كيف يعيش اللاجئون حالات الحزن ويتغلبون عليها في الغربة؟
يبقى فقد من نحب من أكثر الأمور إيلاماً في الحياة، ويزداد الألم في حال وقعت الحالة ونحن بعيدون عمن نحب. فكيف يعيش اللاجئون أحزانهم في غربتهم وكيف يمكنهم تخطي حالة الحزن؟
ربما لم تمض سنوات الحرب السبع على السوريين دون فقدٍ ماديٍ أو معنوي، فعلى الأقل من هجّر منهم حول العالم ولجأ إلى دول الجوار أو أوروبا أو حتى غيرها من الدول، عانى من الفقد الأكبر فقد الوطن. في الغربة يصبحُ كلّ شيءٍ أصعب سواء الوحدة أو الحنين، لكن الأصعب على الإطلاق هو الفقد، خاصةً إذا كان المفقود بعيداً آلاف الكيلو مترات، يصبح التعبير عن الحزن أصعب، ويأخذ شكلاً مختلفاً.
وعد، الشاب السوري الذي يعيش في سويسرا علم بنبأ وفاة ابن عمه وصديقه من الأخبار، حيث سمع أنه تم العثور على جثث خمسة سوريين في جرود عرسال، عندها “فقد الشعور بشكلٍ تام”، كما يقول لمهاجر نيوز، ويضيف “لا يمكنني أن أصف حالتي في تلك اللحظات، كنت بعيداً عن عائلتي وعائلته. لم أكن قادراً على التعبير عن حزني. لم أمارس طقس حزني كما يجب، كما لو كنت هناك في سوريا”، وفقًا لموقع “دويتشه فيله” الألماني.
يستذكر وعد تلك اللحظات بألم ويقول “أتذكر أني كنت أبكي في الطريق بمفردي، لم أكن قادراً على الصراخ أو التعبير، لم أكن قادراً على الصلاة له مع عائلتي، أن أتشارك الحزن معهم”. ويتابع “الحزن في الغربة صعبٌ جداً، وربما يكون أفضل حل بوقتها هو الانعزال، لذلك بقيت بمفردي لثلاثة أشهر، أشاهد صوره مراراً وتكراراً، أكتب له رسائل على الفيس بوك، وأبكي”.
“الصدمة… ومن ثم الإنكار..”
رزان صبية عشرينية تعيش في هولندا، تخبرنا عن الحالة التي تلقت فيها خبر وفاة جدها عندما كانت في تركيا، وتشرح لمهاجر نيوز “عندما توفي جدي الذي كنت مقربة منه جداً، لم أستطيع أن أحزن. كنت في حالة اقتصادية صعبة، أحاول البحث عن طعامي وقتها. لذلك لم أستطع أن أشعر بالحزن، كذلك الصدمة ربما دفعتني للإنكار، كنت أشعر بأني أصطنع الحزن، ربما لأني لم أكن أصدق خبر وفاته. لكن ما أثار حزني هو حالة أهلي السيئة”. وتضيف رزان “همومي كانت تشغلني، بعد فترة وعندما استقريت بدأت أستوعب الحزن، شعرت بأنني أخزن كل ذلك الحزن في داخلي، وانفجر على أتفه القصص، حزنت على جدي بعد فترة، وعلى أشياء أخرى لم يكن لدي ترف الحزن عليها في البداية”.
الأخصائي النفسي الدكتور عامر المصري المقيم في ألمانيا يشرح هذه الحالة التي قد تصيب العديد ممن تعرضوا لحالات الفقد في الغربة ويقول لمهاجر نيوز “هناك عدة أنواع من الإنكار، والإنكار الأساسي أو عدم الاكتراث لأن الشخص بالفعل لم يعد معنيا، وهو أمر يعود لطبيعة كل شخص وعلاقته بالمتوفى، أما النوع الآخر وهو ما يسمى: اضطراب الرض ما بعد الصدمة، حيث يعيش الشخص فترة إنكار بسبب الحزن الشديد والصدمة الناتجة عنه، يمكن أن تستمر لبضعة أيام، وإذا استمرت أكثر قد يطور الشخص حالات أخرى، كرفضه تذكر كل ما له علاقة بلحظة تلقي الخبر مثلاً. لكن إذا طالت أكثر مثلا أكثر من شهر وهو أمر يختلف من شخص وآخر، هنا يمكننا القول أن الحالة أصبحت مرضية، ويجب أن يطلب مساعدة”.
“لن أسامح نفسي”
صفاء الأم الثلاثينية التي تعيش في لبنان، فقدت شقيقها في سوريا خلال قصفٍ على ريف حلب. صفاء لم تشعر بالحزن فقط، بل إنها تعاني من شعورٍ بالذنب، إذ تلوم نفسها بشكلٍ دائم على بقائها على قيد الحياة، وتقول “كلما أتذكره يخطر ببالي أني كان من الممكن أن أكون مكانه لو بقيت هناك. أشعر بحزنٍ شديد، وأشعر أنه كان بإمكاني حمايته لو أصريت على خروجه معي”.
الدكتور عامر المصري يرى أن “هناك بعض الأشخاص الذين يبدو عليهم أنهم يعيشون بشكل طبيعي بعد حالات الفقد، لكن الحزن يأتي على شكل أحلام مثلاً، مما يعيقهم في بعض الأحيان عن ممارسة نشاطهم اليومي. كذلك تختلف طريقة التعبير لدى كل شخص وآخر فهناك من يحاول الخروج من الموضوع بشغل نفسه كي ينسى، أو هناك من يقوم بالانغلاق، وطالما كان ذلك ضمن الفترة المعقولة فهو ليس حالة مرضية”. ويتابع الدكتور المصري “على الشخص أن يعرف أنه لا علاقة له بحالة الفقد، وهو ليس مسؤولا عما حدث فلم يكن يستطيع أن يمنع ما وقع، ولن يتمكن من تغيير شيء، وهذا مهم للخروج من الحالة”.
كيف يمكن تخطي الحزن؟
يرى الدكتور عامر المصري الأخصائي النفسي أن “90 بالمئة من الحالات تقدم الشبكة الاجتماعية المحيطة بالشخص الذي تعرض لحالة فقد، الدعم الكافي لإخراجه من حالة الحزن، أما في حال لم تستطع ذلك عليه اللجوء إلى طبيب نفسي” ويضيف “يجب حث الشخص على الكلام، والتعبير عن مشاعره لأن ذلك يمكن أن يساعده في التغلب عليه، ففي بعض الحالات حين يرفض الشخص التكلم عن الموضوع يمكن أن يخلق عالما بديلا ويعيش في حالة انفصال عن واقعه، فيما لو ترسخ يتحول لحالة مرضية، كما يجب أن نرى أن السبب المباشر للحالة التي يمر بها الشخص هو الفقد فقط أم الأمور والرواسب الأخرى فجعلت الحالة تتطور هكذا”.