زوجتي!! “قصة قصيرة”

لأنني مختلف لا يحبونني؛ فلسبب ما يشعر الناس أن وجود شخص مختلف هو في حد ذاته إهانة شخصية لهم..وأن هذا الشخص ينظر لهم بازدراء ويقول: لست مثلكم لأنكم حمقى ومغفلين.

أو ربما كان الأمر العكس تماما فلكوني مختلف كنت أفسر النظرات التي  تلاحقني  في كل مكان تقريبا على أنها نظرات ارتياب، ربما..

لكن ماذا عن مالك البناية الذي نظر لي مضيقا عينيه ، مخبرا انه لا يمكن أن يترك شابا عازبا يسكن عنده، وقد شدد على كلمة (عازب) هذه بطريقة توحي بأنها سبة أو ذنب لا يغتفر، دعك من ملاحقة مدام نازك زميلتنا في العمل لي بالفتيات اللاتي تراهن مناسبات ولا أراهن أنا كذلك..الأسوأ هن الحمقاوات اللاتي يعتقدن أنهن يمكنهن إيقاعي في شباكهن وتوريطي!!..كل هذا دفعني لارتكاب تلك الفعلة الجريئة..وفي اليوم الأول لانتقالي لعملي الجديد قررت أن ارتدي أنفا مستعارا- ألا تذكر مسرحية (سارتر) الشهيرة هذه – وكان انفي المستعار هو دبلة فضية في يدي اليسرى ولإحكام الخطة أكثر انتقلت أيضا إلى سكن جديد طبعا على أساس أنني متزوج لكن زوجتي مسافرة وستلحق بي بعد فترة وأكدت هذا في ثقة والدبلة الفضية تلمع في بنصري الأيسر…وشعرت كم أن الحياة تصير أكثر سهولة عندما تقنع الناس انك مثلهم حتى لو لم تكن كذلك..كان يمكن للأمور أن تظل سائرة على هذا النحو الرائع لولا مشكلة واحدة، أن زوجتي الوهمية هذه صارت موجودة بالفعل!!

تخيل أنك تحلم بكابوس؛هناك كائن خرافي يطاردك يجرح ذراعك لكنك تستطيع الهرب..تستيقظ لاهثا شاعرا بالراحة من أن الأمر لم يكن سوى حلم لكنك ما إن تمد يدك لالتقاط كوب الماء المجاور حتى تلمح ذلك الجرح الغائر في ذراعك..تخيل شعورك وقتها..الصدمة،الفزع،عدم التصديق..كان هذا هو ما ظهر على وجهي عندما سمعت البواب يستوقفني قائلا أن السيدة زوجتي قد وصلت منذ قليل وأنها قد صعدت إلى الشقة:

-“من؟!!!..زوجتي!!!..هل أنت متأكد؟!!”

ولم يفهم هو طبعا سبب ذهولي:

-“نعم يا سيدي..هل هناك مشكلة؟”

جمعت أطراف فمي المتدلي في بلاهة وهززت رأسي له في حركة بلا معنى، ثم جررت قدمي مستعدا لأصعد إلى الشقة وأرى تلك الزوجة المزعومة التي وصلت بالسلامة!!!

تقمصت الدور إلى حد أنني طرقت باب الشقة في انتظار أن تفتح زوجتي لكنها لحسن الحظ لم تفعل..فدسست المفتاح في قفل الباب وأدرته ببطء ثم دققت الباب وأطللت منه في حذر.. لم يكن هناك أحد في الردهة.. تشجعت قليلا لكنني أغلقت الباب خلفي في هدوء بلا صوت تحسبا لوجود تلك المرأة في أي من الغرف الداخلية.

لا أريدها أن تشعر بوجودي كي أستطيع الفرار بسرعة بمجرد تأكدي من وجودها!!!..

غرفة النوم،غرفة المعيشة،المطبخ الحمام،لا أحد..تنفست الصعداء..لم يكن البواب سوى مخبول..وحمدا لله أنه كان كذلك، إن بوابا مخبولا أفضل ألف مرة بالتأكيد من زوجة خيالية حقيقية!!!

وصار الأمر مسليا بحق عندما فوجئت في اليوم التالي بالبواب يناولني  بعض الخضروات ولفافة لحم طازج ويقول أن السيدة – زوجتي طبعا- قد تركتها هنا حالما تذهب لإحضار شيء نسته وأنها ستعود بعد قليل وأنه لا بأس من أن آخذ أنا الأكياس بدلا من انتظار السيدة..ضحكت وقد استخفنى الأمر..معدات غذاء كاملة مجانية من هذه الزوجة الخيالية التي اخترعها البواب!!..هل يمكن للحياة أن تكون أكثر جمالا لكنني أشفقت عليه فدسست في يده مبلغا يعوضه خسارته في شراء هذه الأشياء التي لابد وأنه دفع ثمنها من جيبه ثم طلبت منه أن يحمل الأكياس إلى أعلى ففعل بحماس منقطع النظير..أغلقت الباب خلفه وارتميت على مقعد أفكر في هذا الأمر الطريف الغريب، ثم قررت أن أتناسى الأمر الآن وانهض لأغير ملابسي واستعد لصنع وجبة الغذاء الشهية..عندما دق جرس الباب ووجدت وجه امرأة مرتبك أمام الباب:

-“أي خدمة؟”

قلتها بطريقة بدت لي أنا شخصيا سخيفة..فقالت وقد ازداد ارتباكها وكاد وجهها ينفجر من الاحمرار:

-“أعتقد أن البواب..قد أعطاك أشيائي أعني أكياس الخضار واللحم..على سبيل الخطأ..”

ابتسمت في غباء هذه هي زوجتي المزعومة إذن.. لكنني لا يمكن أن أكون سيء الذوق إلى هذا الحد..!!

ليست جميلة على الإطلاق وإن كنت  لا أنكر أن بوجهها لمسة براءة محببة تشعرك أنك تعرفها من قبل..قلت وقد قررت أن أكمل اللعبة للنهاية:

-“لكنه قال أن زوجتي تركت هذا الكيس..”

-“حسنا..أ..أنا زوجتك..”

شعرت كمن صعقته الكهرباء..لقد تجمدت وأنا أحس كأن الدخان يتصاعد من رأسي المحترق:

-“عفوا ماذا قلتِ؟!!!”

-“آسفة سأوضح لك كل شيء..لقد كنت…أعني أردت تأجير شقة هنا وعلمت بالمصادفة أنك تسكن في الشقة المقابلة وأن زوجتك مسافرة إلى الخارج؛ فادعيت أنني زوجتك وأنني سأستأجر هذه الشقة المقابلة كي نضمهما سويا كشقة واحدة واسعة..”

قلت مشدوها:

-“ولكن لِمَ أدعيتي هذا؟”

-“لأنني.. لأنني غير متزوجة وأعيش وحدي والناس عادة يضايقون من هي مثلي بالقيل والقال.. لقد أردت أن أخلص نفسي من المشاكل فورطت نفسي في مشكلة أكبر..”

سألت في بلادة:

-“مشكلة أكبر..لماذا؟”

-“لأنه لا يمكنني البقاء هنا دقيقة واحدة بعد اعترافي هذا .. فإما أنك ستعتقد أنني امرأة سيئة أو امرأة مجنونة وفي الحالتين لن تحترمني..”

لا أعرف ما الذي جعلني انفجر بالضحك كالمعتوه فاحمر وجهها أكثر وهمت بالانصراف لكنني ناديتها بسرعة:

-“لحظة يا آنسة..”

التفتت  دون أن تنطق:

-“الحال من بعضه..!!!”

-“ماذا تقصد؟”

-“أنا أيضا لست متزوجا وأدعي أن لي زوجة وأنها مسافرة إلى الخارج؟؟”

زمت حاجبيها في غضب قائلة :

-” لا تحاول خداعي.. أنا أعرف مثل هذه العروض..أنا لست متزوجا..أنا لست مرتاحا مع زوجتي ثم تعرض عليّ الزواج لتسلي نفسك ريثما تعود زوجتك..شكرا، أنا لست من هذا الطراز..”

واستدارت مستعدة للابتعاد من جديد:

-“انتظري اقسم بالله أن هذه هي الحقيقة. لم يكن صاحب البناية يريد أن يسكن رجلا أعزب لذا ادعيت هذا الأمر لأتخلص من المشاكل مثلك..لقد كدت أصاب بالجنون عندما أخبرني البواب أن زوجتي هنا..واعتقدت أنه قد جن..”

نظرت إليّ في شك فأضفت بسرعة:

-“كما أنني لن أعرض عليكِ الزواج أو أي شيء من هذا القبيل..”

الغريب انه بدا عليها وكأنها قد شعرت بالإهانة فقالت وهي تضغط على أسنانها:

-“وأنا كذلك لم أكن لأرضى بك أو بغيرك لأنكم جميعا تشبهون بعضكم..أنتم حثالة..”

-“شكرا!!..لكن اسمعي عرضي هذا!!؟؟”

عاودها الشك من جديد:

-“أي عرض؟”

-“أن نستمر في نفس الادعاء مؤقتا..كلانا سيستفيد من هذا الموضوع كما تفهمين أنا سأتخلص من سماجة صاحب البناية الذي لا يريد إسكان شخص بمفرده وأنتِ بالمثل!!”

أمالت رأسها قليلا كأنها تقلب الفكرة بداخلها ثم قالت:

-“اتفقنا..طالما أنك جاد فيما قلته..أما لو دار بخلدك شيء آخر ف………………..”

قاطعتها بسرعة:

-“اطمئني لن يحدث..”

كل من سردت له هذه القصة ظل يضحك لمدة نصف الساعة ثم نظر لي منتظرا استكمال الحكاية لكنني للأسف كنت أصيبهم بالإحباط فلم تحدث النهاية التي توقعوها فلقد ظللنا أنا وهي  ملتزمين بالاتفاق حتى سافرت أنا للعمل في دولة النفط هذه،ولم نتزوج بكل تأكيد فلم نكن مخبولين لنفعل!!!

بقلم الاديبة : هبة الله محمد حسن -مصر