رضا عبدالسلام يكتب :”يا ريس″…الأزمة أكبر من أزمة ١٠٠ ألف خريج حقوق وتجارة!!

أشار سيادة الرئيس في خطابه بمناسبة عيد العمال أمس الى أن سوق العمل لا يحتاج الى مئات الآلاف سنويا من خريجي كليات كالحقوق والتجارة…”وهذا الكلام سليم وصحيح تماما”.

قلنا هذا الكلام وكتبناه في مؤلفات علمية منذ عام ٢٠٠٤ اي منذ ١٥ عام!!!…

ولا أعتقد أنني أو غيري من العلماء نخترع العجلة، عندما نتحدث عن هذا الخلل الرهيب بين خريجي الجامعات المصرية وبين احتياجات سوق العمل…لا لم ناتي بجديد.

هل السوق في حاجة الى عشرات الالاف سنويا من خريجي كافة التخصصات (وليس فقط الحقوق والتجارة)؟! ماذا عن الآداب والتربية وحتى الطب والهندسة؟!

كل كلية الطب حاليا يدخلها الالاف سنويا..هل مصر بحاجة الى آلاف الأطباء سنويا؟! بعد ان صارت العيادة الى جوار العيادة، مثل السوبر ماركتات؟! بل إن هناك في كل مدينة مئات الأطباء يعانون -شأنهم شأن المحامين والمحاسبين والتربويين- من شبح البطالة الحقيقية وخاصة شباب الأطباء!!! نفس الكلام يقال بالنسبة للمهندسين…الخ.

اذا الإقرار بالخطأ هو أول مراحل وضع العلاج والخروج من الأزمات…فحسنا تحدث رئيس الجمهورية…وواجب كل أهل الاختصاص الحديث بانتماء.

علينا الإقرار بداية بأن السياسة التعليمية في مصر خلال العقود الغابرة (شأنها شأن كل شيء في مصر) كانت سياسة فاشلة بامتياز، استهدفت ما استهدفته من أهداف آنذاك، وكلنا نعلمها، ولكنها هدمت مصر هدما…مش كده ولا أيه؟!

وفِي المقابل، أجارت تلك السياسة التعليمية على قطاع كان أولى أن يحظى بالاهتمام والتقدير من كافة مؤسسات الدولة الا وهو “التعليم الفني”.

التعليم الفني كما تعلمنا ونعلم طلابنا منذ عشرات السنين هو قاطرة التقدم والتنمية…الصين ماليزيا سنغافورة هونج كونج وحتى اليابان وغيرها…تقدم كل هؤلاء بالتعليم الفني…وليس بآلاف المحامين والأطباء والمحاسبين…الخ.

انظر الى حال التعليم الفني في مصر؟! للاسف مفرخة المجرمين (الا من رحم ربي طبعا) وسائقي التوك توك!!

عكفت الدولة نفسها على اعتبار من يدخل التعليم الفني هو “الفاشل في الإعدادية” ، واعتادنا نحن المجتمع والإعلام على النظر لخريج التعليم الفني على انه الواد بلية بنظرتنا الدونية المعروفة…وبعد كده عايزين يبقى فيه صناعة وإنتاج وتقدم؟! بالعافية؟! أين العقل؟!

حتى لا نهدر المزيد من الوقت، الأزمة ليست أزمة خريجي حقوق او تجارة فقط، الأزمة “أزمة ادارة” وأزمة عقول وازمة ثقافة واعلام…وفِي كل هذا الدولة هي المسئول…هي مسئولية السائق وليست مسئولية الركاب…الأمانة تقتضي قول كلمة الحق.

اذا..حسنا تحدث السيد الرئيس، وأتمنى أن يعقب هذا الحديث سياسات حاسمة وقاطعة بأهداف واضحة للتعليم في مصر، وكأننا أمام مشروع حرب ياريس، وهل هناك أهم من التعليم لبناء وتقدم أي دولة؟!

ولهذا عندما قامت ثورة يناير ٢٠١١، اتذكر أنني كتبت مقالا باليوم السابع تحدثت فيه عن ضرورة انشاء وزارة للتعليم الفني…التعليم الفني ولا شيء غيره قادر على ان ينقل مصر لعداد الدول المتقدمة.

نقطة أوضحها لكل مصري، السكان ليسوا نقمة، ولكنهم يتحولوا الى نقمة عندما يساء توظيفهم…بل ان كافة المؤشرات تؤكد أنه خلال ٣٠ عام ستكون قيادة العالم للصين ثم الهند وبعد ذلك تاتي الولايات المتحدة…البشر ثروة يا سادة وليسوا عبء!

بناء التعليم لاعادة بناء الوطن تلزمه سياسات وامكانات ودعم من الاعلام والثقافة والمؤسسات الدينية ومؤسسات الاعمال والصناعة… لابد ان تعمل جميعها في اتجاه واحد الا وهو أن المستقبل والغد للمهني الفني.

أما ان يدخل الشاب او الشابة مدرسة فنية ويخرج يواجه بمجتمع يحط من قدره، او برجل صناعة يعطيه الفتات ويزله ويهينه، او باعلام فاشل يستهين به، في حين ينشغل الكل بطب وهندسة وذلك الميراث البالي، كل هذا سيقوده حتما الى التوك توك، وبالتالي المزيد من الهدم للمجتمع…اي الفشل.

اذا خلاصة القول، مطلوب مصارحة مع النفس واخلاص للوطن، وهذا يستدعي ما يلي:

اولا: تحديد أولويات رؤية مصر ٢٠٣٠، وما اذا كانت سياستنا التعليمية تدعمها أم لا؟! بالطبع لا، ولهذا اجزم من الآن بأن هذه الرؤية الطموحة لن تتحقق لاننا لم نوفر بعد أي من مقومات تحقيقها…وانا أعي كل كلمة هنا.

ثانيا: غربلة الكيانات والأجهزة والأفراد القائمين على التعليم في مصر، سواء في مرحلة ما قبل الجامعة او التعليم الجامعي، بحيث لا نبقي الا على الاكفاء وأصحاب الخبرات، أما المعطلون والمشغولون بالراتب والبدلات فهولاء افضل للوطن تكهينهم وإحالتهم للتقاعد.

ثالثا: وضع منظومة للأجور والمكافآت تحفز الاكفاء من المعلمين وأساتذة الجامعات على الابداع والتطوير وبالتالي يعيش المعلم بكرامة وعزة وبالتالي يكون العطاء.

رابعا: ربط مخرجات التعليم (العام والخاص) باحتياجات السوق، وهذا يستلزم تنسيق مع جمعيات رجال الاعمال والصناعة وبالتالي تكون للخريج فرصة للانضمام مباشرة لطابور العاملين “لا العاطلين”.

خامسا: مطلوب قيام مؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية بحملة مكثفة للتوعية بأهمية التعليم الفني والصناعي والمهني وبالتالي يكون له القدر فتتحول الى عنصر جذب لا عنصر طرد.

سادسا: غربلة القوانين التي تنظم العلاقة بين العامل ورب العمل وخاصة في المنشآت الصناعية وضمان حد ادنى من الدخول يحفز خريجي التعليم الفني على العمل في الصناعة “مش على توك توك”.

سابعا: على الدولة مراجعة عوامل فشلها، لان الدولة بأجهزتها المختلفة هي المسئول…فالتوك توك وان حل مشكلة شباب عاطل،الا انه هدم كل شيء…

فالمفترض ان ٢.٥ مليون سائق توك توك كان مكانهم في المصانع وليس على توك توك!!! مسئولية من؟! انها الدولة…مطلوب علاج اسباب الخلل وهذه مسئولية من صنع المشكلة وهي الدولة.

ثامنا: مراجعة تراخيص الجامعات والمعاهد الخاصة، التي نشأ اغلبها لتحقيق اعلى ربح، وأرباح لا يحققها ارباب الصناعة!!!.

مطلوب ربط الترخيص لتلك المنشآت التعليمية الخاصة “بتخصصات مهنية فنية فقط” وأكرر مهنية فقط، ينبغي ربط استمرار الترخيص بمؤشرات التشغيل، اي عدد الخريجين الذين التحقوا بسوق العمل وليس طابور العاطلين،

وبالتالي ينشغل اصحاب تلك المؤسسات التعليمية الخاصة بالتنسيق مع رجال الصناعة…وبالتالي يكونوا سواعد بناء لا معاول هدم كما نرى أغلبهم…الصورة واضحة!!!

تاسعا: تعديل قانون الاستثمار وقانون الضريبة الموحدة بحيث يتم ربط المزايا والإعفاءات الممنوحة للمستثمرين بعدد من تم تدريبهم وتأهيلهم من الطلاب والخريجين…مش كده ولا أيه؟!

وعمر كل ده ما هايتحقق الا “بدولة القانون” والمحاسبة والمساءلة…لازم نشتغل صح…والله الموفق.

ا.د رضا عبدالسلام : محافظ الشرقية الأسبق وأستاذ ووكيل كلية الحقوق جامعة المنصورة

اقرأ للكاتب

رضا عبدالسلام يكتب : رمضانك عندنا ..مش عند ربنا!!

شكرا للتعليق على الموضوع