ياسمينا شاهين تكتب: حب غير مشروط

عندما يتمعن الإنسان فيما حوله من ظواهر، يشعر في كثير من الأحيان بقوة الهية عظيمة تمده بيسر بعد عسر وبسكون بعد قلق وبراحة بعد كثير من التعب.

ولكن لكي يطمئن قلب الإنسان، لابد وأن يفهم، إذ أمرنا الدين الحنيف بأن نفهم كل ما نرى ولا نقتنع بالأشياء كما هي ظاهرة، إذ أن هذا الأسلوب يتناقض مع مبدأ إعمال العقل الذي يعد أساس قانون الخليقة وحكمة الله في الأرض.

ولكي تستشعر قيمة الصدق والطاقة الايجابية لابد وأن تعيش الظاهرة بمفهومها السليم وليس المغلوط كما يردد الجميع.

وعندما تنهمك في الفكر وتسرح بعيدا عن دنيا الغروب، ستحمد الله على رزقنا بنعمة من أهم النعم في حياتنا ألا وهي ” القلب الخاشع المحب الصادق”

القلب الذي تعلم أن يحب لكي يعطي ويحب كي يعمر الكون، يحب حبا صادقا ليغير ويتفاءل ويشعر بالصدق.

و لم أعتقد قط بأن تلك العاطفة حين غرزت في الإنسان كان غرزها بمحض صدفة أو بجملة العواطف التي زرعت في عقل و قلب بني البشر، و لكنها زرعت و اختصت بالذكر لحكمة بالغة أولها كانت “حبك لله” ثم حبك لرسله ثم حبك لأهلك و أصدقائك ثم حبك للدنيا كي تستطيع أن تواجهها بكل مآسيها و تحدياتها دون انسحاب، حبك لأبنائك، لزوجتك، لعملك، و الكثير والكثير من أمور الدين والدنيا.

و عندما خلق الله تلك العاطفة الصادقة ، وضع لها شروط كي تسير في المسار السليم دون تشويه ، و أمرنا أن نتبعها في كل سلوك في حياتنا، كما وصفها في القرآن بالمودة و هي أعلى درجات الحب و الرحمة ، فأمرنا أن نحبه فنراه في كل مكان و نشعر به في كل نفس و نلجأ اليه في كل اختبار ، أمرنا أن نحب ديننا  كي نصدقه و ننفذ كل تعاليمه برضا ، أن نحب الوالدين فنحسن لهم في كل نفس ، نحب الأصدقاء فنلخص لهم دون مقابل ، نحب الأبناء فنتحمل مشقة تربيتهم ، نحب أزواجنا فنتقي الله فيهم ، نحب عملنا فنزيد من الانتاج لخدمة الكون و هكذا  الكثير و الكثير …

كذلك أمرنا أن نغلب عاطفة الحب على الكره و الغضب، أمرنا أن ندفع بالتي هي أحسن، أن نكظم الغيظ و نكف عن الأذى و نعفو عن الناس و نحسن لمن أساء إلينا و اعتبر ذاك مرتبة من مراتب الجهاد ، ووعد أصحابه بأعلى مراتب الجنة و بتغيير من السيء نتيجة لإحسانك له في الدنيا ..

ولكن عزيزي القارئ، ترى أي حب هذا الذي يقصده المولى؟ أيقصد حب المقابل، حب تبادل المصالح، حب المال الزائف، حب الزوال، حب العدم؟!

كنت و مازلت وسأظل على يقين بأن الله تعالى لم يخلق شيئا عبثا، ولم يجعل شيئا سيئا، ولكن نحن من نسيء استخدام النعم وتفسير الظواهر.

عندما تحدث الله عن الحب، تحدث عن الحب والعطاء غير المشروط، العطاء بلا انتظار مقابل وذاك يقينا منه عز وجل أن ذاك العطاء الطاهر هو من سيدوم للأبد وسينمو كلما أعطيت أكثر وأكثر!

 فعندما أحب الله تعالى عباده، أحبهم دون قيود أو شروط، حتى ما أمرنا به من تعاليم كانت لصلاح أنفسنا وعدم اتباعنا اياها لن ينقص من الله شيء والله غني عنها.

عندما أحبت الأم طفلها، أحبته دون مقابل بل على العكس، كلما زاد عناؤه، ازداد ارتباطها به وتلك هي معجزات الله حقا!

عندما أحببنا الأنبياء أحببناهم دون مقابل   فمكث حبهم في قلوبهم مهما مرت السنون وسيظل بإذن الله.

عندما أحب الانسان وطنه، دافع عنه لآخر نقطة في دمه دون بخل أو قنوط وباع الدنيا آملا أن يحفر اسمه مع الصديقين والشهداء.

هذا هو الحب الشريف.

لكن حدثني عزيزي عن هؤلاء الذين يحبون من أجل الأنانية!

الصديق الذي يحب صديقه لمصلحة فقط وعندما تمضي ينسى ثم ينسى حتى آخر دقيقة جمعت بينهم!

الرجل الذي يذهب لخطبة امرأة او المرأة التي تقبل زيجة من رجل لاستفادة ما من هذا العقد والخروج بأكثر المكاسب دون رأفة ودون الإيمان بصدق وطهارة الروح وتوافقها والتضحية من أجلها، وعند أول ظرف تتناقض فيه المصالح، يذهب الآخر فيه بلا عودة ناسيا كل أشكال المودة والرحمة التي حباها الله لهذا الميثاق الغليظ المقدس.

أي حب هذا لإنسان يعمل فقط من أجل مال أو جاه دون هدف بإرضاء الله وتحسين حال العمل وافادة من هم بعده.

أي حب لعلم هذا، الذي يجعل العالم يبخل بعلمه على طلابه!

أي حب هذا الذي ينقلب لعداوة وبغضاء عند زوال المصلحة وتعارض الفكر!

أي حب هذا المغلوط، غير المضبوط، الذي يقودنا إلى الموت!

هذا ليس حبا، بل يمكن إطلاق أي مسمى آخر على تلك الكلمة دون اكسابها ذاك المعنى السامي.

عزيزي، تعلم أن تطهر قلبك، وعندما تتطهر روحك ستنضج، فتشعر بقيمة وصدق تلك العاطفة فتسعد وتسعد غيرك.

فتعلم أن تحب بصدق، أن تحب حبا غير مشروط، حبا يظهر عند السكوت رغم امتلاكه لأعلى طبقة صوت …

اقرأ للكاتبة

ياسمينا شاهين تكتب: مليون.. مضمون..

شكرا للتعليق على الموضوع