تعرف على جزيرة أبو منقار بالبحر الأحمر

#شجع_سياحة_بلدك

التلغراف – البحر الأحمر – أحمد عطاالله:

كنوز البحر كثيرة، ويكاد لا يخلو عنصر فيه من فائدة أو استخدام لبني الإنسان.

ومن أبرز هذه الكنوز غابات المانجروف العائمة التي تمتد على شواطئ البحار الاستوائية وشبه الاستوائية، مزينة إياها بالخضرة البهية وبألوان مختلفة من الحياة البحرية. المانجروف الذي يعرف في المنطقة العربية بأسماء أخرى مثل الشورى والقرم، ليس مجرد نبتة ساحلية، بل هو موئل فريد ونظام بيئي متكامل وعالي الإنتاجية، يضم أنواعاً لا حصر لها من الطيور والأسماك والقواقع والقشريات والروبيان والكائنات المجهرية، التي ما كانت لتتوالد وتجتمع معاً في بيئة معيشية واحدة لولا غنى مصادر الغذاء والحماية الطبيعية التي توفرها أشجار المانجروف الوارفة.

صورة فضائية لجزيرة أبو منقار
صورة فضائية لجزيرة أبو منقار

وتعد جزيرة أبو منقار، المواجهة لمدينة الغردقة في شرق مصر، من أكثر جزر البحر الأحمر ثراء بأشجار المانجروف. ويعود ذلك إلى أكثر من عامل، أولها أن نسبة الغطاء النباتي الذي تحتله أشجار المانجروف والنباتات الملحية الأخرى في الجزيرة تزيد عن ربع إجمالي مساحة الجزيرة. والعامل الثاني هو نماء هذه الأشجار خلال خور مائي كبير يمتد عبر الجزيرة ويتفرع في أكثر من اتجاه، مشكلاً مع أيكات المانجروف الممتدة على جنباته لوحة بحرية جميلة يندر وجودها في أي جزيرة أخرى. ومن أسباب تميز هذا المانجروف أيضاً وجوده في جزيرة منعزلة، بعيداً عن ضغوط الزحف العمراني والرعي الجائر والملوثات البشرية. ولعل هذا هو السبب في كثافة مانجروف أبو منقار وطوله الوارف ونمائه المستمر.

موئل متميز يستحق الحماية

ليس من الواضح لماذا سميت جزيرة أبو منقار بهذا الاسم، لكنه قد يعود إلى شكلها العام. فطرفها الشرقي عبارة عن لسان رملي يمتد داخل البحر بشكل متعرج يشبه إلى حد كبير منقار الطير. وعلى رغم صغر حجمها النسبي، إلا أنها تعد من أهم الجزر في شمال البحر الأحمر، خصوصاً لقربها من مدينة الغردقة السياحية، ولأهميتها البيئية نتيجة غناها بالشعاب المرجانية والمانجروف. كما تستغل مناطق كثيرة منها في أنشطة الغوص والسياحة والصيد، فضلاً عن كونها محطة استراحة وتوالد لأنواع عديدة من الطيور المهاجرة مثل النورس البحري ومالك الحزين وخطاف البحر والطائر الشماط.

مانغروف ابن سينا
مانغروف ابن سينا

تقع الجزيرة على بعد ثلاثة كيلومترات شرق مدينة الغردقة، وتتشكل من أرض منبسطة من الشعاب المرجانية المتحفرة. سواحلها الغربية والشمالية رؤوس صخرية بارزة وخلجان رملية صغيرة، وساحلها الجنوبي الشرقي شاطئ رملي منبسط خالٍ من التعرجات. وهي ضمن حدود محمية علبة البحرية، التي تضم منطقة جبل علبة في جنوب شرق مصر، إضافة إلى جميع الجزر الواقعة في القطاع المصري من البحر الأحمر. وعلى رغم ذلك، فإن شواطئها الشمالية والغربية المواجهة لمدينة الغردقة تعاني بدرجة كبيرة من التلوث، سواء كان مباشراً نتيجة انسكاب كمية كبيرة من النفط بالقرب من الجزيرة وترسبها على تلك الشواطئ، أو غير مباشر نتيجة انجراف وتراكم المخلفات البلاستيكية والخشبية ونفايات فنادق المدينة المواجهة، بفعل الأمواج والتيارات الجنوبية الشرقية السائدة.

في جزيرة أبو منقار أيكات كثيفة من أشجار المانجروف الأسود التي يصل طول بعضها إلى أكثر من خمسة أمتار وتحتل مساحة تقدر بنحو 30 هكتاراً، في حين تبلغ مساحة الجزيرة 140 هكتاراً. وهي تتميز بالكثافة العالية، حيث يمكن أن يحوي الهكتار الواحد ما لا يقل عن 400 شجرة كاملة. وأحياناً تتخلل هذه الأشجار أو تحيط بها أنواع أخرى من النباتات المقاومة للملوحة، مثال الغردق والرطريط والخريسة والسويدة والمليح وغيرها من النباتات التي تميز بيئة السبخات الملحية.

شجرة ابن سينا

هناك 70 نوعاً من المانجروف، من أكثرها شهرة وانتشاراً النوع الأسود المعروف باسم مانجروف ابن سينا Avicennia marinaنسبة إلى الطبيب والفيلسوف العربي الشهير. يتركز تواجدها في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث تشغل مساحة تقدر بنحو 18 مليون هكتار.

وتحظى الشواطئ العربية بنصيب وافر من أيكات المانجروف الساحلية، وفيها ثلاثة أنواع رئيسية هي Avicennia marina وRhizophora mucronata وBruguiera gymnorhiza تتوزع في منطقة الخليج العربي ،وكذلك في بعض المناطق في خليج العقبة وعلى امتداد سواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية في كل من مصر والسعودية والسودان واليمن، علماً أن النوع الأسود هو الأكثر انتشاراً في المنطقة.

جزيرة أبو منقار محطة استراحة وتوالد للطيور المهاجرة
جزيرة أبو منقار محطة استراحة وتوالد للطيور المهاجرة

كتب العالم الإغريقي ثيوفراستس في القرن الرابع قبل الميلاد عن فوائد المانجروف واستخداماته الطبية. وعلاوة على دورها في حفظ الاتزان البيئي وإثراء المناطق الساحلية بالحياة الفطرية، تلعب أيكات المانجروف دوراً بارزاً في حماية الشواطئ من التآكل والانجراف، لقدرتها على تثبيت التربة الشاطئية ومقاومة الأثر الهدمي للأمواج والعواصف البحرية. كما تعمل جذورها المنتشرة بكثافة في منطقة المد والجزر على حجز الطمي والأتربة أثناء السيول الغزيرة، فتحمي الشعاب المرجانية والأحياء البحرية من الطمر والاختناق بعكارة هذه المواد.

كما تعد أيكات المانجروف من عوامل الجذب السياحي، لما تتمتع به من جمال أخّاذ ينبض بالحياة والإنتاجية. ولعل الأهم من ذلك أنها تشكل للإنسان درعاً واقياً من غضبة البحر المفاجئة وهبات الأمواج المدّية .

شكرا للتعليق على الموضوع