ليست الريشة كالبندقية
عندما يخط القلم الكلمات، تلوّن الريشة العبارات فتصنع منها لوحة قد تكون أبلغ من ذات الكلمات، فتكون أعمق تأثيرا وأوسع انتشارا من دوي الرصاص، لأنها صادرة عمن كان دائما متوثبا لنصرة قضيا وطنه وتأبى نفسه أن يكون يوما عدوا لأهله، قاتلا شعبه، خائنا لأمته.
إنها مجرد بضع رسومات كاريكاتيريةـ لا تشير إلى أحد ولا تخص بالذكر أي مسؤول أو تسمي وطناـ كانت كافية أن تكون مجرد وسيلة تنفيس شاب بعفوية تامة عن ضيقه بوضع يراه لا يحتمل فعبر عنه بروح الفكاهة المألوفة ، إنه وضع يراه ثقيلا لا يتحمل عبأه سوى البسطاء الذين سبق أن صمتوا عندما هب وطنهم لنجدة ” الأشقاء” شرقا وغربا وجنوبا وقبلوا مجاراة أولي الأمر لما قدموا المساعدات على خصاصة شديدة منهم ،واستقبلوا بين ظهرانيهم ” ضيوفا ” الذي أصبح على وشك أن يحرم من أساسيات الحياة “الكريمة ” إنهم بالفعل أصبحوا يعانون من نقص الخدمات وكل الوقائع كأنها تشير إلى أن التاريخ بدأ يعيد نفسه بعد مروربضع سنوات ، فقط.
في ظروف الشدة والضيق لابد من وجود متنفس يقي البلاد خطر الغليان والانفجار، فالشباب المتحمس غالبا أقل صبرا لأنهم أكثر حماسة في وطنهم وأشد غيرة على بلدهم ، يريدونها الجنة في غمضة عين ، يريدون الزهو بها ، وارتداء ثوب الفخر بالانتماء إليها، وفي مثل هذا الحال لابد من يد تحنو عليهم لتسمو بالمشاعر وفكر مستنير يقوّم السلوك، ورأي سديد لتحديد معالم الطريق الصحيح، لابد من وجود قدوة وأسوة حسنة تنير بسراجها الطريق أمامهم، ولكن عندما تفقد البلاد سريعا تأثير القوة الناعمة التي طالما كانت لسنوات طويلة مضت هي المؤثرفي مبادئ المجتمع والموجهة لقيمه فإنها بذلك تتنازل عن طواعية أمام حتمية السقوط الحر في أوحال القمع والقهو وقطع الألسنة.
ليس الفنان أشرف عمر الجباخنجي أقل وطنية من آخرين ملؤا الدجى بالصياح ، لم نسمعه يتحدث ولم نصغي يوما لرأيه المعارض في قضية ما إنه هادئ الطبع ، قليل الكلام ، هو صيدلي، مترجم ، موسيقي ، فنان .. متعدد المواهب وليس أبدا ما نُسب إليه ظلما ، لقد جرى اتهامه بجرم لا يوجه عادة إلا بعد فترة طويلة من المراقبة والمطاردة والكر والفر، تهمة ليست في محلها تماما ولا تُصدق لأنه ليس له فيها سوابق ولم يكن يوما محل شبهة ، وببساطة لم يجد عناصر الأمن في لباسهم القتالي والمدججين بالسلاح !!!
بعد تفتيش منزله المتواضع سوي آلات موسيقية، لم تكن هناك مقاومة أو حتى مواجهة لأنه صاحب ريشة والريشة ليست أبداكالبندقية ، فجده الفنان التشكيلي والمؤرخ محمد صدقي الجباخنجي من أبرز أساتذة تاريخ الفن المعاصر في مصر الذي أثرى المكتبة المصرية بعشرات المؤلفات ، وأبيه عمر صدقي الجباخنجي الذي تقاعد مديرا عاما بجريدة الأخبار المصرية وعمه على محمد صدقي الجباخنجي الذي عمل طويلا بالمركز الإعلامي المصري التابع للهيئة العامة للاستعلامات بالجزائر ، والمسؤول الإعلامي رئيس المكتب الصحفي المتقاعد بعد 27 سنة عمل بسفارة دولة قطر في الجزائر ، إن أشرف فنان وصحفي وإعلامي بالوراثة وآخرون كثر استقى منهم أشرف الانتشاء بحب الوطن والتمتع بلحظات الدفاع عن مصالحه ، فهو من عائلة إعلامية عريقة وشريفة خدمت مصالح مصر لفترات طويلة، ولا يجوز أبدا معاملة أحد أبنائها بمثل هذه المعاملة المهينة ثم توجيه كيلا من الاتهامات الغريبة الباطلة حتى لا نقول المضحكة .
لقد عبرت بعض المواقع الصهيونية عن شماتتها في الشاب المصري المعتقل، وكأن لسان حالها يرى في اعتقاله المشين تأكيد لانتقادها وضع حقوق الإنسان السيئ وضيق هامش حرية التعبير في مصر، بل إن الأمر أكثر من ذلك لقد أتاح الاعتقال المشين الفرصة لردود فعل الكيان المحتل للمسارعة إلى انتقاد الديمقراطية والإساءة البليغة إلى مصر بصوت عال يكفي أن يسمعه بلينكين خلال زياراته المكوكية ، لقد خدمنا في غفلة عن الوعي والتبصر الكيان المحتل ليقزّم حالنا ويجعلنا أضحوكة وأقل شأنا من أن نتضامن مع الفلسطينيين والشعوب المغلوبة على أمرها .
لقد تضامن الرأي العام الداخلي والخارجي في المطالبة بإلحاح إطلاق سراح أشرف عمر فورا وإعادة الاعتبار له وسوف يكون هذا محل تقدير عموم الشعب. لابد من إعادة مصر واحة للديمقراطية ليطمئن شعبها ويرتاح الجميع. لابد من ترسيخ دولة الحق والقانون فبدنوهما لا حديث يليق عن وجود تنمية في غياب الكرامة والشعور بعزة الأوطان، فقهر الرجال وإذلال الشباب ظلما وطغيانا مصيبة على الأوطان، فلا شيء يضمن لنا أن يكون لدينا يوما من يدافع عنا.. أو نجد من يقبل عن رضا أن يضحي بروحه.
اقرأ ايضاً