صاحب المقام .. عيني لغير جمالكم لا تنظر وعلى محبتكم أموت وأحشر

انهار بناء الفيلم مع ظهور الثنائي محمد ثروت وإيمان السيد .. واكتمل الانهيار مع اكتشافنا أن غيبوبة الزوجة مُصطنعة و«تمثيلية» مُتفق عليها !

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏

‏تقارير – التلغراف:  ‏في سبتمبر من عام 2004، أعلنت وزارة الداخلية العراقية، أن مهندسين مصريين يعملان في شركة اتصالات (عراقنا) للهواتف المحمولة، التي تملك شركة أوراسكوم المصرية الحصة الأكبر منها، تم اختطافهما من مكتبيهما، في حي الحارثية بالعاصمة العراقية بغداد.

وفي وقت سابق اعلن احد موظفي شركة “عراقنا” للاتصالات ان ستة موظفين في الشركة تعرضوا للخطف، أيضاً، قرب الفلوجة (50 كيلو غرب بغداد)، ليصل إجمالي المُختطفين إلى ثمانية موظفين بالشركة !

هي نفسها الواقعة، التي بدأت بها أحداث فيلم «صاحب المقام»، حيث تعرض خمسة من العاملين في شركة رجل الأعمال «يحيى حسين الرمالي» (آسر ياسين)، التي تتولى تدشين شبكة اتصالات ومحمول في العراق، للاختطاف، وكأن كاتب الفيلم إبراهيم عيسى يقتفى أثر رجل الأعمال نجيب ساويرس، الذي يملك البطل، مثله أيضاً، مصنعاً في العين السخنة، وربما لهذا بدت المقدمة خارج السياق، ومنتفية الضرورة الدرامية، بينما الحقيقة أنها كاشفة، إلى حد كبير، وتضع أيدينا، بقوة، على الملامح الشخصية ل «يحيى»، الجريء، الحاسم، الذي يرفض الابتزاز، ويضع مصلحته فوق كل اعتبار، ومن ثم تُبرر انكفائه على ذاته، وإهماله لزوجته «راندا» (أمينة خليل)، وابنه «ياسين» (الطفل عمر حسن)، فقد حفر في الصخر، سنوات، ليتجنب مصير والده، الذي ورث عنه «البيزنس»، لكن أحواله تدهورت، قبل مماته، وهو ما جعل منه عصبي المزاج، مُغامر، زائغ العينين، غارق لأذنيه في العمل، يستهين بالعلم، والدرجات العلمية ويهوى الاستماع لفرقة «بينك فلويد».

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٤‏ أشخاص‏، ‏‏‏‏أشخاص يقفون‏، ‏لحية‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏قبعة‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏

إحذر !

يُدرك المخرج محمد جمال العدل، والكاتب إبراهيم عيسى، أنهما يخاطبان جمهوراً يقظاً، يتعامل بوعي مع تفاصيل «الكادر»، ومن ثم لم يكن هناك داع، على الإطلاق، لتلك اللافتة المباشرة للغاية، التي احتلت جانباَ من الشاشة، والتي صاحبها صفير مُزعج متواصل، في أعقاب الخلاف المحتدم بين «يحي» وزوجته، والتي تُحذر البطل، وربما الجمهور، مما هو آت من أحداث، حيث تواجه رجل الأعمال مشكلة تتمثل في ضرورة إزالة مقام (زاوية أو ضريح)، يعيق بناء «كومباوند»، على الطريق الصحراوي، ما يجعله حائراً بين وجهتي نظر شريكيه «حكيم» و«حليم» (بيومي فؤاد في الدورين)، حيث يرفض الأول، لايمانه بأنه مقام أحد الأولياء، ولا ينبغي المساس به، أو الاقتراب منه، بينما يؤيد الثاني فكرة الهدم، رافضاً الانسياق وراء الخرافات، ومؤمناً بأنها ضد الشرع، حسب ما يؤمن السلفيون، الذين يهاجمون، في خطبهم، الأضرحة، ويتبنوا الدعوة لمنع زياراتها، وتحريم الصلاة في مساجد بها أضرحة، فالغاية عنده تبرر الوسيلة، ويقترح على رجل الأعمال التحايل على الأمر، وخداع السلفيين بتنظيم حملة على السوشيال ميديا بحسابات مزيفة تُحرم الأضرحة، وتتهم سيدي هلال، صاحب المقام، بأنه حرامي، وشيخ منصر، بالإضافة إلى بناء جامع، على نفس الطراز المعماري للكومباوند، مع التبرع، في نفس الوقت، لمسجدين تابعين للسلفيين، وهي وجهة النظر، التي ينحاز لها رجل الأعمال، الذي يعبر عن رأيه الشخصي مع زوجته، قائلاً : «أولية وأضرحة وكلام فاضي .. ناس بره القرن الواحد والعشرين»، وبالتالي يتخذ قرار هدم المقام، وفي مشهد بالغ التكثيف، يُصور المخرج رجل الأعمال، وهو ينفخ في نظارته، لحظة إزالة المقام، وكأنه ذرة غبار، الأمر الذي يجر عليه الكثير من المشاكل، التي تبدأ بخسارة أسهمه في البورصة، واحتراق الفيلا، التي يملكها في الساحل الشمالي، وضياع أرض العلمين، وصفقة كبيرة كان قد اقترب منها، ما يدفع «حكيم» ، الذي رفض حضور لحظة الهدم، لتأويل ما حدث بأنه انتقام الأولياء، بينما يرى «حليم»، الذي لم يأبه بثورة الأهالي عند الهدم، بأنها مُصادفة ليست أكثر !

آسر ياسين: صاحب المقام به نفحة روحانية جذبتني | مصراوى | اخبار مصر ...

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏٥‏ أشخاص‏

الغيبوبة.. واليقظة !

هنا لا نستطيع أن نفصل بين الغيبوبة، التي دخلت فيها الزوجة، والغيبوبة التي كان يعيشها رجل الأعمال، ووجد نفسه مُجبراً بعدها على أن يُغير نمط حياته، ويعيش للناس قليلاً، نزولاً عند نصيحة «روحه» (يسرا) : «زور اللي انت مزعلهم وصالحهم»، فأكثر من التردد على الأضرحة، والتبرك بالأولياء (الحسين والسيدة نفيسة والإمام الشافعي)، والاطلاع على ملف كل الأولية والأضرحة في مصر، ويُشعل شمعة للعذراء، كوسيلة للتقرب إلى الله، قبل أن يجد ضالته، ويحقق مبتغاه في الرد على رسائل الغلابة (استلهام من كتاب “رسائل إلي الإمام الشافعي” المنشور سنة ١٩٦٥ للدكتور “سيد عويس”)، الذين يودعونها مقصورة الإمام الشافعي، عساه يشفع لهم عند ربهم، ومن ثم يُصبح «رسول الإمام»، و«صوت المستضعفين»، الذي «يفتح للناس الشباك لكي يفتح له الله الباب»، حسب نصيحة «روح»، وتتوالى المواقف الإنسانية، التي تفيض بالشجن والعذوبة، كالعاهرة «هنادي» (فريدة سيف النصر)، التي تابت، وانتظرت أن يقبل الله توبتها، وعندما وصلتها أسلمت الروح، والأب «عبد الحميد» (إبراهيم نصر)، الذي لا يصدق أن ابنه «فرج» (محمد عادل) مات، في هجرته غير الشرعية، والمُدمن (محمود عبد المُغني)، الذي ماتت ابنته بسبب الفقر، والبحث عن علاج عجزت أمها الخادمة «نجوى» (إنجي المقدم)، عن توفيره لها، والفتاة الشابة «أمل»، التي تأذت كثيراً من زوج أمها (محمد لطفي)، والأم (سلوى محمد علي)، التي مات زوجها، وهجرها ابناؤها، وأعوزتها الحاجة، فالمآس كثيرة، والفقر ثقيل الوطأة، وتنوء الجبال عن حمله، لكن الفيلم خرج، فجأة، عن مساره، وانقلب على أسلوبه، وموده، بتوقفه عند حالة «سعيد طايع» (محمد ثروت)، الذي كان يحلم بالزواج من «إيمان» (إيمان سيد)، فالكوميديا أفسدت كل شيء، وأزعم أن بناء الفيلم انهار تماماً بعدها، حيث توالت المواقف الهزلية، وغير المنطقية (الاستعانة بالضحايا لفك أسر الفتاة، والقبض على زوج أمها، والإبقاء على بصيص «أمل»)، واكتمل الانهيار الدرامي، مع اكتشافنا أن غيبوبة الزوجة كانت مُصطنعة، ومجرد «تمثيلية» مُتفق عليها، مع «روح»، لايقاظ الزوج / رجل الأعمال من غفلته، وإعادته إلى جادة الصواب، بعد ما أغوته الدنيا، وأفسده حب المال، وشهوة السلطة !

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏لقطة قريبة‏‏‏

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏‏‏نوم‏، ‏‏جلوس‏، ‏غرفة نوم‏‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

ماله .. وما عليه !

عكس الأراء، التي حمل أصحابها على الفيلم، بُحجة أنه يدعو إلى الشرك بالله، عبر تحريضه على زيارة الأضرحة، والتبرك بالأولياء، كان موقف الفيلم واضحاً تماماً، عندما اختتم أحداثه بإعادة بناء المقام، وتصديره بالآية (62) من سورة يونس : «ألا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»، فأخرس الألسنة، وأعلى من شأن دار الإفتاء، الجهة الرسمية الوحيدة فى مصر التى لها الحق فى إصدار الفتاوى، في تأييدها لما ذهب إليه المتصوفة، ومناهضة الفتاوى السلفية الجاهلة. ومع هذه النهاية، التي حسمت أي جدل أو لغط، حفل الفيلم بالكثير من الرسائل، التي تُعلي من شأن الاستنارة، والتأكيد على علاقة الإنسان بربه، وإيمانه بالشفاعة كوسيلة للتقرب إليه، بدليل الشحنة الإيمانية الهائلة، التي أصابت المستضعفين في الأرض، لحظة إحساسهم بأن الله سمع النداء، واستجاب للدعاء (أفضل ردود أفعال لضيوف الشرف جميعاً)، وتشديد الفيلم على حقيقة أن التجارة مع الله مكسب للنفس، لكنها ليست صفقة مادية نفعية، ولم تخل رسائل الفيلم من إشارات لها مغزى، وإن استعصى فهمها على البعض، كصفعة المرأة المجهولة (هالة فاخر) لرجل الأعمال، في صحن السيدة نفيسة، لتكسر غروره، وسرقة حذاءه، في الحسين، الذي كان أول مسجد يزوره، بعد غياب، وكأنه يعبر عن غضبه حيال هذا التجاهل الطويل، كما اتسمت بعض المواقف بخفة الظل، التي لم تخرج بالأحداث عن السياق، مثل حفر الأطفال عبارة «خمسة مواه» على سيارة البطل، في تجسيد صارخ للتشويه الذي أصاب الجيل، والاختزال البليغ في تصوير التحول في العلاقة بين الأب وابنه، ودعوته لمشاركته رحلة استكشاف الفقراء، وقليلي الحيلة . ومع هذا لم يخل «صاحب المقام» من شوائب علقت بثوبه، كتيمة النوم الذي استعصى على البطل فاستدعى مُبتهل (وائل الفشني) ليطرده (أحمد زكي في «معالي الوزير») واستحكام أزمة رجل الأعمال بالشكل الذي يدعوه لطلب السماح من ضحاياه، أملاً في التكفير عن ذنوبه، وما اقترفته نفسه من آثام (أحمد عز في «حلم عزيز»). وفي ظل التميز الملحوظ لضيوف الشرف (فريدة سيف النصر، إبراهيم نصر، محمود عبد المُغني، سلوى محمد علي، إنجي المقدم، ريهام عبد الغفور ومحمد عادل) بعكس الظهور الباهت لممثل دور «د.حسن رمضان»، أستاذ علم الإجتماع في جامعة المنوفية، والإساءة للعراقيين، عبر شخصية «كاظم»، وسيط الإرهابيين، وهي الهنات، التي نجح التصوير والإضاءة (سامح سليم) والموسيقى (خالد الكمار) والديكور (رامي دراج) والمونتاج (رانيا المنتصر بالله) في محو أثرها، فأكثروا حسناتها، وغفروا سيئاتها، وجاء المنتج أحمد السبكي، بموافقته على دعم التجربة، وجرأته في اختيار القضية، التي تمثل مُغامرة شجاعة بكل المقاييس، ليمحو ذنوب الفيلم، إن وجدت، ويرفع أسهم «صاحب المقام»، ومن ثم تحل البركة على المؤلف «عيسى» والمخرج «محمد» .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، ‏‏نص‏‏‏

الناقد السينمائي - مجدى الطيب
الناقد السينمائي – مجدى الطيب

اقرأ ايضآ

القائمة الكاملة لأعضاء لجان تحكيم الدورة 41 لمهرجان القاهرة السينمائي

شكرا للتعليق على الموضوع