زياد ابو منديل يكتب : ما السر وراء انخفاض أسعار النفط وارتفاع سعر الدولار الأمريكي ؟

تشهد أسعار النفط أسوأ انهيار لها منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، حيث تراجعت أسعار النفط الخام أمام عملة الدولار الأمريكي إلي مستويات قياسية في شهر يونيو عام 2014 من 115 دولار للبرميل إلي أن وصلت في أول يوم من شهر فبراير/2016 الحالي إلي 32 دولار للبرميل.

ما تفسير الذي حدث في هذه الأيام؟ فأسعار النفط في انحدار مستمر، بينما يستمر سعر الدولار الأمريكي بالارتفاع مقابل العملات الأخرى، وما العلاقة بين سعر النفط والدولار؟ ولماذا انخفضت أسعار النفط بهذا الشكل المفاجئ؟ ولماذا ارتفع الدولار؟ ومن المستفيد من انخفاض أسعار النفط؟ ولماذا رفضت دول الأوبك بقيادة السعودية خفض إنتاجها من النفط في معظم اجتماعاتها والبقاء على سقف إنتاجها الحالي؟ وما مدى تأثير الظروف الحالية على الاقتصاد العالمي؟ أليس انخفاض سعر النفط يعني انخفاضاً في عوائد الدول المصدرة له مقابل ارتفاع تكاليف استخراجه؟  الكثير من الغموض والتساؤلات الأخرى تحيط بالموضوع وهذه المقالة هي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.

العلاقة بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار:

يتساءل الكثير من الناس حول العلاقة بين أسعار النفط والدولار، وهل هي علاقة طردية أم عكسية، وما هو الرابط بين سعر النفط وسعر الدولار؟

خضعت العلاقة السببية بين سعر صرف الدولار وأسعار النفط الخام للعديد من الدراسات الاقتصادية التي توصلت إلي نتائج غير حاسمة. وقد قاد الجدل الواسع في تحديد طبيعة العلاقة بين الدولار وأسعار النفط واتجاهها إلي أربعة وجهات نظر:

وجهة النظر الأولى: علاقة سببية أحادية الاتجاه من سعر صرف الدولار إلي أسعار النفط الخام من خلال الآثار المباشرة وغير المباشرة لانخفاض الدولار التي تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط الخام.

وجهة النظر الثانية: ترى ارتفاع أسعار النفط الخام تسبب خفض الدولار بسبب زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي والعكس صحيح. اى سببية معكوسة.

وجهة النظر الثالثة: فقد توصلت إلي وجود علاقة سببية متبادلة بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار. إذ يجمع الرأي وجهتي النظر السابقتين.

وجهة النظر الرابعة: وتشير إلي كلاً من سعر صرف الدولار وأسعار النفط تتحكم بها عوامل متباينة، فالأول يتحدد بما تطرحه نظريات سعر الصرف، والثاني تتحكم به الطبيعة الخاصة للسوق النفطية وهما نتاج لهيمنة الاقتصاد الأمريكي بحيث لا توجد علاقة بينهما.

إن العلاقة بين أسعار النفط والدولار شائكة للغاية، ففي الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلي رفع أسعار النفط، يسهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدولار بسبب فاتورة واردات النفط الأمريكية وزيادة العجز في ميزان المدفوعات، والعكس صحيح .

ويعد الارتباط بين النفط والدولار من المسلمات في الاقتصاد العالمي، وقد ساعد ما يعرف (بالبترودولار) والعائدات المتحققة من أسعار النفط العالية على التعاطي مع حالات العجز التجارية الكبيرة التي أصابت اقتصادها وذلك عبر تدوير الرساميل المتحققة من الصادرات النفطية للدول النامية وتوظيفها في استثمارات جديدة. وحتى نفهم طبيعة العلاقة بين أسعار العملات وبالأخص أسعار الدولار وسعر النفط، قد يكون من المفيد تذكر حقيقة وهي أن النفط يتم تسعيره وبيعه وشراؤه بالدولار الأمريكي، كل النفط في العالم الآن يتم تسعيره بالدولار رغم أن بعض الدول تشترط أن تسلم العائدات باليورو، وتسلم العائدات باليورو ليس معناه أبداً تسعير النفط باليورو، ولا يوجد نفط في العالم الآن يسعر باليورو، اغلب البلدان تسلم عائدات النفط بالدولار الأمريكي. وفي السياق نفسه فان العلاقة بين أسعار النفط الخام وسعر صرف الدولار هي علاقة عكسية بالدرجة الأولى، وعلاقة طردية في بعض الاستثناءات وهي كالتالي:

*العلاقة العكسية بين النفط والدولار:

تعد صفقات بيع وشراء النفط بالدولار، وتستلم أغلب الدول النفطية عائداتها به، كما أن شركات النفط العالمية تستثمر في هذا المجال بالدولار، وتراكم الدول النفطية فوائضها المالية بعملات يحتل الدولار فيها نصيب الأسد.

ففي هذا الإطار، وعندما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالتأثير في قيمة عملتها بالانخفاض أو الارتفاع، باعتماد مجموعة من الوسائل، من أهمها: أسعار الفائدة، أو من خلال تصريحات مسئولي السياسة النقدية الأمريكية، فان ذلك سينعكس على أسعار السلع والخدمات العالمية المقيمة بالدولار، وأولها النفط. وهو ما يفسر طبيعة العلاقة بين التغير في سعر صرف الدولار والتغير في أسعار النفط، نظراً إلي كون الدولار هو العملة الأولى في العالم من حيث القوة الاقتصادية، كما أن لا خلاف على أن النفط هو السلعة الأهم والأكثر تداولاً على المستوى العالمي. وتتصف طبيعة العلاقة بين هذين المتغيرين بالعكسية، إذ أن انخفاض أسعار النفط  يؤدي إلي ارتفاع سعر الدولار والعكس صحيح.  ويستفيد الاقتصاد الأمريكي من انخفاض أو ارتفاع أسعار النفط في الحالتين، فإذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن ارتفاع أسعار النفط، فترفع من قيمة سعر صرف الدولار، لتتمكن من الحصول على نفط رخيص، أما إذا كانت قلقة بشأن أمن الطاقة، فانه عليها تبني سياسة دولار قوي، لأن ذلك يحد من نمو الطلب العالمي على النفط.

*العلاقة الطردية بين النفط والدولار:

يمكننا التسليم مطلقاً بالعلاقة العكسية بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار، فقد تحدث استثناءات يتوافق فيها انخفاض الدولار مع انخفاض أسعار النفط، كما أن ارتفاع الدولار قد يساهم في رفع أسعار النفط، ويحدث هذا عادة عند تضافر مجموعة من العوامل تؤثر في آلية العلاقة العكسية بين سعر صرف الدولار وأسعار النفط.

* العامل الأول:  بعد ارتفاع أسعار النفط عام 1979 إلي 29 دولار للبرميل بسبب قيام الثورة الإيرانية لتتعدى سقف 36 دولاراً للبرميل عام 1980 نتيجة الحرب العراقية الإيرانية، تراجعت الأسعار بداية من عام1981 نتيجة مجموعة من العوامل منها: زيادة إنتاج النفط في دول أخرى خارج أوبك خاصة في دول بحر الشمال، وتراجع دور منظمة أوبك كمسيطر في السوق النفطية، وأيضاً تراجع الطلب العالمي على النفط بسبب الركود الاقتصادي، نتيجة تبني الولايات المتحدة سياسة نقدية انكماشية لمواجهة التضخم، وكذلك قيام وكالة الطاقة الدولية بالتعاون مع شركات النفط الكبرى بخلق حالة من الارتباك والفوضى في أسواق النفط.

بناء على ذلك سارعت أوبك إلي خفض الإنتاج لدعم الأسعار، فاضطرت المنظمة إلي تخفيض سعر النفط ليصبح27.5  دولارا للبرميل عام 1985، ففي هذا الوقت اجتمعت الدول الصناعية الخمس في بلازا وقررت تخفيض قيمة الدولار للخروج من حالة الركود.

* العامل الثاني: كما انه يتوافق ارتفاع سعر صرف الدولار مع ارتفاع أسعار النفط، وقد حدث ذلك عام 2001عندما سجل الدولار أعلى ارتفاع له مقابل عملات الدول الصناعية الكبرى، خاصة أمام اليورو، حيث لم يمنع ذلك من ارتفاع أسعار النفط بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ، نتيجة المضاربة والخوف من انقطاع الإمدادات النفطية رغم أن هذا التوافق كان لفترة قصيرة، إلا أن أسعار النفط والدولار سجلت ارتفاعاً مشتركاً.

اعتقد أن مجرد ذكر النفط اليوم، يترافق مع ثلاث كلمات رئيسية تتبادر إلي الأذهان وهي :(الخليج، أمريكا، والحرب)، هذه الكلمات الثلاث تعبر عن معادلة متكاملة، فدول الخليج العربية هي الدول ذات الحصة الأكبر من إنتاج النفط العالمي وتقدر بحوالي 62%، بينما أمريكا لها سياستها الخاصة التي تتبعها للحصول على ما تحتاجه من النفط.

قد يتساءل البعض، أمريكا كغيرها من الدول المتقدمة التي تريد الحصول على مصادر الطاقة، إن السبب الذي يدفعني لتخصيصها بالذكر هو كونها الدولة صاحبة العملة (الدولار) التي تقيم بها سعر برميل النفط، مما دفع البعض إلي إطلاق مصطلحات ك (البترودولار) والذي يطلق على الدولارات المستخدمة لإتمام صفقات شراء النفط ، ومصطلح (دولرة أسواق النفط) والذي يطلق على الاتفاقات والمعاهدات التي تمت بين الدول المنتجة وأمريكا لتسعير النفط بالدولار، لكن ماذا يعني أن يرتبط سعر النفط بالدولار؟ إن هذا يعني أن على الدولة الراغبة بالحصول على النفط أن تحصل أولاً على الدولارات اللازمة لتسديد ثمن النفط، طبعاً تحصل عليها من خلال الاقتراض، أو مبادلة سلع وخدمات مقابل حفنة من الورق الأخضر.

 إن المتتبع لأسعار النفط يجدها متقلبة ومتفاوتة ارتفاعاً وانخفاضاً من فترة إلي أخرى، وذلك بناء على عوامل كثيرة تحكم هذا التغير، كالحروب والتحالفات الدولية، وحالة السوق وغيرها من العوامل الأخرى، لكن التقلب المفاجئ في الأسعار في هذه الأيام أثار الذعر في كثير من الدول، خصوصاً تلك المنتجة للنفط، حيث أن أسعار النفط انخفضت بشكل مفاجئ حتى وصل سعر البرميل الواحد إلي 32 دولار في أول يوم من شهر فبراير من هذا العام 2016 بعد أن كان سعره 115 دولار في يونيو من عام 2014.

وتأثرت أسعار النفط سلباً بالمخاوف من وفرة المعروض مع تعميم دول أوبك وعلى رأسها السعودية على مواصلة ضخ النفط بقوة للدفاع عن حصتها السوقية، الأمر الذي يثير قلق بعض الأعضاء الأقل نفوذاً في المنظمة والذين يخشون من أن يهبط سعر برميل النفط إلي 20 دولار مما يعني انخفاضاَ حاداً في عوائد البلدان المنتجة.

يا ترى ما الذي يحدث؟ لماذا انخفضت أسعار النفط بهذا الشكل المفاجئ؟

هناك الكثير من النظريات الذي قد تخطر على أذهاننا وعلى أذهان المحللين الاقتصاديين أكثرها انتشاراً وهي تأثير الطلب والعرض على مستوى الأسعار، فما حدث في اجتماعات منظمة أوبك في فينا من فشل أعضاء دول الأوبك على الاتفاق على خفض إنتاجهم من النفط أدي لانخفاض كبير في سعر البرميل الواحد، وذلك نظراً لزيادة العرض مقابل الطلب، والركود الاقتصادي وخاصة في الصين وتراجع الطلب، وكذلك رفع الحظر الأمريكي عن تصدير النفط منذ 40 عاماً على صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام ، ومن الأسباب أيضا الظروف الأمنية المحيطة والعوامل الجيوسياسية، وكذلك زيادة إيران لإنتاجها النفطي أدى إلي زيادة في الإنتاج العالمي بعد رفع العقوبات الدولية عنها بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في 14 يوليو عام 2015، لكن العوامل السابقة ليست السبب الوحيد لانخفاض سعر النفط، إذ قد يكون ارتفاع سعر الدولار أحد أسباب انخفاض سعر النفط ولكن كيف يكون ارتفاع الدولار سبباً في انخفاض سعر النفط؟ إن هناك سلعاً دولية مسعرة بالدولار حصراً، أي أنها تباع وتشترى بالدولار فقط كالنفط مثلاً. مما يعني انه في حالة ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى فان أمريكا قادرة على استيراد النفط بسعر بخس جداً، بينما تعاني الدول الأخرى من ارتفاع سعر النفط بالنسبة لها وذلك بسبب انخفاض قيمة عملتها مقابل الدولار.

لماذا ارتفع الدولار؟

ارتفع الدولار الأمريكي بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي(البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة 0.25 نقطة مئوية في نهاية ديسمبر 2015 وذلك في أول زيادة من نوعها منذ عام 2006، مما زاد الطلب على الدولار، فأدي لارتفاع قيمته أمام العملات الأخرى.

أن رفع سعر الدولار وانخفاض قيمة النفط يفيد إلي حد كبير الولايات المتحدة الأمريكية ، التي ستحصل على النفط وغيره من السلع الأخرى مقابل دولارات أقل (لكن ليس على المدى البعيد، إذ أن ارتفاع الدولار يعني انخفاض صادرات الولايات المتحدة إلي الخارج) هذا أولاً، وثانياً : أن التقلبات السعرية السوقية تلعب دوراً هاماً فيما يتعلق بالأوضاع السياسية الحالية، فانخفاض سعر النفط وارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى، يؤثر سلباً على اقتصادات الدول الواقعة تحت العقوبات الأمريكية. لكن أليس انخفاض أسعار النفط مع بقاء تكاليف إخراجه ثابتة يعني انخفاض عوائد الدول المنتجة؟

إذاً لماذا رفضت دول أوبك خفض إنتاجها من النفط في اجتماعاتها الأخيرة؟

السبب الأول والرئيسي: هو أن النفط يشكل العائد الأساسي لهذه الدول ، فدول الخليج تعتمد اعتماداً أساسياً على ما تنتجه من النفط لتمويل نفقاتها، لذلك فان خفض الإنتاج يعني خفضاً في العوائد، مما يحتم على الدولة خفض نفقاتها ومصروفاتها العامة .

 والسبب الثاني: أن لكل دولة من هذه الدول سياستها وأهدافها الخاصة، حيث أنهم غالباً لا يتفقون على رأى واحد، فان كانت إحدى الدول تريد رفع أسعار النفط فان دولة أخرى قد ترفض ذلك وتزيد من إنتاجها حفاظاً على السعر المنخفض ارضاءً للدول المستهلكة، حتى انه بناءً على تقارير دولية فان بعض الدول المنتجة للنفط (كالسعودية والكويت والعراق) قامت بإعطاء خصومات على أسعار النفط ( رغم انخفاض أسعاره) للدول المستوردة (كدول آسيا وأمريكا) وذلك حفاظاً على حصتها من السوق العالمية.

خلاصة القول: بما أن النفط الخام مسعر بالدولار، بلا شك أن قوة الدولار الأمريكي تؤثر سلباً على أسعار النفط وذلك بحكم الارتباط العكسي الذي يربط الدولار بأسعار النفط ، حيث أن عامل الدولار ورفع أسعار الفائدة الأمريكية خلال ديسمبر من العام 2015، تواجه أسعار النفط رياحاً معاكسة من قوة الدولار الأمريكي بمجرد أن بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، والاتجاه نحو تشديد السياسة النقدية، متغير السياسة النقدية الأمريكية من المتوقع أن يعزز قوة الدولار، وان يجعل العقود المستقبلية للنفط المقومة بالدولار أكثر تكلفة بالنسبة للمشتريين الذي يستخدمون عملات أخرى.

بقلم : د. زياد ابو منديل

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *