رمضان فى بلاد الفرنجة

التلغراف – اهلا رمضان : يغيّر رمضان عادات يومية كثيرة في بريطانيا. فمثلاً، تتجمّع غالبية الأسر للإفطار معاً. وفي مجتمع فردي إلى حد كبير، فإن أي طقس اجتماعي يجمع أفراد العائلة على مدار أيام ممتدة من الشهر لا بدّ أن يكون تغييراً مرحّباً به.

وينجم عن هذا التغيير الاجتماعي تغيير اقتصادي. فموائد الإفطار التي يتجمّع حولها عشرات في حالات كثيرة يجب أن تشمل خيارات ومذاقات عدة. والمحلات التجارية والسوبرماركت في بريطانيا لا تتوانى عن تغيير محتويات رفوفها من أجل نيل حصة من اقتصاد الشهر الفضيل الذي يقدّر بـ200 مليون جنيه إسترليني.

وفي شكل متزايد تغّير محلات تجارية وسوبرماركت هيئتها كي تتلاءم أكثر مع متطلّبات الشهر. فسلسلة المخازن التجارية الكبرى ومن بينها «اسدا» و «تيسكو» و «ماركس أند سبنسر» و «ويتروز» تبدّل جانباً كاملاً من محتوى رفوفها للمسلمين مرفقاً بعبارة «رمضان كريم»، وتتضمن التمر وقمر الدين والعصائر والمكسرات والألبان واللحم الحلال. وأخيراً أسست سيدة أعمال مسلمة تدعى شذية سليم مصنعاً لمنتجات اللحم الحلال يعدّ لفائف السجق وفطيرة «شيبرد» التقليدية البريطانية الشهيرة لتوفير خيارات أوسع أمام المستهلكين.

فمسلمو بريطانيا الذين يشكلون 5 في المئة من السكان، يستهلكون 12 في المئة من اللحوم. وحالياً يقام سنوياً في شرق لندن «مهرجان الأكل الحلال» مع زيادة قيمة «اقتصاد الأكل الحلال» في بريطانيا إلى أكثر من 800 مليون جنيه.

ومع أن غالبية المحلات والسوبرماركت أضافت إلى رفوفها سلعاً كثيرة مرتبطة برمضان، إلا أن هناك الكثير أيضاً لا يزال غير متاح. ويرى معظم المسلمين البريطانيين أن تجار التجزئة لا يستجيبون إلى حاجاتهم في هذا الشهر بالشكل الكافي.

ويقول مقداد فيرسي، الأمين العام المساعد لمجلس مسلمي بريطانيا، أن «الشهر ليس بالضرورة مفهوماً» من قبل المتاجر. ويوضح: «المسلمون مستهلكون مثل أي شخص آخر وينفقون المزيد خلال رمضان. إذا كان هناك مسلمون يريدون أن يعثروا على سلعة ما ولكنهم غير قادرين على ذلك، فإنك إذا تمكنت من تلبية هذه الحاجات فستجني أرباحاً وفيرة. إن هذا الدعم الاقتصادي عظيم بالنسبة لهذا البلد وعظيم لتجار التجزئة الذين يستفيدون من ذلك».

هناك في بريطانيا حوالى 4 ملايين مسلم. ويُعد شهر رمضان ومن بعده عيد الفطر بالنسبة لهم شهر الاحتفالات الأساس على مدار العام، وهي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بعد عيدي الميلاد والفصح على مبيعات المتاجر والسوبرماركت.

ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة الاستشارات التسويقية الإسلامية «أوجلفينور»، فإن أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين البريطانيين (78 في المئة) يرغبون في أن يعطي تجار التجزئة مزيداً من الاهتمام لحاجاتهم الخاصة.

وتشتكي أسر كثيرة من أنها لا تستطيع الاعتماد على فروع السوبرماركت الكبرى لشراء كل ما تحتاجه. وتضطر الغالبية للتوجه إلى محلات ومتاجر مستقلة ومتخصصة لشراء أشياء معينة في رمضان. ومع أن هناك سوبرماركت مثل «تيسكو» و «موريسون» وسّعت كل عام وفي شكل لافت من قائمة سلعها المناسبة للمسلمين، خصوصاً خلال شهر رمضان، إلا أن متاجر أخرى لا تزال أبطأ في المبادرة، لكن كثيراً منها ومن ضمنها سوبرماركت «سينسبيري»، أعلنت عن وضع رمضان على خريطة أهدافها الاستراتيجية التوسعية.

ومع مؤشرات توضح أن قوة إنفاق المسلمين في تزايد لافت، يمكن فهم لماذا تريد الشركات الكبرى حول العالم الاستفادة من تلك السوق الهائلة.

فعلى المستوى العالمي، تفوق قيمة ما يستهلكه المسلمون الـ2.1 تريليون دولار، إذا تبلغ قيمة ما ينفقونه سنوياً على الملابس والأحذية بـ266 بليون دولار، ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 484 بليوناً بحلول 2019. أما قيمة ما ينفقونه في سوق السياحة فيقدّر بنحو 126 بليون دولار، وفي سوق مستحضرات التجميل بـ13 بليوناً. وهذه النسب في تزايد دائم.

أما في بريطانيا، فتقدّر القوة الشرائية للمسلمين بـ20 بليون جنيه استرليني سنوياً، وهي أيضاً في تزايد ثابت. أما نسبة الشباب وسط المسلمين في بريطانيا فهي الأعلى بين المكونات العرقية والدينية، ونسبة نمو السكان المسلمين وسط البريطانيين هي الأعلى أيضاً. ومن المتوقع أن يشكلوا 10 في المئة من السكان بحلول عام 2050. وهناك اهتمام متزايد بعاداتهم الشرائية، لا سيما خلال مواسم احتفالاتهم الدينية.

وفي استطلاع للرأي حول توجهات المسلمين الاستهلاكية، قال 90 في المئة من العينة التي أبدت رأيها إن «ديانتهم تحدد الطريقة التي يستهلكون بها».

وفي عالم اليوم بات من السهل معرفة ماذا يريد المسلمون وكيف يفكرون عبر جمع المعلومات حول عاداتهم الشرائية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت الوسيلة المثالية للشركات الكبرى لجمع المعلومات وتحليلها حول المستهلكين بشرائحهم المختلفة وقدرتهم الشرائية.

وتقول رينا لويس، أستاذ الدراسات الثقافية في كلية لندن للأزياء، إن نسبة الشباب وسط المسلمين من بين الأعلى في العالم، و «هذا بحد ذاته يجعل المسلمين شريحة استهلاكية مهمة جداً في أي شيء»، ناهيك عن قدرتهم الشرائية.

ومنذ نحو30 عاماً كانت هناك صور نمطية عن المسلمين تحدد السلع والمنتجات الموجهة لهم، ما يقلل الخيارات أمامهم ويقلّصها. فمثلاً كانت كلمة «مسلم» تعني استهلاك سجادات الصلاة والدجاج الحلال المتبّل بالكاري. اليوم باتت السلع والخدمات التي تقدّم للمسلمين في بريطانيا تبدأ من مطاعم عالمية تدرج الأطعمة الحلال على قائمتها، وصولاً إلى خطوط أزياء خاصة للمسلمات من «أوسكار دي لارنتو» وصولاً إلى «دولشي أند غابانا». وبالتالي من الطبيعي أن تتنافس المتاجر خلال الشهر الفضيل على تلبية حاجات المسلمين بتعددها وتنوّعها.

شكرا للتعليق على الموضوع