حسن الحضري يكتب : معايير القيادة في الإسلام

      من المسلَّم به قطعًا أن الناس متفاوتون في طبيعة تكوينهم الذي طبعهم الله عليه، ويشمل ذلك ما لديهم من أفكار وطموحات وقدرات وغير ذلك مما يتعلق بالسمات الشخصية لكل إنسان، وما يتصل بكل ذلك في علاقته بالآخرين، وقد راعى الشرع الحنيف هذا الأمر في المفاضلة بين الناس على المستويَيْنِ الديني والدنيوي؛ فالله تعالى يقول: (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124]؛ كما كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- يجعل كلًّا في مكانه الذي يستحقه، بحسب طبيعة الأمر، وصفات من ينتدبه له.

    وقد أمر- صلَّى الله عليه وسلَّم- بالأخذ بمعيار الكفاءة، وحذر من المحاباة والمجاملة على حساب ذلك؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «من وَلِيَ مِن أمر المسلمين شيئًا، فأمَّر عليهم أحدًا محاباة؛ فعليه لعنة الله، لا يقبل الله منه صِرفًا ولا عدلًا، حتى يدخله جهنم» [أخرجه أحمد في مسنده (ص 202/ 21)]؛ فالمحاباة فيها جورٌ على حق مَن هو أولى بالأمر، وفيها إفساد لكل أمر يتولاه من لا يصلح له، وإن كان يصلح لأمرٍ غيرِه.

   وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم- زاهدين في المناصب والقيادة، ويقدِّمون مصلحة المسلمين على كل اعتبار؛ رُوِيَ في «المغازي»: «لما قُتل ابن رواحة؛ انهزم المسلمون أسوأ هزيمة، ثم إن المسلمين تراجعوا، فأقبل رجل من الأنصار يقال له: ثابت بن أقرم؛ فأخذ اللواء وجعل يصيح بالأنصار، فجعل الناس يثوبون إليه من كل وجه، وهم قليل، وهو يقول: إليَّ أيها الناس!!؛ فاجتمعوا إليه، فنظر ثابت إلى خالد بن الوليد فقال: خذ اللواء يا أبا سليمان؛ فقال: لا آخذه؛ أنت أحق به؛ أنت رجل لك سنٌّ، وقد شهدتَ بدرًا؛ قال ثابت: خذه أيها الرجل، فوالله ما أخذته إلا لك» [«المغازي» للواقدي (2/ 763)]؛ فثابت بن أقرم -رضي الله عنه- لم يفكر في الاحتفاظ بالراية لنفسه، وهو من كبار الصحابة السابقين إلى الإسلام؛ ولكنه دفعها إلى من هو مشهود له في هذا الميدان، وإن كان أحدث من ثابت إسلامًا وأصغر سنًّا، بالرغم من أن ثابتًا نفسه أهلٌ للراية أيضًا؛ بدليل قول خالدٍ له، وإجماع أصحابه عليه كما ورد في رواياتٍ أخرى؛ حيث «قال: يا معشر المسلمين؛ اصطلِحوا على رجل منكم؛ قالوا: أنت؛ قال: ما أنا بفاعل؛ فاصطلح الناس على خالد بن الوليد» [«السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» لابن حبان (1/ 318)].

حسن الحضري يكتب : الضعف السياسي وعلاقته بالتخبط الفكري

     وقد اشترط الإسلام القوة والقدرة على القيادة لمن يتولاها، في أي أمرٍ من أمور الدِّين أو الدنيا، فلا يُكتفَى بصلاح دينه فقط؛ ولذلك قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- حين طلب أن يستعمله: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» [أخرجه مسلم في صحيحه (3/ 1457/ 1825)].

      أما في عصرنا هذا فنجد المحاباة والمجاملة لأناسٍ لا دِين لهم، ولا قوة ولا قدرة على شيء، ولا علم ولا دراية بشيء، حتى فسدت الأمور؛ ونسأل الله السلامة.

الكاتب : عضو اتحاد كتاب مصر

اقرأ للكاتب

حسن الحضري يكتب : الخطاب السياسي ودلالته

شكرا للتعليق على الموضوع