جمال ابو نحل يكتب :مخرجات المجلس الوطني الفلسطيني والتحديات الجسام

جاء اجتماع المجلس الوطني في مدينة رام الله في 30/ 4/2018م، بعد شدٍ وجذب، وأخذٍ ورد، كان مخاضهُ أليماً وعسيراً، حيثُ سجلت فيه حركتي حماس والجهاد، والجبهة الشعبية موقفاً مُحزناً ومُخزياً، ليغردوا خارج السرب الوطني والبيت الفلسطيني الجامع، فكانت الذرائع التي ساقوها واحتجوا بها كلمة باطل أريد بها باطل.

 فمن أراد أن يصلح البيت يتفضل بكل شجاعة يقول قولة الحق من قلب البيت، لا أن يهدم البيت علي رؤوسِّ ساكنيهِ، وعليهِ أن لا يرهن قراره ومصيره لأجندات وحسابات خارجية، وغير وطنية، “فالأصل الشرعي أن القاتل عمداً لا يرث”!.

 إن منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسساتها وخاصةً مجلسها الوطني لم يأتيان علي طّبقٍ من فضة أو ذهب، أو كان محفوفاً بالورود والرياحين!، بل علي العكس تماماً كان مُغمساً بالدماء وبتضحيات الشهداء والجرحى والأسري، وكانت هناك معارك طاحنة من أجل استقلالية القرار الوطني الفلسطيني المستقل.

 وكان شعار المنظمة في العقود الخمسة الماضية بأنهُ لا للتبعية ولا للوصاية، ولا للتطبيع أو التفاوض مع الاحتلال.

 ولدت المنظمة قبل أن يكون هناك أي مولود من الفصائل الإسلامية الموجودة اليوم، ولقد كانت هناك معارك ضارية للحفاظ علي منظمة التحرير، خاض غمارها الأبطال، وارتقي كوكبة من الشهداء الأبرار، الذين قضوا نحبهم حفاظاً علي الخيمة الكبيرة، والبيت الجامع للكل الفلسطيني وهي منظمة التحرير الفلسطينية، ومجلسها الوطني الفلسطيني الممثل الشرعي لكل الشعب الفلسطيني.

 وبعد أربعة أيام من الانعقاد المتواصل في مدينة رام الله انتهت جلسات المجلس الوطني الفلسطيني فجر يوم الجمعة الموافق الرابع من مايو 2018م، وكان بيان اختتام أعمال دورته الثالثة والعشرين، والتي كان من أهم قراراتها، هو تحقيق المصالحة الوطنية، وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير، وابقاء ثلاثة مقاعد شاغرة باللجنة التنفيذية، ليبقي الباب موارباً ومفتوحاً لعودة (الابناء العاقين) لوالدهِمْ لطاعته، والرجوع للحضن الوطني الدافئ الرحيم، من تلك الفصائل المُنفرشة، والُمنفِّلتة، والمُتمردة علي بيت العائلة الكبير، والذي يتسع صدر هذا البيت للجميع، وحتي وإن كانوا خاطئين!.

 وهو قرار يؤكد حرص السيد الرئيس أبو مازن، وأعضاء المجلس الوطني علي الوحدة الوطنية، فعلي الرغم من مشاكسة ومشاغبة وجحود أولئك المُعارضين، وطول لسانهم، وقلة أدبهم مع رموز شعبهم وسادتِهم وكبار قومهم إلا أن الأب يبقي رحيماً علي أولاده وحتي وإن كانوا ظلالين وظالمين لأُنفسهم!. كان من قرارات المجلس الوطني التي أثلجت صدور الكل الفلسطيني، وبخاصة سكان قطاع غزة المكلومة المجروحة والمحاصرة هو إعلان السيد الرئيس أبو مازن برفع والغاء كافة الاجراءات ضد القطاع والاعلان عن صرف رواتب الموظفين، مما كان له بالغ الأثر الجيد علي سكان القطاع، والذي اكتسي بنوعٍ من الفرح بعدما أثقل سكانه، جِّبَالٌ من الهم، والغم والفقر والمرض، والبطالة، والحصار الخ..، ومخرجات الانقلاب الدموي الذي مازالت أثاره السلبية مُستمرة منذُ أحد عشر عاماً!، لأن الانقلابين فشلوا فشلاً ذريعاً في إدارة أحوال وحاجات الناس من سكان قطاع غزة، وكما قالوا مالهم لهم فقط!، ومن المخرجات الجيدة التي تُسجل لدورة للمجلس الوطني “23”، هو تكليف اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، وإلغاء قرار ترمب الجائر بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وضم القدس الشرقية، والعمل على إسقاط هذا القرار، والعمل علي تفعيل قرار قمة عمان 1980 الذي يلزم الدول العربية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل!، والتأكيد علي ضرورة وقف الاستيطان وضرورة إنجاز المصالحة وانهاء الانقسام والتأكيد علي وحدة أرض دولة فلسطين مع تفويض المجلس الوطني للمجلس المركزي لمنظمة التحرير بكافة صلاحياته بين دورتيه، كما أكدت مخرجات المجلس الوطني الفلسطيني في ختام أعمال دورته “دورة القدس وحماية الشرعية”، إعلان “القدس والعودة”، علي الحق التاريخي لأهل فلسطين التاريخية منذ ألاف السنين وعلي حق العودة للاجئين وفق القرار 194، ورفض الحلول المؤقتة، والمشبوه وأن لا دولة بدون غزة، ولا لدولة في غزة!،  والتأكيد علي تعزيز وتفعيل، وتطوير دور مؤسسات منظمة التحرير، ومن الأمور المحمودة أن المجلس الوطني الفلسطيني ينعقد فوق الأرض الفلسطينية، وعلى مشارف القدس الشريف حتي تحقيق الحرية والاستقلال، ولقد جدد المجلس الثقة للرئيس محمود عباس، فأعاد المجلس انتخابهُ رئيسًا لدولة فلسطين بالإجماع الوطني، كما أعلن أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن انتهت ولم تعد قائمة، وقام المجلس الوطني بإقرار أكثر من مائة عضو جديد وانتخاب لجنة تنفيذية مكونة من 15 عضوًا ومجلس مركزي جديد، مؤكدين جميعاً علي  أن علاقة شعبنا الفلسطيني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، هي علاقة تقوم على الصراع بين شعبنا ودولته، الواقعة تحت الاحتلال، وبين قوة الاحتلال الغاشم، ومن المخرجات الجيدة للمجلس الاعلان عن سحب البساط من الإدارة الأميركية لعدم أهليتها كوسيط وراعٍ لعملية السلام، ومن الأمور الجوهرية والتي يجب أن يبُني عليها من قرارات المجلس الوطني، هو وجوب تنفيذ قرار المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله والتحرر من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس، وإدانة المخططات الاستيطانية الاستعمارية الإسرائيلية، وخاصة في العاصمة الفلسطينية القدس الشرقية ومنطقة الأغوار الفلسطينية، كما أكد المجلس الوطني في الختام علي أهمية تعزيز المكانة الدولية لدولة فلسطين من خلال توسيع دائرة الاعتراف بدولة فلسطين من قبل الدول التي لم تعترف بها، مع مواصلة العمل الدؤوب من أجل نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والانضمام لكافة المنظمات الدولية، والعمل علي جر قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتهم علي الجرائم والمجازر البشعة التي ارتكبوها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، والعمل علي توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال البغيض العنصري، تلكم هي أهم المخرجات الايجابية القولية، والتي لا يستطيع أحد أن يقلل من مكانتها، ومن أهميتها إطلاقاً.. ولكن لله عز وجل الكمال وحدهُ، لذلك نحن بحاجة مُلحة وماسة لترجمة تلك القرارات الرائعة والوطنية للمجلس الوطني الفلسطيني بيت الكل الفلسطيني إلا ترجمة الأقوال إلا أفعال علي أرض الواقع، وكذلك زيادة عدد أعضاء المجلس الوطني فلا ريب إن كانوا ألفاً، ليشارك أكبر عدد ممكن من أبناء شعبنا في كل مكان، وخاصة أن شعب فلسطين مملوء بثُلة كبيرة من العلماء الفضلاء الأجلاء والنخب والطليعة، والمثقفين والأدباء والمفكرين والكتاب والمبدعين والمناضلين، كما أن المجلس بحاجة لأن يكون عدد أكبر لممثلين عن قطاع غزة فّيْهِ، وكذلك العودة للتأكيد علي الحق الشرعي والقانوني بالمقاومة بكافة أشكالها لجلي الاحتلال سواء المقاومة المسلحة أو السلمية، وكذلك التوحد جميعاً لنستطيع مواجهة السيل الجارف من جرائم الاحتلال والامريكان ضد شعبنا وقضيته العادلة، كما أن أهل القدس بحاجة ماسة لتعزيز صمودهم فوق أرضهم وممتلكاتهم المهددة ليل نهار بالمصادرة!، فلا يمكن لجائع أن يفكر بالتحرير فسيدنا إبراهيم عليه السلام دعا لقومه فقال: “وأرزق أهلهم من الثمرات”، والنبي صل الله عليه وسلم كان معظم دعاؤه:” اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر”، فلقد قّرن الكفر بالفقر، لذلك يحتاج شعبنا لأن نعزز صمود وتباثه فوق أرضه المُحتلة، وعلينا أن نفعل حركة المقاطعة الشعبية والدولية للاحتلال ( B-D-S)، وكذلك يأمل الشعب الفلسطيني من المجلس الوطني أن يعمل علي لملمة الجراح وتضميد مكان الجرح جيداً، ليتوحد شعبنا جميعاً ليكونوا علي قلب رجلٍ واحد ضد الاحتلال الذي هو زائل لا محالة بل أوهن من بيت العنكبوت.

 الكاتب المفكر والباحث والمحلل السياسي

 الدكتور:جمال عبد الناصر محمد أبو نحل

اقرأ للكاتب : 

 جمال ابو نحل يكتب : في يوم العمال العالمي تحية إجلال وإقدار لعمال فلسطين

شكرا للتعليق على الموضوع