ناجي شراب يكتب : حروب ستفرض «سايكس- بيكو» الجديد
هل يمكن وصف المنطقة العربية بمنطقة حروب؟ إذا كانت الإجابة نعم، وهي فعلاً كذلك، فما هي أسباب هذه الحروب؟ ومن يقف وراءها؟ وما دور الدول العربية في هذه الحروب التي تعتبر أراضيها مسرحاً لها؟ والسؤال الأهم ما هي تداعيات هذه الحروب؟ وهل نشهد حرباً أخيرة قريباً؟
تاريخياً المنطقة كانت منطقة حرب بكل مستوياتها الإقليمية والكونية، الى درجة ان الحربين العالميتين الأولى والثانية لم تكن المنطقة بعيدة عنهما، وإن تداعياتهما انعكست في شكل مباشر على المنطقة، بدءاً بالحرب الأولى التى كانت بداية لتقسيم المنطقة إلى دول قطرية غير قابله للاندماج والتطور، وبقيت تحمل في قلبها بذور الصراع والعداء. ولعل تفسير هذه الظاهرة الخطيرة، مرتبط بأسباب كثيرة، أولها الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية للمنطقة، فأقل ما يقال إنها منطقة قوة تسعى إليها كل الدول الإقليمية والدولية.
السبب الثاني وجود إسرائيل التي أقيمت بفعل القوة في قلب المنطقة العربية، ومن اهدافها الحفاظ على تفوقها وقوتها على بقية دول المنطقة.
اما السبب الثالث وقد يكون الأهم، فهو ضعف المنظومة العربية الواحدة القوية وغياب دور الدولة المحورية، والعمل الدؤوب من قبل الدول الإقليمية والدولية على إجهاض قوة هذه الدولة.
ويمكن ان نضيف سبباً آخر، وهو حالة الصراع والتنافس بين القوى الإقليمية والدولية، كإيران وتركيا وأثيوبيا وإسرائيل على المستوى الإقليمى، والصراع بين الولايات المتحده والاتحاد السوفياتي أولاً والآن مع روسيا، هذه القوى كلها لها أهدافها ومصالحها الإستراتيجية. والمنطقة بكاملها كانت هدفاً لسياساتها. وبسبب هذا التنافس شهدت المنطقة العديد من الحروب الكبرى والصغرى، منها حرب 1948 وحرب 1973، وهما حربان رئيستان أخذتا طابعاً عربياً، وحروب إسرائيل مع لبنان، ومع حركة «حماس» في غزة. وهناك حروب بالوكالة تقوم بها فواعل من غير الدول، مثل «حزب الله» فى سورية ولبنان، والحركات الإسلامية المتشددة مثل «داعش» في سورية والعراق وليبيا، والخطورة في هذه الحروب انغماس بعض الدول العربية فيها، وأخطرها على الأمن القومي العربي احتلال العراق للكويت، وقبلها حرب إيران والعراق، وشكلت الأولى ضربة قوية لمفهوم الأمن القومي العربي، اذ نلاحظ من يومها غلبة الأمن القطري على الأمن القومي العربي، ما يفسر التراجع في القضية الفلسطينية كقضية قومية عربية.
اليوم، وبعد موجة التحولات العربية التي كان مخططاً لها، ازدادت احتمالات الحروب والصراعات التي تشهدها المنطقة، إلى درجة لم تبق دولة عربية بعيدة من هذه الصراعات. والأمثلة كثيرة في ليبيا واليمن وسورية ولبنان والعراق، وأخيراً بروز الأزمة القطرية أو الخليجية في أوسع مضامينها، والتي تعرّض منطقة الخليج لكل الاحتمالات، باعتبارها المنطقة التي كانت أكثر استقراراً والتي أصبحت بسبب أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية مستهدفة في شكل مباشر بأطماع الدول الإقليمية، وأرضها باتت تستقبل الوجود العسكري الأجنبي، كما نرى في قطر الأميركي والتركي وتمدد النفوذ الإيراني. وفي غيرها تمدد النفوذ الإيراني حتى ساحل البحر المتوسط من جهة سورية. وزيادة الوجود العسكري الروسي في سورية وتحقيقه لحلم قديم في الوصول الى المياه الدافئة في الخليج. وما يزيد من احتمالات الحرب التمدد الإيراني فى منطقة الخليج، ومحاولة إجهاض القوة السعودية بإحاطتها بمناطق تسيطر عليها إيران في اليمن، وفي الشمال العراق وفي الغرب لبنان وسورية، وهي سياسة تعرف بسياسة الكماشة، والهدف الأساس منها ضرب الدور السعودي وإضعافه ما يسهل السيطرة على المنطقة ويحوّل إيران دولة إمبراطورية تعيد معها أحلام الأمبراطورية الفارسية. وما يزيد من احتمالات الحرب استهداف السعودية بصواريخ باليستية «حوثية»، ولهذا دلالات خطيرة، فعندما تستهدف عاصمة دولة ما فهذا يعنى الاقتراب من المواجهة العسكرية، وزيادة الذهاب نحو خيار الحرب.
ولم تتوقف هذه التهديدات على السعودية بل طاولت إمارة أبوظبي. وفي الوقت ذاته تشخص العيون الى الجيش المصري الأقوى فى المنطقة، وهو الحصن القوي للأمن القومي العربي والقادر على كبح جماح نفوذ وتطلعات هذه الدول. وتفاقمت التطورات بعد استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري وظهور الفراغ فى لبنان، وتجدد الحديث عن حرب جديدة قد يكون لبنان مسرحها. ومن هذه الرؤية تبدو خيارات الحرب واحتمالاتها وأطرافها وأهدافها واضحة، وهي إعادة رسم الخريطة السياسية الثانية للمنطقة، لكن على أسس مذهبية وأثنية وقومية جديدة تأتي على حساب الهوية العربية للمنطقة.
ان مواجهة هذه الأخطار تتطلب تدعيم التنسيق والتحالف العربيين بين مصر كدولة أساس والسعودية والإمارات وتوسيعه ليشمل دولاً عربية أخرى مستهدفة، كالأردن مثلاً. والإسراع بالتسوية السياسية للعديد من الأزمات، خصوصاً في سورية، والعمل على احتواء الأزمة الخليجية وعدم تحولها مدخلاً للدول الطامحة. وأخيراً يبدو ان المنطقة قد تكون مقبلة على حرب هدفها إعادة رسم خارطتها السياسية بما يتوافق هذه المره مع مصالح دول كثيره، في السابق كانت بريطانيا وفرنسا وفقاً لاتفاقات سايكس – بيكو، اما اليوم فهذه الدول عديدة: إيران وتركيا وإسرائيل والولايات المتحده وروسيا، ما يعنى ان تصبح المنطقة عبارة عن خريطة سياسية قزميه تتكون من العديد من الكينونات والدويلات الصغيرة ما يبقيها تحت سياسة الإتباع والاحتواء. وهذا هو التحدي الأكبر الذى يواجه المنظومة العربية؟ فماذا نحن فاعلون؟
الحياة
د . ناجي صادق شراب