أهالي الغوطة الشرقية “يدفنون أنفسهم” في الملاجئ وسكان دمشق خائفون

قالت وكالة “فرانس برس″، اليوم الأربعاء، إن سكان الغوطة الشرقية وأطفالهم المذعورون لم يتذوقوا منذ أيام طعم الأمان، حيث يلازمون الطوابق السفلية والملاجئ خشية قصف الطائرات التي لا تفارق أجواء منطقتهم، فيما خفت الحركة في بعض أحياء دمشق جراء القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة.

وأضافت الوكالة: “في الغوطة الشرقية القريبة من العاصمة والمحاصرة منذ سنوات، قتل نحو 300 مدني منذ الأحد، ولم تخفف ردأت الفعل المستهجنة من الدول والمنظمات غير الحكومية من حدة هذا القصف”.

وتابعت الوكالة: “أن الخوف انتقل أيضًا إلى سكان أحياء دمشق القديمة القريبة من الغوطة، بعد تكرار سقوط قذائف عشوائية تطلقها الفصائل في الغوطة وتسببت بوقوع عشرات القتلى والجرحى”.

وقال أبو محمد العفا (39 عامًا) من أحد الأقبية التي يتخذها ملجأ له في مدينة دوما: “هناك تخوف كبير من دخول النظام، لم يبق أمامنا مخرج ولا بلد نلجأ اليه، لم يبق لدينا سوى الأقبية”.

وأضاف: “الخوف كله يتجسد هنا في الملجأ أو القبو” حيث يتجمع عشرات الأشخاص بين أربعة جدران، مضيفًا “الخوف عظيم والعالم كله يتفرج علينا”.

ومع ان الغوطة الشرقية تتعرض منذ سيطرة الفصائل المعارضة عليها في العام 2012 لقصف عنيف من قوات النظام ولاحقًا من حليفته روسيا، فان الوضع اليوم أكثر تعقيدًا، بعدما استكمل الجيش السوري تعزيزاته العسكرية في محيط المنطقة ما يُنذر بهجوم بري وشيك عليها.

وتلخص أمل الوهيبي (35 عامًا) من دوما معاناة السكان بالقول: “ننزل إلى هذا القبر (في إشارة إلى الملجأ الذي تختبئ فيه) نقبر أنفسنا قبل أن نموت”.

وتضيف: “ما نذوقه اليوم أصعب من أن يدخلوا (قوات النظام). قد يكون من الأفضل اذا دخلوا (…) فنحن نتساءل متى سنموت؟”.

بعد سنوات من المعاناة، بات أهالي الغوطة الشرقية تواقين الى الامان فحسب، وفق ما تقول أم محمد، المدرّسة في دوما.

وتوضح الشابة النحيلة التي ترتدي معطفًا أسود اللون وتضع حجابًا فوق رأسها: “يقول بعض الأهالي إن ليس هناك من مشكلة في دخول النظام، المهم أن يبقى ابني وزوجي بأمان، المهم أن اعيش بأمان”.

وتضيف: “يقول آخرون العكس، أي حاربنا سبع سنوات لنسلم الآن الأرض؟ ونسلم الصغير والكبير والشيخ للذبح؟ لا”.

وتقول: “الناس محتارون” بعد ورود أنباء عن تعزيزات تُمهد لهجوم بري، “اليوم، من أول طلقة، يهرع الناس إلى الملاجئ، أو المقابر الجماعية أي الملاجئ غير المتهيئة”.

-“اعتدنا القصف”-

وتقصف قوات النظام منذ ليل الأحد بالطائرات والمدفعية والصواريخ الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ 2013، ما تسبب بمقتل أكثر من نحو 300 مدني بينهم أكثر من سبعين طفلاً.

وتبدو شوارع مدن وبلدات الغوطة الشرقية خالية سوى من الأبنية المدمرة والركام المتناثر في الشوارع، والدخان المتصاعد من القصف والحيوانات المشردة.

وبادر سكان لا ملجأ لديهم يؤويهم إلى حفر غرف تحت منازلهم للاحتماء من القصف الذي طال أيضًا مستشفيات عدة، وفق ما شاهد مراسل “فرانس برس”.

في ملجأ تحت الأرض في دوما، تقول خديجة (53 عامًا) بتوتر شديد: “لا نتجرأ على الخروج، لا نتجرأ على الصعود من هذا الملجأ، الوضع مأساوي جداً”.

وتضيف المرأة بصوت يرتجف وقد تجمع حولها عدد من الأطفال في غرفة مظلمة: “الطيران من فوقنا والقذائف من حولنا (…) أين نذهب بأطفالنا؟”.

وعلى غرار خديجة، انتقل الكثيرون من سكان الغوطة الشرقية إلى الملاجئ والأقبية تحت الأرض لتفادي غارات ومدافع قوات النظام التي تستهدف أحياءهم وأسواقهم ومنازلهم.

ودانت العديد من المنظمات الانسانية الدولية التصعيد على الغوطة الشرقية، وحذرت الأمم المتحدة من أثره “المدمر”، فيما يبدو المجتمع الدولي عاجزاً عن تبني موقف موحد يضع حداً للقصف.

وبرغم التصعيد الشديد، يقول صالح أبو دقة (47 عامًا)، أحد سكان دوما: “الناس اعتادوا، فالقصف لم يهدأ على الغوطة منذ ست سنوات، يأتينا موجات خلف موجات”.

-“مغامرون بحياتهم”-

على بعد بضعة كيلومترات فقط، يعتري الخوف أيضًا سكان دمشق مع اشتداد وتيرة سقوط القذائف التي تطلقها الفصائل المعارضة المنتشرة في الغوطة الشرقية، وتستهدف بشكل أساسي المدينة القديمة.

وغداة مقتل 13 مدنيًا الثلاثاء في دمشق وفق الإعلام السوري الرسمي، فضّل كثيرون التزام منازلهم ومتابعة آخر التطورات على نشرات الأخبار، فيما تُسمع أصوات الطائرات المحلقة فوق الغوطة الشرقية وضرباتها الجوية.

وامتنع الكثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس، فيما اعلنت مدارس في الأحياء التي تستهدفها القذائف اقفال أبوابها.

ويقول إبراهيم (51 عامًا) أثناء تفقده ألا ضرار التي خلفتها احدى القذائف في منطقة باب شرقي لـ”فرانس برس″: “نريد من الجيش أن يخلّصنا من هذا الوضع بأي حل يراه مناسباً، لقد مللنا القذائف التي تسقط ليلاً ونهارًا”.

ويضيف: “لم نعد نتجرأ على إرسال أبنائنا إلى المدارس. بات الخوف هو المسيطر”، موضحًا “سنتحمّل قليلاً لنرتاح لاحقاً”.

وبعد بدء التصعيد، ووسط أنباء عن هجوم وشيك على الغوطة، قال سكان في دمشق لـ”فرانس برس″، إنهم بدأوا التفكير بحلول تبعدهم عن القذائف على غرار كريم الذي قرر الانتقال مع عائلته الى مسقط رأسه على الساحل السوري “حتى عودة الهدوء”.

وبدا حي باب توما في دمشق القديمة حيث تنتشر المقاهي والحانات، شبه خال ألا من بضعة “مُغامرين بحياتهم”، كما وصفهم أحد المارة.

ولم تمنع القذائف فهد بركيل (54 عامًا) من التوجه إلى عمله في ورشة تصليح السيارات في شرق دمشق، ويقول: “سكني وعملي في منطقة مستهدفة بالقذائف، لكن امكاناتي المادية لا تسمح لي بالذهاب إلى مكان آخر”.

ويضيف: “ليس لدي خيار آخر، سأبقى وليساعدنا الله”.

شكرا للتعليق على الموضوع