رحيل المغنية مايا كازابيانكا التى أخفت يهوديتها عن العرب
منوعات – التلغراف : عن عمر يناهز 78 سنة رحلت المغنية اليهودية مايا كازابيانكا، ببلدة تدعى كفار تابور (شمال إسرائيل)، بعد أن استقرت بمدينة حيفا في سنوات عمرها الأخيرة إثر اعتزالها الغناء وعيشها حياةً عادية.
وكانت هذه المغنية، التي اشتهرت في فرنسا سنوات الستينيات، قد ولدت بمدينة الدار البيضاء سنة 1941، وقضت بالمغرب فترة من طفولتها، قبل أن ترحل رفقة عائلتها إلى فرنسا، وتستقر بعد ذلك بإسرائيل في السنوات الأخيرة من حياتها.
اشتهرت هذه المغنية باسمها مايا كازابيانكا، وهو الاسم الفني الذي اختاره لها جاك بليه، مدير شركة “فيليبس” بفرنسا، الذي قدمها أول مرة إلى عدد غفير من الفنانين والمثقفين والمهتمين بالفن في فرنسا.
وهناك من يعرفها أيضا باسم مارغريت أزران، لكن وحدهم اليهود المغاربة يعرفون اسمها الحقيقي المغربي: مارغوت المْكيّس أَزْرَانْ، وهو الاسم الذي حملته منذ ولادتها بالدار البيضاء سنة 1941 إلى سنة 1956، تاريخ هجرة عائلتها إلى فرنسا.
بهذا الاسم أصدرت ربيرتوارا غنائيا غنيا يزيد عن 320 أغنية. وقد غنت بلغات كثيرة، ضمنها الفارسية، حيث غنت أمام شاه إيران. كما التقت بكبار الشخصيات العربية، قبل أن “تُكتشَف” هويتها اليهودية ويتهمها البعض بالتجسس، سيما بعدما أقامت فترة في دمشق بسوريا.
أصدرت مايا كازابيانكا سنة 2001 كتابا تحدثت فيه عن سيرتها، وفيه كشفت عن علاقتها بالمغني الراحل فريد الأطرش، مشيرة إلى أنها كانت “آخر امرأة في حياة فريد الأطرش”، وأنها كانت “حبيبته وعلى علاقة به إلى أن توفي بسكتة قلبية في 1974”. وأضافت أنه كان يلقبها بـ”أميرة النيل”، وأنه علمها الغناء بمصاحبة العود وشجعها على الغناء بالعربية. كما أكدت في مذكراتها “أنا وهو” على أن الأطرش “تقبل يهوديتها” وأثر كثيرا في حياتها.
أغدقت مايا كازابيانكا على فريد الأطرش كامل الأوصاف، وتحدثت عن الجانب الإنساني فيه، مشيرة إلى أنها أحبته قبل أن تلتقيه بباريس، وحفظت أغانيه مثل “بنادي عليك” و”يا زهرة في خيالي” و”وياك”.. كما ذكرت أنه دعاها إلى بيروت في فبراير سنة 1961، وأنها التقت بالرحباني وفيروز وغيرهما، وأنهم أعجبوا بفنها.
قد يكون رحيل عائلة مايا كازابيانكا من الدار البيضاء إلى باريس سنة 1956 مرتبطا باستقلال المغرب وتخوف الكثير من اليهود على مصيرهم بعد رحيل السلطات الفرنسية، إلا أنه في مذكراتها لم يأت ذكر لهذا السبب، بل أوضحت أن هجرة عائلتها جاء بعد أن اكتشفت غرامها بمدير إحدى الشركات الفنية، وأن عائلتها قررت السفر كي تبعدها عن هذا الشخص.
في إحدى زياراتها لروسيا، بدعوة من مؤسسات يهودية بالاتحاد السوفياتي آنذاك، غنت مايا كازابيانكا مختارات من ألبوماتها العديدة، ونالت إعجاب جمهورها، الذي كان أغلبه من اليهود السوفيات، فطلبوا منها أن تغني النشيد الوطني الإسرائيلي.
وأمام نشوة التصفيق وسطوة المعجبين التهمت مايا الطعم بسهولة، وبعد برهة وجدت نفسها تردد نشيد (هاتيكفاه)، وتردده معها الحناجر. وهو يعني عند اليهود “الأمل”.
التقطت الكاميرات ذلك وكتبت الصحف عنها وتم تسويق صورتها بإسرائيل وبمخلتف الدول. وكان ذلك نقطة تحول في حياتها، حسب ما كتبته وصرحت به منذ سنوات. وقد حرمها ذلك من التنقل بكل حرية، كما في السابق، بين سوريا ولبنان ومصر والمغرب بجوازها الفرنسي، هي التي كانت تخفي يهوديتها عن الجميع.
نعاها الباحث اليهودي من أصل مغربي، موشي كوهين، قائلا: “إن سيرتها حافلة بفضل شخصيتها وصوتها، وبذلك غزت قلوب الملايين في روسيا وفرنسا والدول العربية قاطبة”.
وزاد كوهين، في حديث لهسبريس الإلكترونية، أن “قصة حياتها تشكل مصدر إلهام للكثير من النساء في كل العالم، لأنها آمنت بالسلام والتآخي، وسعت إلى تحقيق ذلك بصوتها وشخصيتها”.
قد لا تكون لمايا أغنية خاصة عن بلدها المغرب، الذي ولدت ونشأت فيه ما يربو عن 15 سنة، ولها فيه ذكريات عديدة، لكن هناك أغنية بعنوان “وداعا بلدي”، غنتها في الستينيات ولقيت شهرة كبيرة، حيث غنت فيها عن ذكرياتها في بلدها الذي غادرته، وعن صديقة عزيزة تتذكرها، وعن شمس المغرب وبحره الأزرق، ومنزل تركته دون رجعة..
“ودعت بلادي، وغادرت منزلي.. تركت شمسي، تركت بحري الأزرق.. وبعد وداعي استيقظت الذكريات…” تقول كلمات الأغنية.
كانت مايا كازابلانكا تغني عن مدينتها الدار البيضاء، وعن بيتها في الملاح ببلدها المغرب، الذي قضت فيه فترة طفولتها ومراهقتها، وحملته معها أينما حلت، حتى وهي تترجل عن هذه الحياة، مودعة معجبيها وعشاق أغانيها من اليهود وغيرهم عبر العالم..