“الإنسان النموذجي”، أساس تحقيق “محيط العمل النموذجي المستقبلي”…

كثرت الأبحاث حول أهمية “أخلاقيات العمل” أو ما يعرف بالـWork Ethics، والتي تشير إلى أن “أخلاقيات العمل” حاجة ملحة لتحقيق نجاح المؤسسات واستمراريتها، كما غزارة وجودة انتاجها… وتتوسع هذه الأبحاث في ما يُدعى بـ”بيئة العمل السامة” أو “Toxic Work Environment” وتأثير هذه الأخيرة على كل من صحة المرء الجسديّة والنفسيّة، أيضًا على مقدرته الإنتاجية… مشيرة إلى أنّ ما يعزز تلك البيئة غياب “أخلاقيات العمل” عن ممارسات قياديي تلك المؤسسات.
أيضًا، تشير بعض المراجع إلى أنّ “الأخلاقيات” (Ethics)، بشكل عام، هي علم “الشخصية الإنسانية المثالية”، أو “علم المسؤولية الأخلاقية أو الواجب الأخلاقي”، وهي “مجموعة من المفاهيم والمبادئ التي ترشد المرء إلى تحديد السلوك الذي يساعد أو يؤذي الكائنات الحيّة”. فيما “أخلاقيات العمل” هي المقدرة على الحفاظ على القيم الأخلاقيّة السليمة داخل مكان العمل. إنّها مواقف المرء ومفاهيمه التي تحدد الطريقة التي يؤدي بها واجباته الوظيفية بمعايير أخلاقية عاليّة.
ربّ سائل في هذا السياق، هل سعي المؤسسات إلى إحقاق “أخلاقيات العمل” وعيًّا أو لاوعيًّا منها، ليس سوى تعبير عن نزعة الإنسان الداخليّة الدفينة إلى ممارسة “ما هو صحيح”، أو “ما هو إنساني راقي”… فيما “بيئة العمل السامّة” Toxic Work Environment هي أحد أوجه إفرازات سموم مسلك النفس البشريّة السلبي في محيط العمل، المدعّم بحبّ السلطة والتسلط والنفوذ والمال واللامصداقيّة والمراوغة والزيف و…و… وصولًا إلى الفساد والتزوير إلى ما هنالك… في زمن اشتدت المنافسة فيه غير الشريفة، كما واستشرى فيه حبّ الماديّات… فهل يصحّ القول إنّ إزالة القشور والسلبيات بين الأفراد عامة وفي نطاق العمل خاصة لا يتحقق إلّا عبر إزالتها من النفس البشريّة…
“حقًا، إنّ الصناعة الأهم في الحياة هي تصنيع الإنسان” من كتاب الإيزوتيريك “تعرّف إلى وعيك” بقلم د. جوزيف مجدلاني (ج ب م)- مؤسس مركز علوم الإيزوتيريك الأول في لبنان والعالم العربي… إنّها شغل علوم الإيزوتيريك الشاغل- والتي تقدم تقنيّة إعرف نفسك بشكل عملي علمي حياتي إنساني، قائم على صقل “الشخصيّة” بالمبادئ الإنسانيّة تطبيقّا عمليًّا، أي تفكيرًا وقولًا وفعلًا… حيث النجاح في الحياة العمليّة ضروري ومهم… إنّما الوسيلة التي سيتبعها الفرد ليصل إلى هذا النجاح هي الأهم… حينها، وحينها فقط يرتقي المرء في فهم معاني وأبعاد العمل كشرط أساس لصقل النفس البشريّة بمجمل مكوناتها، وإن لاإراديًّا…
رأيي، أنّ “أخلاقيات العمل” مستقبلًا، التي سيولد في ظلّها “محيط العمل النموذجي”، ليكون خير تمثيل لـ “الإنسان النموذجي”، حيث المستقبل سيدعم ذلك الإنسان القوي بالمبادئ الإنسانيّة، فيضعه في طليعة القوم ليقود خير قيادة… وفي تصوّر لهذه الأخلاقيات، كما استشففتها من علوم الإيزوتيريك-علوم أنسنة الإنسان لا بد أنّها سترتفع على مداميك وعي تتضمن من جملة ما تتضمن النقاط الآتية:
أوّلًا- اقتران الشفافيّة الفكريّة بكل من الصدق والرقابة الذاتيّة والنظافة الداخليّة. حيث ’الضمير العملي‘ يوجه أعمال المرء وقراراته وأفعاله… والذي يترجم نفسه صدق، اخلاص ووفاء للعمل وزملاء العمل.
ثانيًّا- احترام النفس أوّلًا والآخرين ثانيًّا (جسديًّا- مشاعريًّا- فكريًّا وإنسانيًّا)، مع تدعيم تقدير النفس والثقة بها وبأعمالها وبمقدراتها.
ثالثًا- تطبيق معادلة “الكل يعمل للفرد والفرد يعمل للكل”، والذي يعزز بدوره المفهوم الراقي للعمل الجماعي كما تقدمه علوم الإيزوتيريك، القائم على مبدأ التكامل المسؤول بين الأفراد وليس على التراتبيّة العموديّة أو الأنانيّة الأفقيّة. أيضًا الشعور النبيل كممارسة قائمة على إرادة الخير في التعامل مع الآخر على قاعدة الإنفتاح والتفاعل في آن.
رابعًا- الإلتزام بالنظام والتنظيم بدءًا من مواعيد العمل والدوام والتفاصيل الصغيرة. أي التزام النفس الكامل بواجباتها ومسؤولياتها العمليّة. يقابلها التزام المؤسسات تأمين البيئة الأفضل (ماديًّا ومعنويًّا) والتي تنعكس بدورها زيادة في انتاجيّة العاملين فيها. ناهيكم عما يحققه العمل من “تنظيم لاإرادي أو لاشعوري فكريًّا، جسديًّا، مشاعريًّا وصولًا إلى التنسيق بين حركة أجسام النفس وحركة أجسام الذات”… كما يذكر كتاب الإيزوتيريك “محاضرات في الإيزوتيريك – الجزء السادس” بقلم ج ب م في ص. 30.
خامسًا-العدالة والإنصاف مع النفس والآخرين في ظل حكمة التصرف، وسوف يشمل ذلك العمل على تحقيق معادلة التوازن كحقّ مكتسب للفرد بين عمله وحياته الخاصة “Work life balance”.
سادسًا-المساواة على أنواعها (مساواة بين الأفراد… ومساواة بين الجنسين، مساواة بين الأديان الخ)… بمعنى أن للكفاءة، الجدارة، النزاهة، الخبرة، مستوى الوعي الى ما هنالك لها الكلمة الفصل.
سابعًا-وعي متقد لأبعاد ومعاني المسؤوليّة العمليّة مهما صغر أو كبر شأنها، في ضوء التجدد القائم على المبادرات الفرديّة النوعيّة وتبنيها من جهة، ورقرقة “الأنا” من جهة أخرى…
فيما يبقى الرابط الخفي أو العنصر المحرك للبنود أعلاه، برأيي، فهم الفرد لمعاني وأبعاد ’الكارما‘ أي مبدأ السبب والنتيجة… وكما تزرع تحصد… فعندما يرتقي الإنسان على مدماك التصرف الإيجابي الحياتي بوعي، لأ بد أن ترتقي أعماله ويرتقي معها محيطه كنتيجة حتميّة لذلك… والعكس صحيح.
ببلاغة شديدة المسألة هي مسألة وعي ليس إلّا… والوعي لا يكتسب بغير الخبرة… فيما الخبرة يلزمها تطبيق-فعل كما ويلزمها استخلاص عبرة لتكتمل… وانتشار علوم الإيزوتيريك وتبنّي الإنسان لها تطبيقًا عمليًّا وأسلوب حياة إنساني راقي سوف يحوّل كل مستحيل واقعًا وكل حلم حقيقة.

إقرأ أيضاً

“مفاهيم الحبّ الكبير ومعانيه” للدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)

شكرا للتعليق على الموضوع