إنجليزي ده يا مرسي؟…. إعلانات بالإنجليزية تخالف القانون وتعزز الطبقية
“إنجليزي ده يا مرسي؟”. سؤال شهير ورد على لسان أحد أبطال مسرحية «مدرسة المشاغبين»، العمل الأشهر تلفزيونياً في مصر منذ سبعينات القرن الماضي. وصارت لهذا السؤال دلالة على واقع ملايين المصريين الذين لا يجيدون الإنجليزية التي يبلغ عدد المتحدثين بها نحو 25 في المئة من سكان العالم، علاوة على ملايين أخرى يتحدثون بها لغة ثانية.
ورغم تدني نسبة من يجيدون الإنجليزية بين قطاعات عريضة في المجتمع المصري، صار لافتاً انتشار إعلانات بهذه اللغة في شوارع القاهرة وعلى طرق السفر السريعة في مصر، فيما تفشت ظاهرة المحال ذات الأسماء المكتوبة باللغة نفسها. وهو أمر مستغرب في بلد تبلغ نسبة الأمية فيه 25.8 في المئة، وفقاً لإحصاءات عام 2017.
وكشف تقرير صادر عن منظمة «التعليم أولاً» المتخصصة في التدريب اللغوي والتبادل الثقافي، مستوىً متدنياً للدول العربية في إتقان الإنجليزية، وجاءت مصر في المركز الرابع والخمسين بين سبعين دولة حول العالم في هذا الصدد. ورغم أن الاحتلال الإنكليزي لمصر استمر نحو سبعين عاماً، إلا أنه لم يترك بصمته على علاقة الشعب المصري باللغة الإنجليزية، على عكس الاحتلال الفرنسي في بلدان عربية أخرى.
وفي ظل تحوّل المجتمع المصري إلى النمط الاستهلاكي، وانتقال طبقاته العليا إلى العيش في ما يشبه «غيتوات»، وسطوع الرغبة في التباهي، جاءت غالبية الإعلانات إما عن مجمعات سكنية فاخرة أو منتجعات باهظة الثمن أو سيارات فارهة، أو ماركات ملابس شهيرة أو حفلات لنجوم الغناء والموسيقى والرياضة تباع تذاكرها بآلاف الجنيهات. هذه الإعلانات تستهدف «الطبقة الثرية» التي يحظى أبناؤها بالتعليم في المدارس الأجنبية، وصارت مخاطبة الأهالي أطفالهم بالإنجليزية أو الفرنسية، مدعاة للتباهي. وانتشر «الفرانكوآراب» بين الشباب المصري، فهم يستخدمون الحروف اللاتينية في كتابتهم العربية، ما يشي بمجتمع يشعر بالدونية.
وقال أستاذ التسويق والإعلام في جامعة القاهرة سامي عبدالعزيز إن «هذه الظاهرة ترتبط بنوع المشاريع المعلن عنها والتي تقع في المناطق الجديدة، اعتقاداً من أصحابها والوكالات الإعلانية أن الشريحة المستهدفة هي كلاس إي، وأن هذه اللغة هي التي تناسبها». ورأى أن الإفراط فيها يحمل نتائج سلبية، فأكثرية المجتمع المصري اعتادت استخدام اللغة العربية، ما يخلق حالاً من الاغتراب لدى المواطن العادي، بل قد يُحدث نوعاً من الحساسية بين فئات الشعب، كما لو كنا نخاطب شريحة ليست مصرية، ما يرسخ الطبقية في المجتمع. ولفت إلى أنه يمكن قبول تلك الإعلانات إذا عُرضت وُسوّقت عبر القنوات التلفزيونية المشفرة التي يشاهدها عادة أصحاب القدرة الشرائية العالية. واعتبر أن هذه الظاهرة لن تنحسر بل ستتفاقم، وهي بمثابة «موضة» (صيحة) في مصر، بسبب تزايد الجامعات الخاصة الدولية والمدارس الأجنبية.
واعتبر عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة الناقد صلاح فضل أن الشركات المعلِنة، سواء الوطنية أو الأجنبية، التي تريد مخاطبة شريحة معينة من المصريين، بدأت تتشكل في الحياة العامة وتُمسك بيدها زمام المال والأعمال بعدما تعلمت في المدارس الأجنبية. وقال لـ «الحياة»: «القضية ليست قاصرة على الإعلانات، فهي ترتبط بالمستويات الاجتماعية والطبقية، وتفاقم ظاهرة التعليم الأجنبي كبديل للتعليم المدني الوطني، كما أنها مرتبطة بتغوّل المؤسسات الاقتصادية وإعلانها الصارخ بأنها تفضل هذه الفئة الاجتماعية وتَقصر خطابها عليها». وأوضح أن مجمع اللغة العربية في القاهرة «يقاوم هذا التيار التغريبي الفج، بما أنه يجرح الحس الوطني والثقافي، ويشي بما وصلنا إليه من اهتزاز ثقتنا بهويتنا القومية». وكشف أن المجمع تقدّم بمشاريع عدة إلى مجلس النواب (البرلمان) لتفعيل قانون حماية اللغة العربية ومعاقبة من يعتدي على هوية الدولة، ويوجب أن تكون الإعلانات بالعربية، ويمكن أن تصحبها، في حال لزم ذلك، ترجمة ببنط أصغر لمخاطبة الأجانب.
ويؤكد رئيس «جهاز التنسيق الحضاري» السابق سمير غريب أن بنود قانون حماية اللغة العربية الصادر عام 1958، تكررت ضمن قانون التنسيق الحضاري الصادر عام 2008، ويتضمن نصوصاً واجبة التطبيق في مجال إعلانات الطرق أو الفراغ العام، وتُحتم استخدام اللغة العربية، موضحاً أن مخالفة هذا الأمر تستوجب عقوبة السجن والغرامة.