شبان بغداديون يحاربون التطرف بمقطوعات موسيقية
بعد سنوات الحرب والدمار التي شهدتها المحافظات العراقية، تحاول مجموعة شبابية إعادة البهجة والحبور للعاصمة العراقية بغداد ومحافظات أخرى عن طريق تنظيم حفلات موسيقية وفنية مفاجئة بطريقة “الفلاش موب”.
بعد سنوات من الحرب والعبوات الناسفة، وضحايا الأسلحة الكاتمة للصوت، وما أسالته من دماء، اعتاد خلالها سكان العاصمة العراقية “بغداد”، كما المحافظات الأخرى على معايشة أمور التطرف والتشدد الطائفي، والذي تحول في بعض الأحيان إلى ارهاب منظم، تشهد جنبات وشوارع المدينة ذاتها عددًا من الانشطة والفعاليات الاجتماعية والثقافية المدنية، كان آخرها العزف الموسيقي المفاجئ أو ما يعرف بـ”الفلاش موب”؛ وهو الفن الذي يرى فيه الفاعلون سلاحاً لمحاربة التطرف ونشر المحبة.
ويقصد بـ “الفلاش موب”، التجمع المفاجئ، وذلك عندما يجتمع حشد من الناس و يقومون بأفعال غير اعتيادية لفترة وجيزة، ثم يتفرقون، ويكون ذلك بهدف الترفيه، التهكم، والتعبير الفني في أغلب الأحيان.
“لكل منا رسالة. ورسالتنا محاربة التطرف والارهاب اللذان يحاولان قتل البهجة والسعادة. ووسيلتنا هي الموسيقى”، هكذا يعزوا عازف الكمان أمين مقداد (29 عاما)، عزفه على تلك الآلة الوترية، التي ترافقه أينما ذهب.
ويقول مقداد، وهو من سكان مدينة الموصل، إن بداية فكرة القيام بفعاليات “الفلاش موب” كانت، “عندما دخل تنظيم “داعش” للموصل في حزيران 2014، ومنع كل الفعاليات والأنشطة الثقافية، ومنع العزف بل حتى صادر الآلات الموسيقية، من قبل عناصر التنظيم، وكان من بينها الآلة الخاصة بمقداد. ويوضح “بدأت حينها بتأليف المقطوعات الموسيقية سراً، وأخذت على نفسي عهداً بان أحارب التطرف بالموسيقى، وأبدد التشدد بمقطوعات المحبة”.
ويضيف مقداد أنه وبعد مرور اكثر من سنتين على حكم “داعش” لمدينته، تمكن من الفرار وعائلته باتجاه بغداد – التي يسكن فيها حاليا- لتطلق العاصمة جناحيه مرة اخرى إلى عالم الموسيقى الذي يحب، ويلتقي فيها بأصدقاء جدد خلال مهرجانات فنية ليلتقي مع كل من علي التقي (21 عاما) واحمد توفيق (21عاما)، ويشكلون فرقة تركيب (Tarkib En samble) التي باتت متخصصة بفعاليات “الفلاش موب”.
أولى الفعاليات
“ويقول المقدادي “أول فعالية لا تزال عالقة في الذهن، لسببين: الاول إنها تزامنت مع أول يوم في شهر رمضان. والثاني إنها كانت في ساحة الاندلس وسط بغداد”، ويسترسل مقداد في حديثه: عدد من الصعوبات واجهتنا حينها، خاصة محاولة القوات الامنية منعنا من العزف ومطالبتنا بالحصول على موافقة أمنية.
ويتابع: “تعاملنا معهم وفق سياسية الالهاء، كان أحد أعضاء الفرقة يلهي عنصر الأمن بالحديث، ليكمل الاخرين عزف مقطوعاتهم. ويستدرك مقداد ، مبتسماً: كان من بين الاشخاص الذين تجمهروا حولنا مستغربين ومستمتعين، رجل كبير في السن ، كان مبتسماً طوال مدة العزف التي لم تتجاوز الخمس دقائق، كأنه يطمئننا بأن رسالتنا وصلت إلى قلبه. لقد ادخلنا البهجة إلى قلبه.
أما علي التقي، والذي كانت بداياته مع فن الـ (بيت بوكس) منذ دراسته للثانوية العامة، فقد بين انهم وخلال الفعاليات التي أقاموها في شوارع بغداد، والفعاليات الأخرى التي أقاموها في محافظة البصرة، تمكنوا من كسر “تابو” جديد من محرمات “تابوهات” الانغلاق والتشدد وذلك إصراراً منهم على إعادة بث الحياة المدنية في العراق. ويتابع بالقول: ان من يتحلقون حولنا اثناء العرض الذي نقدمه، نعرف متى اننا أبهجناهم، حينما يبدؤون بإخراج هواتفهم لتصويرنا، على الرغم من أن بعضهم كانوا بوجوه متهجمة حين بدأنا العزف.
أنشطة متعددة وتفاعل شعبي
ويوضح التقي أن عروض “الفلاش موب” التي قدموها امتازت بأنها كسرت الروتين المتوقع لها، إذ لم تقتصر على الموسيقى فقط، فمرة يتضمن العرض رقص تعبيري، وأخرى يتضمن رسم حر اثناء العزف، وايضا الأماكن كانت مميزة، فمنها التاريخي مثل شارع الرشيد، ومنها الرمزي مثل ساحة التحرير، ومنها الثقافي قرب نصبي نازك الملائكة في ساحة الاندلس وشهريار وشهرزاد على شارع أبو نوّاس، فضلا عن شوارع المنصور والسعدون والكرادة وسط العاصمة، والأخير احتضن أكثر من فعالية.
أحمد توفيق، عازف (الدف)، هو الآخر يقول: “منذ سنوات لم نسمع موسيقى في بغداد، في شوارعها تحديداً. هذا الشيء مستغرب من قبل الاهالي الذين اعتادوا سماع اصوات الانفجارات والاشتباكات المسلحة وما يلحقها من عويل ونياح على ضحاياها”. ويستدرك: “هذا كان احد اهم اهدافنا؛ احياء الموسيقى في شوارع بغداد، واستبدال أصوات القبح بمقطوعات الجمال”.
ويوضح توفيق – وهو طالب فنون جميلة- أن الموسيقى غذاء الروح، والعزف في الشوارع امر طبيعي في جميع المدن بالعالم، إلا في المدن العراقية، لكنه يستدرك: “الحياة كانت طبيعية أيضا في بغداد، الا ان الحرب أنستها الموسيقى. نحن وموسيقيون اخرون سنعيد لبغداد موسيقاها، وسنعيد للموسيقى جمالها البغدادي”.
DW