طه الحضري يكتب: حتي لا تعلم شمالك…………..!!

نطرح اليوم موضوعاً مهماً يتعلق بإنسانية الفرد ومشاعره وفطرته وحياؤه . هل حينما قلنا إنسانية الفرد ومشاعره حددنا الفرد الغني أم الفقير.. ؟ أم الغني والفقير فيهم سواء يملكون نفس المشاعر،وفي الإنسانية أيضا هم  سواء مع اختلاف درجاتها من شخص الي آخر.

موضوعي  يتعلق بكيفيه الصدقة  وطريقه  الإنفاق على الفقراء والمحتاجين، والتي خالطتها في السنوات الأخيرة شهوة النفس بالشهرة، وهو الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي عند البعض أو تصوير الفقير وهو يأخذ الصدقة. التي لم نكن نراها من قبل  . دعونا نستفتح موضوعنا بقول الله عزّ وجل.( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فالإنفاق في السِّر وفي العلانية – مشروعٌ ومحمودٌ، إلا أنَّ هناك تفصيلاً من ناحية أفضليَّة أيٍّ منهما ويقول تبارك وتعالى: « الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ).

وهنا إشارة واضحة إلى نوعين من الصدقة، هما: صدقة السر وصدقة العلانية، ولاشك أن الصدقة من أعمال الخير المحببة لله عز وجل، ولها أثر كبير جدا في حياة المسلم. والصدقة من صنائع المعروف ..تقي مصارع السوء .

 وليس المنوط هنا التركيز علي شرائع الله وسنة نبيه فقط، ولكن المنوط إنسانيه الفقير وعدم جرح مشاعره. ولو نظرنا الي الآيات القرآنية السابقة  والاحاديث، لو جدنا أن الله فضل صدقه السر عن العلن، لقوله صلى الله عليه  وسلم: «ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”. وذكر عن علي بن الحسين رضي الله عنه أنه كان ينفق على أربعين بيتاً في المدينة دون علمهم، فقد كان يخرج في آخر الليل ويضع الصدقات عند أبواب بيوتهم، وقد عرف الناس أنه من فعل ذلك حين مات، حيث انقطعت عنهم الصدقات. وكان دائما يردد «الصدقة السِّر تُطفئُ غضب الرب) فلاشك أن صدقة السر هي الأعظم وهي أبعد عن الرياء والسمعة والمن والأذى. بخلاف صدقه الفرض فلا خلاف أن إظهارها افضل. فإظهار الزكاة أحسن وإخفاء التطوع أفضل ومكانتها عظيمة عند الله عز وجل لأنها تنفي الرياء .

ما أعظم إخفاء الصدقة، حيث إنّ فيها خيراً للمتصدق لأنها أقرب إلى الإخلاص، وفيها خير للفقير لأن فيها احتراما لمشاعره ونفسيته وكرامته، الإنفاقَ سرًّا يُسْهِم في تكوين الشَّخصيَّة الإسلاميَّة ذات الأبعاد الدينيَّة والأخلاقيَّة الراقية. من آداب الصدقة إخفائها وعدم التفاخر بها. وإذا كانت الصدقة للفقير إحسانا، فإن إخفاءها إحسانٌ آخر، لأن إعلانها يُعرّض الفقير للمذلة والإهانة، وفيها كسرٌ لقلبه، وجرح لمشاعره، وتحطيم لنفسيته. فإن الأرفقَ بكرامتِه والأوْلى بإنسانيَّتِه أن لا يعلمَ أحدٌ بأخْذِه للصدَقَة، وأنْ يأخذَ صدقتَه في الخَفاء بعيدًا عن أعين النَّاس.

وقد عبَّر الإمام الغزالي عن أخذ الصدَقَة في الخفاء: “أنَّه أبْقى للستر على الآخِذ، فإنَّ أَخْذَه ظَاهِرًا هَتْكٌ لستر المروءة، وكشفٌ عن الحاجة، وخروجٌ عن هيئة التعفُّفِ والتصوُّنِ المحبوبِ الذي يحسب الجاهلُ أهلَه أغنياء من التعفُّف”، وكذلك أنَّ في إظهارِ الأخذِ ذُلاًّ وامتهانًا وليس للمؤمن أنْ يُذِلَّ نفسَه.

تخيل كل هذا وهناك تصوير لتوثيق هذا العمل  لجمعيه  خيريه ،أو لجنه من لجان البر والإحسان. فما بالك كم الذل والجرح حينما تنشر صوره ،وهو يبكي  منكسرا  علي جميع وسائل  التواصل الاجتماعي ،و يرا نفسه بعد ذلك. وتخيل معي نفسية ومشاعر أبنائه بالمدرسة أو بالشارع أو بين أقرانهم. وتخيل ابنته وقد كبرت واقتربت من سن الزواج. ونحن نعيش في مجتمع كثرة فيه المنه والتنمر وانقرضت فيه الفطرة السليمة.

كان في الماضي وخاصه بالريف الزوج يعطي زوجته الصدقة لكي تتصدق بها علي النساء الفقراء من جيرانها والأقارب الفقراء ولا يشعر بهم أحد .ولا يعطي الرجل الرجل فيجرح مشاعره . كانت فطره سليمه وعمل خالص لوجه الله تعالي . ومازالت عند البعض.

  ومن اللافت للانتباه أثناء تصوير المجرمين وتجار المخدرات  توضع غمامة سوداء علي وجهوهم  لكي لا يراهم احد  حرصا علي إنسانيتهم ومشاعر ذويهم . فكيف  لنا  نظهر وجه الفقير حينما يأخذ  الصدقة و نظهر دموعه؟.

  إنْ كان المتصدق يفعل ذلك لوجه الله عزّ وجل، ويبتغي الآخرة، فلماذا ينصرف اهتمامه إلى عرض عمله الخيري للناس بتصويره؟ ولماذا يجبر الفقير على التصوير معه مع فرض الابتسامة عليه، ومن ثم يعرض الصور والفيديوات بوسائل التواصل الاجتماعي؟  وإذا كان المتصدق لا يظهر نفسه ،خوفا من الرياء ويريدها خالصه لوجه الله فلماذا أظهرت الآخذ؟  وهو الفقير وصورت صاحب الحاجه ونشرت بكاءه، وأظهرت مذلته وهو يريد ان ينحني ويقبل يديك علي شكرك . إنه عمل غريب من نوعه، حيث تتداخل المشاعر بنشوة التكبر على الفقير، والاستهانة بمشاعره ونفسيته كما انك تساله ما حاجته أتجعله يشتكي الله الي  عباده.

 لاشك بأننا نلاحظ وقوع البعض في شبهة الرياء وحب الظهور وكسب السمعة عند تصدّقهم على الفقراء والمحتاجين .

هناك فقراء متعففين لا يشعر بهم أحد وحتي اذا كانوا معروفين بين جيرانهم واقليه ممن  حولهم . بتصويرهم ونشره صورهم فضحت سترهم وكسرة عفتهم . وحين نمعن النظر في ملامح وجوههم فإننا نلتقط نبضات الشعور بالألم والإهانة التي تتراء في عيونهم.

اقرأ ايضا | حسن الحضري يكتب : وزارة الثقافة ودورها في إفساد الحياة الثقافية في مصر

ودعوني أطرح سؤلا مهما: ماذا لو تبدّلتْ أحوال هذه الفئة من المتصدقين، وأصبحوا مُعدمين ماديا، واحتاجوا، هل سيقبلون بتصويرهم وهم يتسلّمون الصدقات العينية أو المالية؟ وهل سيتقبلون مشاهدة صور وفيديوهات بوسائل التواصل الاجتماعي يظهرون فيها وهم تحت ضغط الفقر؟  وما هو شعورك أنت  حينما ترا شيخا عجوزا أو أرملة في هذا الموقف والله انه لشيء مخزي .واستحضرني الحديث الذي رواه أبي هريره عن الرسول عليه السلام  أول من تسعر بهم النار يوم القيامة عالم ومجاهد ومنفق………في نهاية الحديث (….. ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل ثم أمر به فسُحبَ على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم. من شروط قبول العمل: إخلاص العمل لله عز وجل . فأي عمل ليس لوجه الله يكب صاحبه في النار كما في الحديث.

والسؤال الأخير: لماذا نقبل للفقراء ما لا نقبله لأنفسنا؟. إن الحرص على الظهور بالصور والفيديوات بموقف الاستعلاء والمِنة والتفضل على الفقراء والمحتاجين هو وقوع في المحظور، حيث يلتحف هؤلاء المتصدقون بثوب الرياء والإعجاب بالنفس والمباهاة من أجل كسب المتابعين ولتحقيق الانتشار والشهرة. ولعلنا ندرك بأن عشق العمل الخيري، وحب التصدق يتنافى تماماً مع إكراه الفقير والمحتاج على أخذ صورة له أو لقطات فيديو تهزم مشاعره وتخدش كرامته، وتفضح فقره. يقول الله عزّ وجل وقوله الحق: «قوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذى).

قد يكون من مصلحة المنفق  أن تكون الصدَقَةُ علانيةً أمامَ الناسِ ، ولكن ليست كل مره ، من باب الحث علي الخير وتشجيع الآخرين علي الصدقة .

نسيت انك استهترت بمشاعرهم وشنعت بهم أمام الناس .نحن نسالهم ونطلب الإذن والموافقة منهم  قبل ان ننشر ونذيع. نسيت انه متعفف لا يريد ان يعلم به احد .رضخ لرغبة المتصدق بالتصوير تحت ضغط الحاجة والفقر ، مقابل الحصول على الصدقة المالية أو العينية، وهي في حقيقتها مشاهد مؤلمة للغاية، تؤثر في النفس وتظهر (الأنا). اذا ولابد انشر واخفي معالم وجهه . فالفقير قد لا يموت جوعاً، ولكنه قد يموت قهراً وألماً بتحطيم نفسيته. نسأل الله الإخلاص في القول والعمل.

الكاتب: محاضر بالمعهد العالي للاتصالات والملاحة  

اقرأ للكاتب

طه الحضري يكتب: علمتني كورونا

شكرا للتعليق على الموضوع