ياسمينا شاهين تكتب: (فاضي الجمعه شوية؟) ترند آخر موضة

“ترند ورا ترند ورا ترند “… سيل من “الترندات” المتدفق , ليس له بداية صادقة و لا نهاية واضحة ، من هذا لذاك و يا قلبي لا تحزن حرفيا !!

من تنمر، لنميمة، لتشهير، لانتهاك حرومات و خصوصيات ، لخروج عن المألوف و التقاليد و العادات ، لانتهاك لكل المعايير الإنسانية إلى حتى وصول البعض إلى الخروج عن الملة من أجل  لفت أنظار الآلاف بل و الملايين في أحيان أخرى  !!

ولا أدري عزيزي القارئ ، ما هذا الشيطان الرجيم المدعو ” بداء هوس الشهرة ” ، الذي أصاب الشباب في هذا الجيل بالذات ب “جنون العظمة” ! الذي انتشر بينهم كالطاعون و أخذ يفتك بواحد منهم تلو الآخر بمنتهى الرخص و الدونية !!

ولا أعلم ، ماذا حدث لمجتمعنا الذي أصبح عنده ” زرار ال share” و ” ال comment” هو أسهل ما يقوم به لنشر أخبار و تداول قضايا لا يعلم مدى صحتها أو تأثيرها على أصحابها ، و لا أعلم من أين جاء مجتمعنا المحترم بهذا القاموس النابي من الشتائم و السب بسبب و  بدون سبب على وسائل التواصل الاجتماعي و اتباع أسلوب التهكم و السخرية على كل صغيرة و كبيرة !

فلا يدرك الفرد الفرق بين النقد و الإساءة ، بين النصح و التوجيه و السب و القذف ، بين اختلاف الرأى و تداوله باحتراك و بين السلطوية و الأنفة و الديكتاتورية ، و بين التعليق و إثارة الجدل و إطلاق أحكام نهائية لا رجعة فيها !!

بل والأدهى للفت النظر ، ما تراه يحدث وسط “المعلقين ” على “منشور الترند” فيما  بينهم !!

فجأة قد تجد أكثر من معلق يخوض في عراك شديد و شتائم و سب لمجرد اختلاف وجهات النظر على “ترند” حقيقي أتفه ما يمكن !!

وللأسف هذه الكارثة الأخلاقية لم تكتف بسن معين ، بل فتكت بالمجتمع من صغيره  لكبيره ، وأصبح القدوة لأولادنا و شبابنا مجموعة من “معدومي الضمير و المشوهين فكريا ” هم من يقودوا دفة النصح و الإرشاد و التعليم ، مما نتج عنه دخول أفكار دسيسة خطيرة بين الأولاد ، فأصبح العيب عاديا و الحرام حلالا و المجاهرة بالمعصية أسلوب حياة !!

وهنا ،، أول سؤال يطرح نفسه جديا ، هل يعلم هؤلاء الرواد لمنصات التواصل ما هو المقصود أصلا من الترند أو ما هو هدفه الأساسي ؟!!

فلو كانوا يعلمون ، لما اتجه الكثير منهم لدفع المبالغ الكبيرة لنشر منشوراتهم التافهة و السطحية على أوسع نطاق بلا هدف إيجابي ، و القيام بأي تصرفات منافية للمنطق من أجل الوصول لهذه القمة الهابطة !!!

فالترند عند بدايته كان محمود الهدف ، حيث كان يهدف لنشر القصص الناجحة للتعلم منها ، النماذج العلمية المشرفة لنستفيد من تجاربها ، الأحكام الدينية المختلفة ،قضايا الرأي المجتمعية لتستفيد من أحكامها و هكذا الكثير ،،،  أي كان التريند “إيجابيا” و كان يأتي صدفة دون تخطيط أو إعدادات مسبقة ، لأن الإنسان الناجح كان ينصب على الاجتهاد في عمله و خدمة دينه و بلده و أهله و فقط ، لا يبحث عن شهرة أو صيت أو تحقيق ثروة ليصبح حديث الملايين ” على الفاضي و المليان ” ، حيث أن الملتزم يعلم جيدا  “أن السعي وراء الشهرة من الأشياء المذمومة دينيا ” كما أن السعي وراء “الفرقعة و حب الظهور” لا يمكن أبدا أن يكون هدفا حياتيا و فقط يكرس الإنسان حياته و قلبه و عقله  و سعيه  وراءه و من أجله !!

وإن بدأنا سويا في طرح سؤال :

ترى من يصنع الترند ؟!!

سنجد إن فكرنا لمجرد خمس دقائق ، أنه بعيدا عن رواد منصات التواصل الاجتماعي بعض المنصات الرقمية و الشركات كبعض شركات  الدعاية و الإعلان و غيره ، نجد أن الكثير من وسائل الإعلام -للأسف الشديد –  ذات اسماء و تاريخ كبير ليس بالهين ، أصبحت واحدة من هؤلاء المشاركين في ضياع المجتمع بمنتهى الصراحة و شهادة الحق ، بل و أصبحت رئيسا رسميا لهذه العصابات !!

كيف لي أن أتصور كل يوم أن نقرأ أخبارا في منتهى التفاهة و السفه و التنمر و التدخل في الخصوصيات و نشر الشائعات التي لا حصر لها و ال propaganda الزائفة !  من مصادر كانت -شديدة الاحترام و المصداقية لدى القراء – ! 

ماذا حدث للأقلام الصحفية الوقورة المربية للأجيال صاحبة الرسالة ؟!

بل و الجدير ، إتباع هؤلاء لسياسة “إطلاق عناوين مفبركة جاذبة للانتباه” كي يلفت انتباه القارئ لها عنوة ثم يدخل ليكتشف كم الكذب  !!

بالإضافة إلى استغلال العديد من   “الشخصيات العامة” أو “من يصنفون نفسهم تحت هذا المصطلح ” و- هم أبعد ما يكونوا عن القدوة-  لمنصات التواصل الاجتماعي في نشر كل ما هو مخالف و بزيء !!

لمجرد أن يصبح “ترند الساعة” بل و قيام العديد منهم بدفع آلاف الجنيهات كي يصبح ترند اليوم !!

وحتى بعض وسائل الإعلام المرئية و المسموعة أخذت من منصاتها أيضا أداة لخلق هذه الترندات و مشاركتها بين ملايين المشاهدين على أوسع نطاق .

وكلما ازدادت تفاهة الموضوع سبحان الله ، كلما ازداد انتشاره بين الناس ، بل و ازداد التبرير لهذه الأخطاء بدافع أنهم ” مضغوطين و محتاجين يفرفشوا شوية ” !!

وأصبح التبرير هو المحامي و القاضي و القانزن و كل شيء في آن واحد !!

ناهيك عن القضايا المدنية و الجنائية و الفتاوى الدينية الذي أصبح “كل من هب و دب” يفتي ويتحاكى و يؤثر على الرأي العام و يضغط على ماهية الأحكام بمنتهى اللا إنسانية .

فعلى سبيل المثال لا الحصر :

* كم من نساء “خلعن الحجاب” بسبب كثرة الفتاوى الدينية المغلوطة في الآونة الأخيرة ؟!

*  كم حادثة طلاق و قتل حدثت بسبب فتاوى “جهلاء الإعلام” الباحثين عن “الشهرة و المال و الانتشار عن طريق ترسيخ مفاهيم و مواضيع معاكسة للمجتمع من أجل استمرار هذا  النجاح الفاشل بكل المقاييس !

و كلما ازدادت شهرة الشخص ، كلمه أصبح كلامه مصدقا غير قابل للتفكير أو النقد أو المناقشة و إعمال الرأي ، و أصبحت درجة هذه الشهرة هي مقياس نجاح و تفرد الفرد أيا كانت نوعية هذه الشهرة و مجالاتها و أغراضها !!!

و أصبح العديد من أبناء الجيل الجديد لا يعرفون في قاموس منهج حياتهم  سوا ربح المال من عالانترنت دون أي عمل أو جهد من المنزل عن طريق هذه البلبلة ،مضيعا وقته.

وأصبح العديد من أبناء الجيل الجديد لا يعرفون في قاموس منهج حياتهم  سوا ربح المال من عالانترنت دون أي عمل أو جهد من المنزل عن طريق هذه البلبلة ،مضيعا وقته و مجهوده وماله وصحته بلا هدف ديني أو دنيوي !!

ولعل آخر ترند عن قضية وفاة الدكتور ولاء -رحمه الله – من أبرز النماذج الدالة على ما وصل إليه المجتمع ، من سب للطبيب  ، لتبرير القتل و الدفاع عنه ، للكذب و بلبلة للرأي العام و تضارب الفتاوى من كونه قتل او انتحار ، للشماته ، و كأن ال ١٠٠ مليون مصري  أصبحوا قضاة في أقل من يوم واحد و يصدرون الأحكام من منصة ال Facebook و شهادات المنشورات !!

بلا أدلة قانونية موثقة ، و لا معابنة لموقع الحادث و لا الدراية لجوانب الواقعة بأكملها و لا أي شيء !!

بل وأخذوا يعقدون مقارنات بين وفاة الطالبة نيرة أشرف رحمها الله و بين وفاة الدكتور ولاء رحمه الله ، و ذكر البعض بأن قصة دكتور ولاء لم تصبح رأيا عاما لأنها قضيه متكررة يوميا و ليس فيها أي إثارة و تشويق و ليست فريدة من نوعها كحادث نيرة !!! ده بالإضافة لقولهم  : “يستاهل أصله خاين و اتجوز تاني ” !!

متغافلين تماما للطفل ابنه الذي تحطم نفسيا و فقد فطرته السوية بعد ما رأى و سمع في هذا السن الصغير !

فأصبحت حوادث المجتمع الآن مزادا للأكشن لإمتاع المشاهد !!

وأنا على أتم الثقة بأن بداخل كل منا آلام و كلاك كثير جدااا يود أن يقوله في رفض هذا الواقع المغصوبين على العيش فيه و التفاعل معه !!

فهو ملعب كبير ، يتداول فيه اللاعبون الكرة بين بعض برامج  التوك شو إلى الترند إلى الانفلونسير إلى البلوجر إلى بعض القنوات مرة أخرى و هكذا !!

لما لا نحاول أن يفكر كل منا بطرح مبادرة لحل هذه الأزمة ؟!

في نظري أن بداية الحل لابد و أن تبدأ بالاعتراف بوجود مشكلة و عدم التسفيه منها..

ثم ننتقل لمرحلة ” تعزيز الوعي الذاتي” الذي يبدأ من أنفسنا و من ثم أولادنا ، فقد يكون من الصعب بل المستحيل التحكم في بحر السوشيال ميديا ، لكن من السهل التحكم في كيفية استخدامنا له و في أنفسنا ، فلابد من الامتناع عن مشاركة أي خبر تافه و غير موضوعي و مقاطعة أي برامج أو مواقع أو منصات تدعو لإثارة   البلبلة المستمرة و الازدواج الفكري  المجتمعي

** لابد من التوقف على مشاركة أي اخبار أو شائعات و خاصة من الجهات غير معلومة و قضايا لم يبت فيها القانون بعد مع الحرص على حماية حرمات الأشخاص و عدم التشهير بهم .

**لابد من التصدي القانوني لكل من يقوم بالانتهاك للقوانين و التقاليد الدينية.  المجتمعية و افساد الرأي العام و كل من يتطاول بالسب و التنمر و التشهير ..

** العمل على ترسيخ مبدأ الرقابة الذاتية

** زيادة الرقابة على المصنفات الإعلامية و تطبيق  العقوبات لكل من يتسبب في إفساد الوعي

** العمل على تأهيل  الاقلام الصحفية و الاعلامية و تكثيف التدريب و التثقيف و التوعية المستمرة لإنقاذ جيل الكتاب و الصحفيين و الإعلاميين الجدد

** الاهتمام بالتعليم التثقيفي و التوعوي و البيئي للأولاد و مصادقتهم و دعمهم نفسيا و اجتماعيا

** فرض الرقابة القانونية على الفتلوى الدينية و القانونية و الاجتماعية و توحيد جهة الفتوى في مصر و اختيار علماء على أعلى كفاءة وضمير لتولي مثل هذه المناصب ، فلا يجوز لأي من ” هب و دب ” أن يتحدث في وسائل الإعلام و يوجه رسائل مغلوطة للشباب سواء كان هذا الافتاء بجهل أو بتعمد ، ففي الحالتين ، العذر أقبح من الذنب .

**الحرص الشديد في اختيار الكوادر الإعلامية التي تخاطب الشباب ، فالإعلامي لابد و أن يكون إنسانا ملتزما ، وقورا في مظهره و كلامه و أفكاره و أن يحترم عقل المشاهد و يحترم المادة التي يقدمها و يحترم دينه و تقاليد مجتمعه ، و كل من يخالف أخلاقيات المهنة عليه أن يتنحى جانبا حتى يتم تأهيله على أقل تقدير لتحمل هذه المسئولية العظيمة أمام الله ..

**التصدي بقوة”  للترند السلبي ” و لأي موجة إفساد أيا كانت بالإبلاغ و المقاطعة و محاربتها  “بالترند الإيجابي “.

** اشغال أوقات الفراغ قدر الإمكان لأن كثرة  الفراغ تميت القلب و تشجع على الفساد .

** العمل على الاستمرار في حل مشكلات الشباب و تفعيل روح القانون و التوعية المستمرة لهم بما لهم من حقوق و ما عليهم من واجبات و تأهيلهم للأدوار المنوطين بتوليها ، و ادراجهم باستمرار في منظومات العمل المجتمعي و الوطني مع إتاحة الدورات التثقيفية المستمرة .

**إعادة توجيه الخطاب الإعلامي و العمل على إنتاج برامج هادفة توجه رسالة مناسبة  و مخصصة لكل فئة عمرية من المشاهدين

** العمل على غلق  المواقع المحرضة و الإباحية و المقنعة  و التي تنتهك سياسات وضيعة و تافهة و سفيهة من أجل زيادة المتابعين و القراء ..

**بلورة النماذج العلمية و المجتمعية المشرفة و إعادة تقديم و تعريف معنى “القدوة الحسنة ” ..

هذه الحلول هي قليل من كثير  و بالطبع لكل منكم العديد من الآراء و الحلول الذي يسعدنا جميعا مشاركتها لحل هذه الأزمة التي تمس كل فرد من أفراد مجتمعنا ، سواء أكان بشكل مباشر أو غير مباشر ..

ولكن قبل كل شيء ، لكي نبدأ في البحث عن حل ، لابد و أن يشعر كل منا من أعماق قلبه ويؤمن إيمانا شديدا بأن هذه  القضية  ليست بالشيء التافه أو السطحي ، و أن  حماية الوعي وبناءه له قوانين و ضوابط كأي شيء في هذه الحياة ، و أن الاعتداء عليه جريمة لا تقل في خطورتها عن السرقة و القتل ، بل و يمكن أن يكون أثره أشد خطوره و ألمه و جراحه لا تمحى مع الزمن و تكون هي حجر الأساس لكل الجرائم فيما بعد عبر الأجيال ..

فلنراجع أنفسنا مرة أخرى ، “فموضة الترند” لا تمكث أكثر من “بضعة أيام” !! و صاحب النجاح الحقيقي هو من يخلد سيرته -بمعية الله و عونه و رضاه-  في الملأ الأعلى إلى يوم الدين ….

د.ياسمينا شاهين

اقرأ للكاتبة 

ياسمينا شاهين تكتب: (فاضي الجمعه شوية؟) خمس دقائق من النسيان

شكرا للتعليق على الموضوع