخة . تخلّت عنه الراحة والسكينة وأبتُلي بالأمراض . لأن الله ينظر إلى قلوب عباده ونواياهم . فلا تحلو الحياة بعينِ مذنب بالحسد ، أكل حسده وغِلّهُ حسناته كما تأكل النار الحطب . ولا من ينفق المئات والملايين وبنيته قهر فلان وإستنقاص من فلان .

مضت السنين وبدأت تضُيقُ هذه الحياة الخِناق على أهلها وتوالت على مسامع الصغار ماأجمل أيامنا قديماً وماأفضلها عِشرة الطيبين . أولئك أصحاب القلوب البيضاء والحياة البسيطة . قوت يومهم كان شاقاً لكن له طعم إنجاز وفرحة حمدٍ وشكر لله الذي رزقهم . فإزدادات الرسائل المُستحضرة لأيام الطيبين وتفاصيل حياتهم . وكثرت الحسابات المُختصّة بصورهم وصور سياراتهم ومنازلهم ومنتجاتهم وملابسهم وكُل مايمكن أن يُعيد هذا الجيل لذلك الزمن الجميل .

وهرب كبار السن من مجالس المبذرين وأنغلقوا على أنفسهم محذرين برؤية جليّة مما يحدث الآن . فيهرع أبناءهم وأحفادهم يسترضونهم بمحاولة إقناعهم بإختلاف الزمن . مع أنه لم يتغير لكن تغيرت النفوس فبدّل الله حالها بماغيّرته . والآن وبقرار الرسوم على المحلّات التجارية . ستغلق أغلب المحلّات الكثير من فروعها لتكتفي بالمركز الرئيسي . وسيهرب التجار المبتدئين من الخسارة إلا التخلّي عن هذا المجال . أما تجار الدخل المتوسط فربما يكتفون ببعض المحلّات الصغيرة . اذن ستختفي لوحات المطاعم الفاخرة والبقالات المتعددة والصيدليات الشاسعة وأيضاً الأسواق الكبيرة لن يُجاري أسعارها أيُ أحد . وسيدخل الرجل ليشتري بعض السلع البسيطة ويدفع خمسمئة أو ألف ريال . وسيسود التقشف ويُجبر المبذرون على حفظ النعمة والإكتفاء بما يسد الحاجة .

وها نحن نعود إلى مايشابه زمن الطيبين لأن هذا نتاج إيديهم بالإسراف والتبذير . بقلة الحمد وإستحالة القناعة والشبع . وبالتكرار الشديد تُجذب الأُمنيات والأهداف والطموحات . وبالتكرار والإستشعار نجذب حتى المخاوف والمشاعر السلبية وليس ذلك فقط بل نجذب حتى المصائب . لأن الله عند حسن ظن عبده به سبحانه وتعالى . وهذا مافعله هذا الجيل زاد الشوق لأيام الطيبين فعادت من جديد .

كاتبة سعودية

شكرا للتعليق على الموضوع