احمد عطاالله يكتب : لعبة الحسابات الذكية
“انتفاضة فيسبوكية ” من اجمل التعليقات التي قرأتها وصفا لما نعيشه ، وعشناه في الايام السالفة ، من عدوان اسرائيل على شعبنا – سواء من قبل جيشها او مستوطنيها – ليس هذا انتقاصا لحجم الدم المراق وفقدان خيرة الفتيان والشباب ، علاوة على الاعتقالات وهدم البيوت ، هذه الافعال مجتمعة ترتقي حسب مراقبين حقوقيين الى مستوى الجرائم التي يمكن ان يحاسب عليها الاحتلال دوليا ، لكن ذلك الوصف الدقيق لما يجري وان كان يحمل في طياته سخرية لجملة المشاعر الجياشة لهؤلاء الموصوفين ، فانه يحمل في ثناياه دلالات سياسية وقراءة استباقية للواقع وجميعها تصب في مصلحة عدم خوض معارك مسلحة مفتوحة وشاملة مع الاحتلال وذلك لعدة اسباب:
اولا: الفصائل بالاجماع ليست جاهزة بعد لمرحلة جديدة من استخدام السلاح ، والاصل في المسألة أن تكون دائما على أهبة الاستعداد لرد العدوان الاسرائيلي ولجمه وحماية الانسان الفلسطيني ومقدساته الاسلامية والمسيحية التي تنتهك في السر والعلن.
ثانيا: حماس لا تريد بأي شكل من الأشكال الدخول في معركة مفتوحة مع الاحتلال ، وبالتالي انعكاس ذلك سلبا على غزة التي تعض عليها بالنواجذ ، من ثم عدم ضياع آخر بقعة تحت حكم الإخوان في المنطقة العربية..
ثالثا: فتح هي الاخرى تعيش مرحلة اعادة الحسابات، وترتيب الوضع الداخلي، وبالتالي محدودية خياراتها ، وأي انهيار للوضع المؤسساتي في الضفة يعمق بشكل متزايد من جروح الحركة على الصعيدين الداخلي والوطني.
رابعا: بالنسبة للسلطة الوطنية والقيادة، أدت رسالتها السياسية والدبلوماسية في جميع الاروقة الاممية والدولية على الرغم من سوء الوضع الاقليمي والعربي، وهنا الاستمرار في هذه المعارك الدبلوماسية الرابحة يعطي مزيد من الانتصارات على المستوى الدولي ، ويعزز الهوية السياسية للشعب الفلسطيني ، ويكسب تعاطفا دوليا واسع النطاق يصب في صالح القضية الفلسطينية، وبالتالي ارتفاع منسوب التوتر في الضفة مع الاحتلال كانت رسائل سياسية بامتياز من جانب أبو مازن للاسرائيليين، لكن يجب الحذر مع التحكم في زمام الامور وعدم انفلاتها بالمطلق ، هذه الرسائل الميدانية للاحتلال الاسرائيلي فُهمت جيدا من طرف نتنياهو، وتداعت اثرها كل المؤسسات السياسية والامنية في اسرائيل للاجتماع وتقديم التحليلات والرؤى المستندة الى آراء أجهزة الاستخبارات التي تمحورت حول ضرورة ضبط الوضع ، وضمان استقراره وعدم تدهور الامور، لأن كل ذلك لن يصب في مصلحة إسرائيل ، ويتمركز هذا الفهم طبعا على مقاربة سياسية بسيطة، أرستها القيادة الفلسطينية وهي: انعدام الامل للشعب الفلسطيني في تحقيق طموحاته بالسلم فان البديل ليس جيدا لاسرائيل بالمطلق.
خامسا : بالنسبة لاسرائيل فان نتنياهو هو الاخر غير جاهز للتعامل مع خلط الاوراق في المنطقة لكنه معني في ذات الوقت الرد بقسوة على كل عملية فدائية، لكسب الرأي العام الاسرائيلي، والمحافظة على ائتلافه الحكومي الهش، والذي يقوم على خريطة سياسية ثيوقراطية متطرفة ، ومتعطشة للدماء وقهر الفلسطيني وإنهاء وجوده لصالح الاستيطان المستشري كالسرطان في جسد الارض الفلسطينية.
إذا الانفعالات الوطنية الجياشة للشعب، والشعور الوطني المعزز يوما بعد يوم في مقاومة المحتل، لابد ان يخضع لحسابات السياسة، والتجهيز للمعارك القادمة بكل تأني، وبمزيد من التحضير النفسي، مع عدم اغفال ان الشعب الفلسطيني دائما بحاجة الى مؤسسات وطنية ومدنية يجب التمسك بها لانها عماد الاستقلال الوطني.
وكل ذلك لن يكون طبعا بمعزل عن ما يجري من تصفية حسابات، واستعراض قوى بين بوتين وحلفائه من جهة، وأوباما وحلفائه من جهة اخرى على الارض السورية. ولعبة اعادة بناء التحالفات الجيوسياسية بين الدب الروسي وحلف شمال الأطلسي ، وكلهم مجتمعين ليسوا جاهزين لتوتر الوضع في الأراضي الفلسطينية.

