فنانون أرمينيون يحتفلون بالأحلام في بيروت
في أجواء تزخر باللمسات الفنيّة الغنية والمتنوعة يستقبلك معرض «الاحتفال بالأحلام» الذي تقيمه «آرامي آرت غاليري» في أسواق بيروت، برعاية سفارة جمهورية أرمينيا في لبنان، حتى 6 كانون الثاني (يناير) 2018.
هذه الاحتفالية الفنية التي تستقي من الحلم إلهامها، تضمّ 85 لوحة مختارة من أعمال 20 فنّاناً، تحاكي التشخيصي والسوريالي والشمولي والتجريدي.
للمعرض هوية أرمينية تحاكي فترة انهيار الاتحاد السوفياتي. وهنا يتوقّف ميكاييل فاييجيان ممثّل غاليري «آرامي آرت غاليري» في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي على وجه التحديد، عند الغنى الذي يشهده المجتمع الأرمني في هذا المجال، إذ إن «عدد الفنانين التشكيليين المسجّلين في النقابة يتراوح بين 2100 و2150 فناناً، وهي نسبة عالية جدّاً قياساً بعدد السكان».
ينتمي الفنانون الحاضرون في المعرض، وفق فاييجيان، إلى نخبة فناني المجتمع الأرمني، وتُعرَض أعمالهم في المتحف الوطني وفي البنك المركزي في أرمينيا، وفي متاحف مختلفة حول العالم في فيينا، لوس أنجليس، باريس ونيويورك…
تطالعك في المعرض أعمال لدارون موراديان الذي «يُعتبَر الفنان المعاصر الأول في أرمينيا اليوم»، وفق فاييجيان. وهو حظي بألقاب عالمية وبجائزة سويسرية، فضلًا عن كونه ذائع الصيت في تركيا وحصوله على جائزة رئيس الجمهورية في أرمينيا. ويتميّز أسلوبه بدمجه بين التقنيتين القديمة والمعاصرة من حيث المقاربة الخيالية المستقاة من الواقع، فهو يتيح للمخيلة آفاقاً واسعة من خلال لوحاته، خصوصاً في «المرأة التي يستحيل الوصول إليها»، إذ تُظهِر صعوبة الوصول إلى تلك المرأة التي تلفّ عنقها بحيوان وتدخن سيجارتها بهدوء محاطة بالفاكهة.
ولا تستطيع إلا أن تحدّق ملياً في لوحات روبين أبوفيان الذي كان طفلًا مريضًا عندما بدأ الرسم في أحد مستشفيات أوكرانيا. وتنطوي مقاربته للفنون على النهضة المعاصرة فيجمع فنون عصر النهضة بطريقة مستحدثة في كثير من اللوحات. وتبدو الوجوه غير واضحة في لوحاته.
أما سركيس هامالباشيان، فيُعتبَر ربما الفنان الوحيد بين الحاضرين الذي يركّز على المزايا الأرمنية في رسومه، ولكن بطريقة تتجه أكثر نحو العالمية وتنتهج الطابع الإنساني، ففي لوحته «الاحتفال» يجمع بين أناس أرمن وآخرين من حضارات متنوّعة وكأنّهم يحتفلون بالعالم على سجيّتهم. سركيس واسع الشهرة في أميركا وعُرضَت لوحاته في البنك المركزي وفي جناح كبار الشخصيات في مطار يريفان. بدأت شهرته الواسعة من نيويورك، ومن إحدى لوحاته الملفتة في المعرض لوحة «الحمام الشرقي».
أما التقنية التي يشبهها فاييجيان بالثلاثية الأبعاد في الرسم فتطالعك لدى مارات مارغاريان الذي تركّز أعماله على المناظر الطبيعية وخاصة الأشجار. هو عاشق لبيروت وأحرزت لوحته «تحت سماء بيروت»، التي تتوسطها أرزة في أفق المدينة بأسلوب يوحي بالسلام والطمأنينة، نجاحاً بارزاً. ويقول إن مارات يشبه لوحاته كثيراً من حيث السلام الداخلي الذي يعكسه في أعماله الفنية.
«في عملي أسعى إلى توحيد العالم المحيط مع الحقيقة الغامضة المحاذية. الخيال هو العامل الأكثر أهمية في الفن لكونه يفتح بعض الممرات ناقلاً إيّانا إلى الماضي والمستقبل اللذين يملكان تأثيراً كبيراً على الحاضر. إن الرسم هو مساحة تنكسر فيها كل الأزمنة». لعلّ هذه المقولة لروبين غريغوريان تختصر خصوصية أعماله. فهو يضع في لوحاته الأشخاص من دون رؤوس، لأنه يريد للناس أن يتخيلوا الرؤوس وما يدور فيها، كما يقول. وقد حظيت لوحته «المشنقة» التي تظهر فستاناً واسعاً ترتديه امرأة من دون رأس، وهي ترفع يدها معلَّقة في مشنقة، بكثير من التماهي بينها وبين حالة المرأة في مجتمعنا اليوم، وقد لاقت اهتماماً كبيراً لدى المعنيّين بشؤون المرأة وفق فاييجيان. يظهر غريغوريان التفاصيل بدقة في لوحاته فتبدو أقمشة الفساتين والأيادي وكأنها حقيقية فعلاً، إذ يصعب تمييزها عن صورة حقيقية عالية الجودة لولا غياب الرؤوس.
يعكس غابو الفرح في كل لوحاته ويغرس الابتسامة في أحلك المواقف، لوحته «أنا وعبيدي» مفعمة بالفرح من خلال تناسق ألوانها وعناصرها على عكس محتواها، وكأنّها تحرر شخوصها بالفرح من عبوديتهم المفترضة. درس غابو الهندسة ويسعى إلى التخلص منها في رسومه، حيث يعمل على شخصياته بكثير من التحرر. وأصدرت وزارة الثقافة الأرمينية أخيراً كتاباً له باعتباره أهم الفنانين المعاصرين في الدولة.
ويعرض «الاحتفال بالأحلام» منحوتات ماغريتا ماتوليان البرونزية التي تُعِدّ قطعة واحدة من كل منها، وتحاول أن تنوِّع مواضيع منحوتاتها. تألّقت أعمالها «صانع القهوة»، «الأميرة»، «الملك والملكة» و «الممثلة» في أرجاء المعرض. تتميّز مارغريتا بحبها الخالص للفن بعيداً من الحيّز التجاري. وتحظى منحوتاتها بإعجاب الأطفال نظراً إلى النور الذي يشعّ منها والفرح الذي تعكسه.