التخلص من القلق “يساعدك على التحدث بلغة أجنبية”

قد يكون التخلص من القلق سببا رئيسيا في أن تصبح لغتك الثانية أكثر وضوحا بالنسبة للآخرين.

وتقول دراسة جديدة أجرتها جامعة ماستريخت الهولندية إن شرب بعض الكحول، وما يصاحب ذلك من جرأة وثقة في النفس، يمكن أن يحسن أداءك في التحدث باللغة الثانية.

وقدم الباحثون في هذه الدراسة مشروب الفودكا ممزوجا بالليمون لمجموعة من 50 طالباً من بعثة ألمانية يدرسون في هولندا، وقدموا لمجموعة أخرى الماء.

وعند صعود تأثير الكحول في الدم بنسب مُتوقع الوصول لها بعد شرب كأس من البيرة نسبة الكحول فيها 5 في المئة، طُلب منهم مناقشة موضوع خضوع الحيوانات لتجارب مخبرية باللغة الهولندية لعدة دقائق، وسُجلت المحادثة وتم تحليل أدائهم من قبل ناطقين أصليين باللغة الهولندية.

وكانت النتائج مفاجئة لفريق ماستريخت، حيث أظهرت أن من شربوا جرعة خفيفة من الكحول كان نسبة مشاركتهم في النقاش بلغة أجنبية أعلى من هؤلاء الذين شربوا الماء فقط.

وتقول جيسيكا ويرثمان، التي شاركت في الإشراف على هذه الدراسة، إن فريق البحث فوجئ بالنتيجة “التي جاءت عكس توقعاتنا تماما”.

وتؤكد النتائج شيئاً يعرفه الموظفون المغتربون من خلال تجاربهم مع زملائهم، كما تشرح كايت برايس- وهي بريطانية تعيش في برلين- حول التكلم باللغة الألمانية.

وترى برايس أن الأمر له عدة جوانب، وتضيف: “بكأس واحد تصبح واثقاً، بكأسين تصبح فصيحاً، أما مع الكأس الثالث فغالباً ما تبدأ في الانزلاق إلى الجهة الأخرى من المنحنى”.

لكن القائمين على البحث يحذرون من وضع استنتاجات واسعة، فهي دراسة صغيرة تحتاج أن يُعاد اختبار نتائجها. وتتساءل ويرثمان عما إذا كان الطلاب سيحصلون على النتيجة ذاتها مع لغات ليست متقاربة، مثلما هي الحال بين الألمانية والهولندية.

وتشرح قائلة: “وجدنا أن الكحول له تأثير كبير على طريقة اللفظ، وقلنا مازحين ربما الألمان وهم سكارى يصبح نطقهم شبيها بطريقة نطق الهولنديين”.

لكن تجربة مشابهة أجريت في سبعينيات القرن العشرين، حيث طُلب من عدد من الانجليز أن يؤدوا اختبارا يتضمن نطق لفظ باللغة التايلندية التي لا يتقنونها، وأظهرت النتيجة أن مشروباً كحولياً واحداً يمكن أن يساعد في تحسين طريقة النطق باللغة الثانية.

القلق هو كلمة السر

وفي حين يقلل الكحول من التركيز، ومهارات التناسق والحركة، فهو في ذات الوقت يقلل من حالة الشعور. وغالباً، فإن القلق هو ما يجعل الكثيرين معقودي اللسان عندما يحاولون التحدث بلغة أجنبية.

ويقول فريتز رينير، الذي شارك في دراسة جامعة ماستريخت: “إحدى احتماليات نتائجنا تعود إلى انخفاض التوتر بسبب تأثير الكحول، إذ يسترخي الناس بعض الشيء عند التحدث بلغة أجنبية دون أن يسيطر عليهم القلق”.

وكانت آنتجي ريبيتشي، وهي مُحاضرة تعلم اللَغة الألمانية في جامعة نيويورك في برلين، تعلم طلاباً أجانب في العاصمة الألمانية على مدى 14 عاماً، وتعتقد أن القلق يلعب دوراً خادعاً في تعلم اللغة.

وتقول: “القلق هو أكبر مشكلة تواجه هؤلاء الذين يتعلمون لغة أجنبية، فالناس لا يحبون أن تخرج الأمور عن السيطرة، أو أن تحدث أخطاء تؤدي إلى إحراجهم”.

وتضيف: “الفكرة المهمة هنا هي عدم الشعور بالثقة، فالكثير من الناس يعتقدون أن لفظهم الخاطئ في اللغة الأجنبية يجعلهم يصدرون أصواتاً بشكل سخيف ومحرج. لذلك عندما تخلق جواً مريحاً في الصف، حيث يمكنك أن تضحك على نفسك من خلال الغناء أو ممارسة الألعاب أو الاستمتاع، فإن تعلمك للغة يتحسن، ويمكنك أن تقوم بهذه الأشياء الممتعة دون الحاجة لشرب الكحول”.

إذاً، يخفف الكحول من القلق بعض الشيء، لكن هل يجعلك كذلك أكثر شجاعة؟

يقول رينير إن الكحول لا يساعد كثيراً في تعزيز مستويات الثقة بالنفس.

فقبل شرب الكحول، طُلب من مجموعة من الطلاب تقييم مستويات ثقتهم في أنفسهم، وقال الذين شربوا الكحول منهم أنهم لم يشعروا بأنهم أكثر شجاعةً، لكنهم ربما شعروا أنهم أكثر استرخاءً.

ويقول رينير: “لا تُظهر الدراسة أن الناس يصبحون أكثر شجاعة، بل إننا نطرح العكس، فنظرتهم لأنفسهم لا تتأثر باستهلاك الكحول”.

بمعنىً آخر، ربما يتحسن الأداء في اللغة بسبب انخفاض مستويات القلق، لكن مستويات الثقة -على غير المتوقع- لم تتزايد.

الكحول لا يعزز الأداء

ويؤكد مؤلفو الدراسة الهولندية على أنه لا يجب النظر إلى الكحول كمعزز للأداء.

وقد اتفق مع هذه النظرية جوناثان هولندا، أستاذ في طب الطوارئ في مركز جامعة بوسطن الطبي، والذي ألف عشرات الدراسات حول شرب الكحول في أماكن العمل.

وركز البحث الذي أجراه هولندا على تأثير الكحول على الأداء، في دراسة بحثت في كيفية محاكاة طلاب الملاحة لقيادة السفن التجارية وهم تحت تأثير الكحول. ويربط هولندا مفهوم “الشعور بالشجاعة” المرتبط بتناول الكحول بفكرة إيهام النفس بما هو ليس حقيقيا.

ويقول: “في بحوثنا حول طلاب الملاحة، حدث أمران: الأول هو أن أداءهم كان أسوأ بكثير عندما شربوا الكحول، والثاني هو أن مَن شربوا الكحول اعتقدوا أن أداءهم كان أفضل بكثير مما هو عليه الواقع”.

أما رينير، الذي عمل على بحث جامعة ماستريخت، فلا يريد في هذه الأثناء أن يعتمد الناس على الربط الذي قدمته الدراسة بين الكحول والأداء الجيد.

ويقول: “لا نريد أن نتجاهل الآثار السلبية لاستهلاك الكحول، فهي بلا شك تطغى على الإيجابيات قصيرة المدى التي تم رصدها تحت ظروف مخبرية مراقبة”.

ويضيف: “رسالتنا لا تتمثل في أن الكحول يساعد في تقدم الأداء في اللغة، فمن الأفضل طبعاً الدراسة لوقت أطول، والخروج للتحدث مع أصحاب اللغة الأصليين في حانة، سواء مع شرب الكحول أو بدون ذلك”، وفق ما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

شكرا للتعليق على الموضوع