مدحت العزب يكتب: المسلمون بين الاعتصام والافتراق

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالاعتصام، ووحدة الأمة الإسلامية واجتماعها، و حذرهم بل نهاهم عن الافتراق والخلاف المؤدى إلى التشرذم و التنازع والفرقة ،فى قوله تعالى: ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” ( ال عمران 103).

كما حذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الخلاف والاختلاف، المؤدى إلى التفرق و الانقسام، فقد كان صلى الله عليه وسلم يدرك، بالطبع ، أن قوة الأمة الإسلامية وعزتها فى وحدتها وائتلافها ومحبة أفرادها  ،وأن ضعفها و تناحرها و انكسارها و حتفها فى تناحر قلوب و أفعال أبنائها، وأن الاختلاف والخلاف والشقاق من أهم أسباب التشرذم، والمذهبية وانقسام الأمة إلى فرق و جماعات ،قد تكون متعادية متناحرة ،رغم أن دينهم و ربهم و كتابهم و نبيهم و قبلتهم واحدة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تختلفوا فتختلف قلوبكم ” ( أخرجه البخاري على ما فى الجامع الصغير  ٢-٢٩٤).

وقال عليه الصلاة والسلام: ” لا تختلفوا فان من قبلكم اختلفوا فهلكوا ” ( صحيح البخاري، باب كراهية الاختلاف ١٣- ٢٨٩).

كما قال صلى الله عليه وسلم: ” انما هلك من كان قبلكم باختلافهم فى الكتاب ” ( انظر الإحكام فى أصول  الأحكام لابن حزم  ٥ -٦٦).

معنى الافتراق:

والافتراق لغويا هو خلاف الإجتماع ، والتفرق والإفتراق سواء فى المعنى ،يقال ؛ فرقت بين الكلامين، فافترقا ،و فرقت بين الرجلين فتفرقا .( لسان العرب، مادة فرق ١٠-٣٠١).

والافتراق والتفرق مذموم منهى عنه، لأنه يؤدى إلى ضعف الأمة و تشتتها إلى فرق و جماعات.

الاختلاف والخلاف:

أما الاختلاف والخلاف: فالإختلاف هو نهج الشخص لطريق مغاير للآخر فى القول أو الفعل ،و الخلاف أعم من الاختلاف ،لأن كل مخالفين مختلفين ،وليس كل مختلفين مخالفين.

فالناس مختلفون فى أشكالهم و أفكارهم و ذوقهم و ألوانهم ، وكذلك الاختلاف فى الألسنة و العرق و غيرها من سيرورة و طبيعة الكون ،وهذا الاختلاف من حكمة الله تعالى، فلو أن البشر جميعا سواسية فى كل شىء لاستحالت الحياة ،واستحال عمران الكون و ازدهار الحياة ،مصداقاً لقوله تعالى: ” ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ،ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم ” …هود ١١٨-١١٩.

فالاختلاف من طبيعة الكون و سيرورة الحياة ،و هذا اختلاف محمود  لتنوع الأفكار والأراء، طالما التزم الضوابط الشرعية و أساسيات العقيدة والدين ،و طالما التزم بأداب الحوار والاختلاف و تقبل حجية الرأى الآخر او رفضها بإقامة حجيته ،و فى هذا مجال متسع للاجتهاد و هو باب رحمة يكفله الدين لابنائه من مقاصد الشريعة الحكيمة.

1-4

وبذلك يمكن تقسيم الاختلاف من الوجهة الشرعية إلى ثلاثة أقسام:

الأول…فى الأصول والعقائد وهو الذى نص عليه القرآن الكريم و صحيح السنة الفعلية و القولية، وهو بلا شك محرم، منهى عنه، وبدعة و ضلال، وقد يصل بصاحبه إلى الكفر، وهذا القسم هو المؤدى إلى افتراق و تشرذم و تناحر الأمة الإسلامية الواحدة.

الثانى …فى الحروب والأراء او القضايا الجوهرية التى تمس صيانة و سلامة الدين و الأمة ،و هو أيضا حرام منهى عنه ،لأن فيه تضييع لوحدة و مصالح الأمة.

والثالث… فى الفروع، وهو المحمود الذى لا يمس ثوابت العقيدة، بل يمكن اعتباره باب رحمة و تسهيل على الناس فى الفتاوى الفقهية فى مسائل الحلال والحرام ،واختلاف الفقهاء ،والذى يراعى الضوابط الآتية:

-الالتزام بما جاء بكتاب الله و سنة الرسول الصحيحة.

-الاجماع ،ويقصد به إجماع الصحابة والتابعين وفقهاء الأمة.

-القياس.        –الاستحسان.

-الحكم بسد الذرائع و درء المفاسد.

-النظر فى جلب المصالح

– ضوابط فقه الواقع التى يعرفها علماء الفقه.

نظرة سريعة على تاريخ الخلاف بين المسلمين :

 يمكن القول بأنه من الثابت تاريخيا ،ومن تتبع تاريخ نشأة الفرق والجماعات الاسلامية ،أن الخلاف على الإمامة او الخلافة او الحكم هو أعظم وأهم سبب لافتراق و خلاف الأمة الإسلامية، فما سل سيف فى الاسلام  بين المسلمين ،مثل ما سل بسبب الصراع والخلاف على الحكم ،وهذا يؤكد أن تشرذم الأمة الإسلامية إلى جماعات وفرق مختلفة ،بل أحيانا متعادية ،هو السبب السياسى ،وليس اختلافا دينيا او عقائديا ،الا أن كل فرقة أو جماعة كانت تحاول أن يجد لحجته و مطالبته بالحكم ،سندا أو حجة دينية أو عقائدية ،ومن هنا، حادت بعض هذه الفرق والجماعات ،فى أفكارها و عقائدها عن أصول أهل السنة والجماعة، و تحول الخلاف من صراع سياسى، إلى خلاف مذهبى .

 وتعددت الفرق والجماعات والمذاهب التى حادت فى كثير من الأحيان عن أصول الجماعة الاسلامية، والثابتة بالكتاب والسنة ، وتحقق قوله صلى الله عليه وسلم: ” افترقت اليهود على احدى أو اثنتين وسبعين فرقة ،وافترقت النصارى على احدى أو اثنتين وسبعين فرقة ،وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة”،

رواه أبو داود من حديث أبى هريرة، وصححه الألباني فى السلسلة الصحيحة ص٢٠٣، وقال عنه : أخرجه أبو داود و الترمذي، وابن ماجة وابن حبان ، والأجرى والحاكم وأحمد و أبو يعلى.

الخوارج:

فالخوارج، هي أول فرقة تخرج عن الجماعة، وسموا بذلك للخروج عن طاعة الأمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، كما سموا ” الشراة” أى الذين شروا أنفسهم لله بزعمهم ،و كانوا يعرفون قبل ذلك بالقراء ،لكثرة تلاوتهم و عبادتهم ،ورغم تميزهم بالصدق والتدين و التعبد ،الا انهم كفروا المسلمين ،واستحلوا دماءهم بمجرد المعاصي أو مخالفتهم ،و قسموا دار الاسلام إلى دار اسلام تخصهم ،و دار حرب تخص مخالفيهم.

الشيعة:

ثم ظهرت الشيعة، الذين اتخذوا من مناصرة الامام على  وآل البيت  سندا  لمذهبهم ،رغم أن مؤسس فكرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودى، وهو رأس الفتنة، الذى زرع فكرة التشيع وعودة الامام على ،مثلما يعود السيد المسيح.

والشيعة فرق كثيرة، منها المغالى فى الاعتقاد، ومنها المعتدل ،وقد حكم عليهم الصحابة منذ ظهورهم ،حسب درجاتهم فى الغلو ،أو أصولهم المعارضة للكتاب والسنة.

المعتزلة:

ثم ظهرت ” المعتزلة ” و مؤسسها واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد ، وغلب على عقيدتهم الفكر والكلام ،الا انهم حادوا كثيرا عن الأصول الاسلامية، في نفى الصفات عن الله ،و حكم مرتكب الكبيرة ،و المنزلة بين المنزلتين ،و فتنتهم الشهيرة ” خلق القرآن ” التي أدت الى منازعات و خلافات كثيرة طالت الفقهاء و أئمة الاسلام ،مثل الامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

و تفرقت عن الفرق الأساسية الكثير من الفرق والجماعات، منها ما استقل بفرقة، و منها من انضوى تحت الفرقة الأساسية وإن غير فى قواعد فرقته، وبعض الفرق غلب عليها الاعتدال، وكثير منها غلب عليها الغلو والبعد عن أصول العقيدة، مما سبب الكثير من الصراعات و الخلافات و التشرذم والوهن فى جسد الأمة الإسلامية.

ولا يتسع المجال لذكر جميع الفرق والجماعات الاسلامية، التى حادت عن منهج اهل السنة والجماعة ، الا انه يمكن التأكيد على ان الافتراق، وكما حذر القرآن الكريم، وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم، وللأسف الشديد، دب فى جسد الأمة الإسلامية، أدى إلى افتراقها إلى الكثير من الفرق والجماعات، مما أفقد جماعة المسلمين ،اهم مقوماتها ،و هو الاعتصام والتوحد و التآلف، ذلك الاعتصام الذى سطع جلياً فى عهد النبوة و الخلافة الراشدة ،و أيام عزة المسلمين ،وكان الإخاء بين مهاجرى مكة وأنصار المدينة مثالا لذلك ،حيث كان المسلمون مجتمعا واحدا ،و جماعة واحدة ،نبيهم واحد ،و كتابهم واحد ،و قبلتهم واحدة ،مما مكن المسلمون من فتح البلاد ،و نشر الاسلام ،و تأسيس أعظم حضارة انسانية عرفتها البشرية.

فيا مسلمى اليوم: اتحدوا و عودوا أمة واحدة .

الدكتور مدحت العزب

كاتب وطبيب مصري

1-4

اقرأ للكاتب

 مدحت العزب يكتب: العدوان على غزه..النتائج والعبر

شكرا للتعليق على الموضوع