وكالة: التحقيق مع نتنياهو يطرح تساؤلات في الداخل والخارج
يعد بنيامين نتنياهو أبرز سياسي إسرائيلي في جيله..إذ لا يوجد من يحظى بنفس التأييد، على الصعيدين المحلى والدولي، من منافسي زعيم حزب ليكود المخضرم المعروف على نطاق واسع باسم”بيبى“.
وأوصت الشرطة الإسرائيلية في 13 فبراير/شباط بتوجيه الاتهام إلى نتنياهو (68 عاما) الذي تولى رئاسة الحكومة أربع فترات بتلقي رشوة في قضيتين. وجرى استجوابه يوم الجمعة فيما يتعلق بتحقيق ثالث.
وليس من المؤكد أن يتهم نتنياهو رسميا. ولا يمكن للشرطة إلا تقديم توصيات بينما يرجع القرار الآن للمدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت لتحديد إن كان سيوجه اتهامات في عملية قد تستغرق شهورا.
لكن حقيقة أن رئيس الائتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل قيد التحقيق من المدعين من المرجح أن تؤثر على الحسابات السياسية لأنصاره والمنافسين والمعارضين داخل تحالفه، وعبر جميع الفئات السياسية.
وفيما يلي نظرة على مسيرة نتنياهو المهنية وبعض المرشحين المحتملين لخلافته، وما تأثير أي تغيير في القيادة على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط حيث تراقب إيران وسوريا والسعودية وتركيا وقوى إقليمية أخرى الوضع عن كثب.
*هل يتعين على نتنياهو الاستقالة؟
لا ترتب توصيات الشرطة أي التزام قانوني على نتنياهو بالاستقالة. بل إنه أكد عزمه البقاء في منصبه فيما يخوض المعركة القانونية.
ولم يمارس شركاء الائتلاف ضغوطا تذكر على نتنياهو كي يترك منصبه، لكن ذلك قد يتغير مع تداول رجال السياسة والرأي العام في تفاصيل القضايا.
وكانت هناك تكهنات قبل نشر توصيات الشرطة بأن نتنياهو قد يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة سعيا لنيل تفويض عام من شأنه أن يجعل المدعي العام يفكر مرتين قبل أن يتحرك ضده.
لكن نتنياهو قال في خطاب بثه التليفزيون إنه ”على يقين“ من أن الانتخابات المقبلة ستجرى في موعدها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة من جهة أن نحو نصف الإسرائيليين يصدقون الشرطة أكثر من نتنياهو ويعتقدون أن عليه أن يتنحى. ومن ناحية أخرى، تظهر دراسات مسحية أيضا دعما قويا بين القاعدة الأساسية لنتنياهو، مما يضع حزب ليكود في المقدمة متفوقا على كل الأحزاب الأخرى.
*إلى أي مدى أصبح نتنياهو شخصية مهيمنة؟
تولى نتنياهو السلطة على فترات متقطعة منذ عام 1996. وهو ابن مؤرخ إسرائيلي متشدد، ولد في تل أبيب عام 1949 وانتقل إلى الولايات المتحدة في الستينيات من القرن الماضي عندما حصل والده على وظيفة أكاديمية هناك.
وهو الابن الوسط بين شقيقين، وجميعهم خدموا في وحدات النخبة الإسرائيلية. وأصبح الأخ الأكبر يوناتان”يوني“ نتنياهو بطلا قوميا بعدما قتل في عام 1976 وهو يقود فريق هجوم اقتحم مطار عنتيبي في أوغندا لإنقاذ إسرائيليين وغيرهم من ركاب طائرة احتجزهم فلسطينيون وخاطفون من ألمانيا الغربية رهائن.
ويقول نتنياهو إن وفاة الأخ الأكبر ”غيرت حياتي ووجهتها إلى مسارها الحالي“.
ولفت نتنياهو، الذي يتميز بحضوره على شاشات التلفزيون ولغته الإنجليزية التي يتقنها بلكنة أمريكية، الأنظار على الصعيدين الداخلي والدولي عندما كان سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987.
واستخدم نتنياهو ذلك كنقطة انطلاق لانتزاع قيادة حزب ليكود اليميني، وخاض الانتخابات ببرنامج يقوم على معارضة اتفاقات أوسلو المؤقتة للسلام عام 1993 التي توصل إليها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
لكن رابين اغتيل عام 1995 وانتخب نتنياهو رئيسا للوزراء في العام التالي وكان وقتها أصغر إسرائيلي يشغل المنصب والأول الذي يكون مولودا في إسرائيل.
ورغم معارضة أوسلو، عمل نتنياهو مع عرفات على نشر قوات فلسطينية في مدينة الخليل بالضفة الغربية التي كانت بؤرة للمواجهات، بل وصافح عرفات علنا.
بيد أن فترة ولايته الأولى رئيسا للوزراء اعتبرت على نطاق واسع تجربة فاشلة. وهاجم منتقدون ما اعتبروه أسلوبا مثيرا للانقسام في القيادة. وبعد أن خسر الانتخابات في عام 1999، قضى فترة في الصف الثاني على الساحة السياسية الإسرائيلية بل وانحسرت عنه الأضواء داخل حزبه لصالح الجنرال السابق أرييل شارون.
وعاد نتنياهو إلى دائرة الضوء بعد أن غادر شارون ليكود ثم أصيب بسكتة دماغية في عام 2005. انتخب نتنياهو لولايته الثانية في عام 2009 بعد عشر سنوات من انتهاء الأولى. وأجريت آخر انتخابات في عام 2015، وسيصبح نتنياهو أكثر سياسي بقي في هذا المنصب إذا أكمل ولايته الرابعة حتى الانتخابات المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
وأصبح نتنياهو وجها مألوفا في واشنطن منذ الثمانينيات من القرن الماضي. لكن علاقته اتسمت بالتوتر مع الرئيس السابق باراك أوباما وخاصة بسبب معارضته للاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران في يوليو تموز 2015 الذي روج له أوباما.
لكنه بات أقرب بكثير إلى الرئيس دونالد ترامب. وفي 6 ديسمبر كانون الأول الماضي غير ترامب سياسة خارجية أمريكية ظلت راسخة لعقود واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما قال إنه سينقل السفارة الأمريكية إلى المدينة.
وأشاد نتنياهو بالخطوتين اللتين حظيتا بشعبية كبيرة بين الإسرائيليين، على الرغم من غضب الفلسطينيين، الذين يريدون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم في المستقبل، والزعماء السياسيين والدينيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط .
ومن شدة اعتزازه بعلاقته مع ترامب وضع نتنياهو صورة لهما وهما يتصافحان في صدر صفحته على فيسبوك. ومن المرجح أن يستخدم علاقته مع زعيم أقوى دولة في العالم في أي نداء في المستقبل إلى الرأي العام الإسرائيلي.
*من هم الخلفاء المحتملون؟
تشير استطلاعات الرأي إلى أن يائير لبيد زعيم حزب يش عتيد (هناك مستقبل) المعارض الذي ينتمي لتيار الوسط هو أقوى مرشح لخلافة نتنياهو إذا أجبر الأخير على الاستقالة. لكن مرشحين آخرين قد يدخلون السباق ويغيرون موازين القوى.
وداخل ليكود يسعى عدد من أعضاء الحزب لخلافته بينهم وزير الأمن العام جلعاد إردان ووزير المخابرات إسرائيل كاتس ووزير التعليم السابق جدعون ساعر. ولم يبد أي منهم مؤشرات على أنه يعتزم تغيير سياسات نتنياهو المتشددة.
أما خارج الحزب فيبرز اسما وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان ووزير التعليم نفتالي بينيت كمرشحين محتملين. ويقود الاثنان حزبين من اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو الحاكم.
*ماذا سيحدث للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراعات الإقليمية إن استقال نتنياهو؟
ستزيد السحب التي تخيم على مستقبل نتنياهو السياسي من ضبابية المشهد فيما يتعلق باحتمالات استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي انهارت في 2014.
وإذا تنحى نتنياهو فسوف يحتاج أي خليفة له من داخل الحزب لدعم اللجنة المركزية للحزب والتي أصدرت قرارا غير ملزم في ديسمبر/كانون الأول يدعو لضم الضفة الغربية المحتلة.
ولا يبدو أن التوترات الأخيرة على الحدود السورية واللبنانية عاملا مهما حتى الآن في الحسابات السياسية الداخلية بل إن معارضي نتنياهو السياسيين يقولون إن مشاكله القانونية لن تؤثر على قراراته فيما يتعلق بالمسائل الأمنية، وفقًا لوكالة “رويترز”.