مصطفى جودة يكتب: غضبة التنين

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

في 16 أبريل عام 1947، استخدم بيرنارد باروش، عضو مجلس النواب الأمريكي كلمة الحرب الباردة ليشخص الصراع المحتدم بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1945، والتي لم تنته إلا بانهيار الاتحاد السوفيتى فى عام 1991. يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، وأن صراعا مماثلا يتبلورهذه الأيام، خاصة بين الصين وأمريكا. في صمت أعدت الصين نفسها كقوة اقتصادية وعسكرية قادرة على المواجهة. إنها تظهر نفسها الآن عملاقا قويا مستعدا للمواجهة مع أمريكا المحكومة بقوي محافظة تؤمن أن الصين ليست مثل أمريكا ويمكن هزيمتها.

كل الأدلة تقترح أنها أعدت للمواجهة عدتها، وأنها لن تسمح بأي مداهنة يقترحها الرئيس الأمريكى.ما يحدث الآن من مواجهات رفع الجمارك التي بدأها ترامب على كل دول العالم بنسب مختلفة واختص الصين بأعلى نسبة قدرها 34%، ثم رد فعل الصين بالمثل وبفرض جمارك على المنتجات الأمريكية مماثل لما فرضته أمريكا، ثم عملية التصاعد في رفع قيمة الجمارك على البضائع الصينية لتصل الى 245% الآن.

ما يحدث الآن بين أمريكا والصين يشبه الأجواء التي سادت قبل نشوب الحربين العالمية الأولى والثانية.

كل الحروب العظمي في التاريخ كان لها أسباب وبدايات كان يمكن تجنبها.ربما تكون المقابلة بشبكة فوكس الإخبارية بتاريخ 3 أبريل 2025، والتي صرح فيها فانس نائب الرئيس ترامب بقوله: « الولايات المتحدة تقترض المال من الفلاحين الصينيين ثم تشتري بعدها ما يصنعونه»، مقدمة لحرب عالمية ثالثة.

اعتبرت الصين أن هذا تنمرا وأسلوبا نخبويا عنصريا لا يليق بمكانتها وحجمها، صادرة من شخص أصله ريفي أمريكي فقير كما كتب هو نفسه في مذكراته عن نشأته.

أطلقت الصين كل قدراتها للرد على تلك الكلمات وسمحت لمواطنيها ومسئوليها بالرد بعنف، منها فيضان من الأفلام القصيرة مصنعة بواسطة الذكاء الاصطناعي والتي يظهر في بعضها الرئيس ترامب وفانس وماسك يعملون ببطء في ورش بدائية، ويأكلون الهامبرجر وقد اكتسبوا أوزانا هائلة ويصنعون منتجات بدائية وهو ما يرمز لحالة تخلف تراها الصين. كما انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي بتاريخ 7 أبريل بقوله إنه من المدهش والمؤسف أن نسمع نائب الرئيس هذا يدلي بمثل هذه التصريحات الجاهلة وغير المحترمة. كما خرجت متحدثة الرئاسة الصينية موجهة كلامها للرئيس ترامب قائلة له إن الكاب الذي تلبسه وعليه شعارك،» أسهم في أن تعود أمريكا عظيمة»، مصنوع في الصين. كانت الردود أكثر قسوة في الصحافة الصينية منها قول رئيس تحرير إحداها: «يبدو أن هذا الفلاح الحقيقي القادم من الريف الأمريكي يفتقر الي الرؤية الثاقبة، وأنا أدعوه لزيارة الصين ليري بنفسه النهضة الصناعية والتكنولوجية الشاملة التي تعم الصين».

كما خرج الدكتور فيكتور جاو المحامي والأكاديمي الصيني ومدير مركز الصين والعولمة، بضع مرات في التليفزيونات العالمية، وقال تعليقا على ما قاله نائب الرئيس الأمريكي: « أنا مندهش من كمية الجهل التي يبديها السيد فانس عندما يشخص الصين بأنها مجموعة فلاحين وأن صناعها فلاحون. لقد ذهبت الي جامعة ييل الأمريكية قبله بعشرين سنة، وتخرجت فيها، وأقول له إن عدد أفراد الطبقة المتوسطة في الصين يبلغ قدر عدد سكان الولايات المتحدة، وأن سكان المدن بها يبلغ ثلاثة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة. إني أنصحه أن يكف عن التعالي والجهل، وأن يستيقظ وأن يستمع الي نصيحتي ويذهب للمدرسة ليتعلم مرة أخري». عندما سألته مذيعة بريطانية أن الصين قد تخسر صادراتها للولايات المتحدة والتي تبلغ 15% من حجم سوق الصادرات الأمريكية، أجابها: « لا يهمنا هذا إطلاقا ونحن مستعدون للمواجهة حتى النهاية ومنها المواجهة العسكرية».

الأهم من ذلك أن الحكومة الصينية أطلقت العنان لمواطنيها ليعبروا بحرية عن حالة الغضب العارم الذي اجتاح الصين بسبب تلك التصريحات، منها: «انظروا هذا وجههم الحقيقي المتغطرس الوقح كما هو الحال دائما». وتعليق آخر: « قد نكون فلاحين، لكن لدينا أفضل شبكة سكك حديدية فائقة السرعة في العالم، وأقوي القدرات اللوجستية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية والطائرات المسيرة الرائدة. أليس هؤلاء الفلاحون مثيرين للإعجاب حقا؟.

بتاريخ 12 أبريل تكلم الرئيس الصيني عن الحرب التجارية الضروس الدائرة رحاها بين الصين والولايات المتحدة وتهديدات الرئيس ترامب بفرض المزيد من الجمارك على المنتجات الصينية، وقال موجها كلامه تلقاء واشنطن مدليا برسالة تحد قوية لما تقوم به إدارة الرئيس ترامب: «نحن لا نحتاجكم، لقد اعتمدنا على أنفسنا لأكثر من 70 عاما، ولو أن أمريكا تريد الحرب، سواء كانت حرب جمارك أو حرب تجارة أو أي نوع من الحروب، فنحن جاهزون حتى النهاية». تصاعدت بعدها نسب فرض الجمارك بين البلدين حتى وصلت ما فرضته الصين 125%، وزيادة قدرها 245% على بعض الصادرات للولايات المتحدة. أما أمريكا فقد رفعت ما تفرضه إلي 245%, والأمور مهددة بزيادات أخري غير مسبوقة قد تصل الي 400% حسب تصريحات الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي.

 عندما قررت الصين حظر تصدير سبع عناصر نادرة على جميع دول العالم، قررت أمريكا منع شركة إن فيديا الأمريكية حظر بيع الرقائق الالكترونية للصين. أخطر ما حدث في الموضوع هو تصريح الرئيس ترامب أنه سيسأل الدول لتحدد موقفها وتحالفها معه، في نفس الوقت يزور الرئيس الصيني العديد من البلاد ويطلب منهم ما يشبه الدعوة للتحالفات. بلغت الخسائر حتى الآن 10 تريليونات دولار والتي لن تعود أبدا كما وصفها الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: حدود العلم وقصوره

شكرا للتعليق