ياسمينا شاهين تكتب: معركة الوعي في عصر الفتن .. (الجزء الأول)
نعم … نعترف … ” أصبحنا في عصر الفتن ” …
و في الواقع هذه الحقيقة أصبحت حتمية وواضحة كوضوح الشمس لا يمكن إخفاؤها مهما كان الدافع و مهما كانت المسميات المنتشرة على اختلاف شاكلتها و ألوانها …
و في عصر الفتن ، يرتعد القلب و ينقبض الصدر و يشتت العقل ، و يصبح الضمير سجين تعذيب الآراء ووهم الأفكار و سيطرة الوسوسة ، و يصبح الصراع بين الخير و الشر هو آخر أمل لانتصار الحق و لو بعد حين .
في عصر الفتن … يصبح- ما هو مؤكد و لا يحتمل النقاش أو الجدال أو التفسير – مجالا للريبة !!
وتصبح الحقائق و المسلمات مجرد آراء فكرية تحتمل الخطأ قبل الصواب !!
يصبح الوقت المطلوب لمناقشة قضايا أساسية لاستمرار الحياة وقتا ضائعا و ينصب فيه المجهود على التفاهة و إثارة الجدل و فقط .
تتلاعب الأقلام كتلاعب الألسنة ، و تسعى إلى تزيين الشر في العيون ، حتى يصبح الشر ملاكا و يصبح الخير رجعية و “موضة قديمة ” و يصبح هناك ضلال واضح في ترجمة القيم و المبادئ و الأخلاق ، فالطيب بلقبونه بالأهبل و الساذج !! و المحتشم يلقبونه بالرجعي !! و الوقح يلقبونه بالصريح !! المتملق يصبح متميزا و اجتماعيا !! و النصاب يصبح ذكيا !! و البلطجي يصبح نجما اجتماعيا !! حتى وصل المجتمع إلى مرحلة الشك في كل نفس يتنفسه !!!
دوائر ودوائر من السلبية التي يرأسها النفاق و حب المال و الظهور الذي يبيع فيه أصحابه الغالي والنفيس من أجل ” روبابكيا الدنيا “
في عصر الفتن ، تحكمت المادة و القوة المزيفة في “سرقة الرأي العام ” على يد بعض الأيدي الخبيثة معدومة الضمير بهدف تحقيق مصالح و أهداف شخصية دون الأخذ في الاعتبار بسوء عاقبة هذا المكر و ثقل حسابه أما الضمير و الأهل و المجتمع و القانون و قبل كل هذا “الله سبحانه و تعالى ” !!
والكارثة السوداء :- أن هؤلاء ،، يزرعون و يستثمرون في ” أرضية خصبة جداا ” فنحن في عصر أجيال “مظلومة حقا” ، أجيال تربت في عصر ” اللا ثوابت ” ، عصر “فراغ و سرعة رهيبة ” و ” قنابل فكرية موقوتة ” و غياب واضح لقوى التوازن الإيجابية و المنارة العلمية ذات الأساس الراسخ ، تاركة الساحة ” لكل من هب و دب ” و “لكل جاهل ” و”لكل سفيه ” و ” لكل أناني ” أن يتسلل “كاللص” بين المجتمع و يبرر كل ما هو خاطئ و يغلط كل ما هو صواب …
و ما النتيجة الآن ؟!! أجيال ترث أجيال -فاقدين للسيطرة عليها- بكل الصور و الأشكال و بطفرات جينية عنيفة و تشوهات خلقية مستعصية !!
و السؤال هنا … لماذا أصبح أي شخص يفتي في أي مجال بعيدا عن مجاله و يصدر أحكاما ثابتة و آراء غير قابلة للنقاش ،، لو سمحت أخبرني كيف تتحمل المسئولية في التحدث بلسان حال المجتمع و التشكيك في عاداته و ضرب تقاليده في مقتل ؟!!
أيا كانت أقوالك أو قوتك أو شهرتك !!
أيمكن مثلا للطبيب أن يفتي بشأن بنيان هندسي ؟!
أيمكن للمهندس أن يفتي في الفقه الديني ؟!
أيمكن للمعلم أن يقبض على المجرمين و يشرع القوانين ؟!!
و إن افترضنا أن القدرة على المناقشة تأتي من التعليم و اكتساب المهارة بالقدر الذي يؤهل صاحبه ، فهل قمت بذلك !
لما يتحدث أي أحد في أي وقت و في أي أمر على أنه حتى ” ليس مجرد رأيا شخصيا ” و لكن على أساس كونه “حقيقة غير قابلة للنقاش ” في أمور قد تم البت في بحثها و الحديث عنها و إثباتها بما لا يدع مجالا للشك ؟!!
والسؤال الثاني بالنسبة للمتخصصين حتى في المجال ، ما هي درجة علمك بالتخصص ؟! وما هي حجم الأبحاث و الشهادات التي حصلت عليها و ما هو ترخيصك للتصريح والحديث للرأي العام ؟!!
وما هي حدودك ؟!
وكيف تسمح لنفسك بالتجرؤ على الله و الدين و المجتمع ؟!!
أو أن تتجرأ على أخ لك في الإنسانية أو حتى ناقد لك ؟!
والسؤال الثالث : ما هو مفهومنا عن النقد ؟!
ولما يتبع رواد مواقع التواصل الإجتماعي لهجة السخرية و التهكم و التنمر إثر إثارة أي قضية بدلا من محاولة مناقشتها بموضوعية ؟!
و لما تكون دائما الشتائم هي الوسيلة الأسرع و الأسهل في الهجوم ؟!
و لما نفتقر لمهارات التواصل الإجتماعي سواء واقعيا أو حتى في العالم الافتراضي ؟!
ده حتى على مستوى الأطفال ، لم يسلموا من هذا الأذى !!
فجميعكم قد لاحظتم ما قد حدث على مدار الشهر الماضي على غرار الاستعداد للمدارس .
من مشاكل ال “supplies” ، للسخرية بالصور على الزي المدرسي لبعض الأولاد ، على ترند مكونات ال “lunch box” !! على أزمة -حجز سنترات الدروس الخصوصية –
و لكم أن تتخيلوا كم الأذى الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال عندما يرون كل هذا الضغط في سن صغير !!
لما لا يتم التوجيه بذوق و لما يصر كل شخص على تنصيب نفسه ” كأحكم الحكماء ” و لما لا ندرك أننا مختلفون حقا في المعرفة و الطبقات و هذه سنة الله في الكون .
فمن تستهزئ أنت به ، قد تكون المعلومة تائهة عنه و محتاج لمساعدة توعوية و محتاج إلى تكامل بين الطبقات و بعضها البعض حتى يساعد القوي الضعيف، ، فلفت النظر إليه بالتعليم و التوجيه خير عند الله و أكرم للشخص و مغيرا إبجابيا للمجتمع ..
وهنا يأتي السؤال الرابع :- ما هو الهدف ؟!!
#الإصلاح أم التسلية ؟!
#تغيير المجتمع للأفضل أم التهريج ؟!!
#إعادة هيكلة الرأي العام أم سرقته ؟!!
#خلق جيل وطني محترم مثقف عالم متدين أم خلق جيل من البلطجية ؟!
فلكي يحدث تغيير نشعر به ،،، يجب أن يبدأ كل منا بمراجعة نفسه و لو لدقائق و أن يعيد طرح بعض هذه الأسئلة الوجودية على نفسه و على أسرته …
و عندما يجد إجابات ،، لابد و أن تتماشى مع الدين و العلم المنطق و المجتمع لا مع أهوائه و شهواته المتأرجحين بين القيل و القال !!
وفور وصول كل منا إلى هذه الخطوة ، تأتي المرحلة التالية و هي “الاعتراف بوجود اعوجاج في حاجة إلى المواجهة و الإصلاح ” .
ومن ثم يبدأ كل منا في المحاولة في التفكير في حلول يمكن أن تساهم في حل أزمة الوعي التي نعاني منها اليوم ..
وهذا ما سنستكمله سويا في عدد الجمعة القادم بإذن الله …
اقرأ للكاتبة
ياسمينا شاهين تكتب: (فاضي الجمعه شوية؟) ترند آخر موضة