طه الحضري يكتب: يا أخي احترم عقولنا….!!

دائما ما نسمع جملة ”يا أخي احترم عقولنا”. نرددها  كثيرا في الحوارات والنقاشات اليومية . كلمات نسمعها بعدما ينتهي شخص ما من الكلام في إحدى المجالات وهو لا يعي أي اهتمام لعقل المتلقن.

فمن الواجب علينا احترام الذات والعقل والفكر الحر الذي يدعونا إلى الصدق مع أنفسنا والبعد عن خداعها .فالعقل هو جوهر الإنسانية والأداة الفعالة في صنع الحضارة . جملة جديرة بالاهتمام، ولكن ما هي أهمية هذه الجملة التي تجعلنا نفرد لها مقالا..؟

إن من أعظم ما وهب الله للإنسان العقل . فوهبه عقلا سليما ، وفكرا ناضجا ، وميزه عن الحيوانات . يقول سبحانه وتعالي . { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}. سورة الإسراء

فالعقل يميز الخير من الشر  ، به يرتقي ويسود الإنسان ،وبه تسود الأمه في بحور كثيره من العلم والتقدم . وحتى لو كان الإنسان  ضعيفا  فقيرا، نحيل البنية ، وذميم الخلقة ، (إنما المرء بأصغريه بلسانه وعقله ) . وخاطب القرآن العقل ، ودعاه  الي التفكر والتأمل والفهم ، ورفض الخرافة والتلقي الأعمى والأساطير .  فكلما ازداد رجحان العقل ازدادت قيمة الإنسان، واقترب من كمال الشخصية المتزنة .و نسمع فلان عاقل ومتزن. وبتعطيل العقل، أو انحطاط تفكيره يفقد الإنسان إنسانيته . يقول سبحانه وتعالي . ( إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ( (سورة الأنفال) .لذلك جعل الإسلام العقل شرطا من شروط التكليف.

من أجل ذلك وجب  علي الإنسان احترام عقله أولا قبل أن يحترم عقول الأخرين .

احترام الإنسان عقلَه بترك الانسياق خلف ما تمتلئ به الدنيا اليوم من الأكاذيب والتلفيقات والتدليس، فلا يترك عقله وعاء يملئ من غريب الأقوال، وعلي الإنسان  أن يتأمل ويفكر؛ فلا يستعجل في قبول ما يقال إلا بعد تمحيص الخبر أو القول، من حيث فحوى القول، ومن حيث مصدره،. ومع تقدم التكنولوجيا تقدمت معها وسائل التدليس بالصوت والصورة التي تقنع المتلقن. وخاصه في وسائل التواصل الاجتماعي. احترام الإنسان عقله بترك الانفعالات التي تفقده وعيه ، والكبر الذي يفسد رجاحة عقله .

أما عن احترام الإنسان لعقول الأخرين، فعلي المتحدث إذا كان عالما ألا يتكبر بعلمه، فالتحدث إلي العامة البسطاء ليس كما التحدث مع العلماء المثقفين ، احترام عقل غيرك احتراماً لإنسانيته. أياً كان سِنّه وأياً كان مركزه ووضعه في المجتمع، فهو مثلك إنسان ، فالناس متفاوتون في العقول ، وكلنا نعلم أن هناك فروق فرديه في الفهم والاستيعاب .

احترام عقل غيرك بأن تترك الجدال. فالمجادل بغير منطق كالكذاب في شهادته ،وتذكرت الحديث  كما في سنن أبي داود هو: عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. وحسنه الألباني ـ فالعقل تاج الإنسان وشاهد علي ثقافة مجتمعه .

 فالاعتداء عليه اعتداء علي الجسد كله وإهانة لثقافة المجتمع كله. ومن أشكال الاستخفاف بالعقول أنه عندما يقوم المتحدث سواء كان إعلاميا أو صحفيا أو قناة تلفزيونيه لها توجيهاتها الخاصة   بطرح الأفكار والآراء سواءً كانت فكرية أو سياسية أو تربوية. يطرحونها  وفي قرارة أنفسهم أن  المتلقن أو المجتمع ما زال مصاب بسطحية التفكير وضحالته ، وقلة الوعي ، وأنه يجيد سرعة الاقتناع ، ونخاطبه على أنه مجتمع  من العصر الحجري ..! وهم يتناسون أن العالم الأن كالقرية الصغيرة . فمن السهل الوصول إلي المعلومة . وعندما يتركون مجالا للتعليقات أو إبداء الرأي بحريه . تجد ردود واعيه تنم عن ثقافة الإنسان ،مرددين جملة “يا أخي احترم عقولنا …………!!” .

الكاتب: محاضر بالمعهد العالي للإتصالات والملاحة

اقرأ للكاتب

طه الحضري يكتب: حتي لا تعلم شمالك…………..!!

شكرا للتعليق على الموضوع