محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث ( 6 )

 الرسالة السادسة (نظرية التطور في القرآن الكريم)

قبل ان ادخل في مرحلة تطور الكائنات الحية ، يجب اولا ان استعرض ملامح نظرية التطور وان استعرض الادلة والبراهين العلمية التي قامت عليها نظرية التطور، وان احاول صياغة القاعدة التي تربط بين حقائق التطور المثبتة علميا وبين آيات القرآن الكريم التي تحمل بين جنباتها معاني عديدة حول قضية التطور. وانا شخصيا كانسان مسلم مؤمن بوجود الله عز وجل ومؤمن برسله ” عليهم الصلاة والسلام ”  لم اكن اعتقد يوما ان اصدق بنظرية التطور لتشارلز داروين ولكن بعد البحث والدراسة حول نظرية التطور وجدت ان لهذه النظرية دلائل كثيرة لا يجب ان ننكرها نحن كمسلمين.

منذ ذلك الحين بدأت اعتقد بهذه النظرية لكونها القانون الذى وضعه الله عز وجل فى خلقه بحيث ان المخلوقات كافة قد تطورت من بعضها البعض، الا انى كنت استثنى بنو البشر من ذلك ظنا منى ان ذلك يتعارض مع كتاب الله عز وجل، ولكن بعد ذلك بمدة قصيرة وخلال قراءتي لسورة الانعام من القران الكريم استوقفتني آية في القرآن الكريم   تقول ” وربك الغنى ذو الرحمة ان يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما انشأكم من ذرية قوم اخرين” سورة الانعام الآية 133.

غدت بالقراءة لأري من المقصود بكلمة انشأكم فوجدت ان الخطاب فى هذه الآية الكريمة معنى به بنو البشر اذ تقول الآية ” يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) ” سورة الأنعام.

لذلك قررت البحث فى هذه المسألة لأجد ان هناك عدد كبير من الآيات والدلائل القرآنية التي تتوافق مع ما توصل اليه علم الاحياء فى مسألة التطور عامة.

ان البحث فى بدء الخليقة او كيفية الخلق هو مما حث عليه المولى عز وجل اذ يقول فى سورة العنكبوت الآية 20 ” قل سيروا فى الارض فأنظروا كيف بدأ الخلق”، وقد اشار الله عز وجل فى كثير من ايات القران الى حقيقة بدأ وتطور الكائنات، وسأستعين بتلك الآيات القرآنية الكريمة بتوضيح تلك الحقيقة، وقد استعين ببعض احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول قضية التطور الا فى بعض الحالات التوضيحية، على الرغم من وجود احاديث كثيرة تحتوى على ما يمكن اثارته حول هذا الموضوع، وسأستعين بالقليل منها لان البحث فى الاحاديث الشريفة يحتاج الى جهد كبير، فيجب ان اتمتع بمعرفة واسعة فى تصنيف الاحاديث الموثقة الصحيحة من الاحاديث الضعيفة والاحاديث الكاذبة، ولم يتطرق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الموضوع بصورة مباشرة ليس لجهله بها والعياذ بالله ولكن لجهل المجتمع حوله، فعلى سبيل المثال يقول احد الاخيار فى ذلك الوقت وهو الامام على ابن الحسين رضى الله عنه فى تسبيح الملائكة ” سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح، كم هى من مثقال ذرة “، علما بان الامام رضى الله عنه لم يتحدث عن ان للهواء والرياح اوزان كما اثبته العلم الحديث، فلو قال صراحة ان للهواء وزن وللظلمة والنور وزن لقالوا عليه مجنون والعياذ بالله، كان الامام على رضى الله عنه يقول للناس ” سلوني قبل ان تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فاني اعلم بها عن طرق الارض “، فقد تعلم الامام على رضى الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم وامن بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يخشى ان يقول هذه الحقائق للناس لأنها اكبر بكثير من عقولهم ومعرفتهم فى ذلك الوقت، ولو قالها لكان لها اثر سلبيا على اصحاب النفوس الضعيفة، وايضا لم يكن احد يعلم فى ذلك الوقت بان الارض كرويه وتدور حول الشمس وان القمر يدور حول الارض وان هناك فى الفضاء مجرات ومدارات وكواكب اخرى تدور حول الشمس، والجهل بهذه الحقائق ظهر واضحا فى تفسير علماء ذلك الوقت للآيات القرآنية التي تتطرق لتلك الحقائق، وبعد علمنا نحن بهذه الحقائق والايمان بها سنفسر الآيات القرآنية التي تشير الى هذا الموضوع تفسيرا لا يتعارض مع تفسيرات العلماء الكبار لهذا العصر.

  معظم الناس يؤمنون بان داروين هو الوحيد الذى توصل الى نظرية التطور، ولكن هذا غير صحيح، فقد كان هناك عدد من علماء المسلمين الذين خاض وفى نظرية الارتقاء والتطور، ومن هؤلاء مثلا اخوان الصفا فى القرن الرابع الهجري حيث يقسمون الكائنات فى رسائلهم الى اربعة اقسام، اذ يذكرون:

   ” ان الجواهر المعدنية هى فى ادنى المولدات من الكائنات، وهى جسم متكون منعقد من اجزاء الاركان الاربعة والتى هى النار والهواء والماء والارض، وان النبات يشارك الجواهر المعدنية فى كونها من الاركان ويزيد عليها وينفصل منها بان كل جسم يتغذى وينمو ويزيد فى اقطارها الثلاثة طولا وعرضا وعمقا، وان الحيوان ايضا يشاركه النبات فى الغذاء والنمو، ويزيد عليه وينفصل عنه بأنه جسم حساس متحرك، والانسان يشارك النبات والحيوان فى اوصافها ويزيد عليها وينفصل عنها بانه ناطق مميز وجامع لهذه الاوصاف كلها “، ثم يجمعون بين بين هذه الاقسام بقولهم ” ان اخر مرتبة الجواهر المعدنية متصلة بأول مرتبة من الجواهر النباتية وان اخر مرتبة نباتية متصلة بأول مرتبة حيوانية واخر مرتبة حيوانية متصلة بأول مرتبة الانسان “.

 كما تناول العديد من العلماء المسلمين قضية التطور، فمثلا ابن خلدون يقول فى كتابه ” العبر”:

 ” ثم انظر الى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدرج، اخر افق المعادن متصل بأول افق من النبات من الحشائش وما لا بذر له، واخل افق من النبات مثل النخل والكرم متصل بأول افق من الحيوان مثل الحلزون والصدف لو يوجد لهما الا قوة اللمس فقط، ومعنى الاتصال فى هذه المكونات ان اخر افق منها مستعد بالاستعداد الغريب لان يصير أول افق الذى بعده، واتسع عالم الحيوان وتعددت انواعه وانتهى فى تدريج التكوين الى الانسان صاحب الفكر والرؤية بالفعل، وكان ذلك اول افق من الانسان بعده وهذا غاية شهودنا “.

 وقد تحدّث عن نظرية التطور الكثير من علماء المسلمين امثال اين مكسويه فى ” تهذيب الاخلاق ” وزكريا ابن بن محمد القزويني فى كتابه ” عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات “، وابن الطفيل فى كتابه ” حيي ابن يقظان “، وغيرهم من العلماء المسلمين، ولكن لم تساعدهم الادوات والاليات فى عصرهم فى التوضيح اكثر من ذلك، لأنها لم تكن متطورة ومتقدمة كما فى عصر داروين.  

  وفى الاصول ان فكرة التطور ترجع فى بدايتها الى الفيلسوف اليوناني ” اناكسميندر” ولد نحو العام 610 قبل الميلاد، والذى لاحظ ان الانسان يحتاج فى صغره الى فترة طويله من الرعاية والحماية جعلته يستنتج انه لو كان الانسان دائما على ما هو عليه الان ما تمكن من البقاء وعليه فلابد انه كان فيما مضى مختلفا، بمعنى ان الانسان لابد انه تطور من حيوان يستطيع ان يرعى نفسه فى وقت اسرع.

وفى القرن التاسع عشر طرح العالم الإنجليزي ” داروين” نفس الفكرة لا انه زودها بكميه هائلة من التفصيلات الواقعية المستندة على ملاحظاته الدؤوبة للطبيعة، وهكذا كانت براهينه على التطور بلا شك وترتكز على اسس اقوى من تلك التي  ارتكز عليها الفيلسوف اليوناني ” اناكسميندر”.

 من هنا نستطيع القول ان نظرية التطور فرضت لأول مرة على ساحة النقاش الشعبي الواسع على يد داروين، وقد كانت فى بدايتها نظرية صادمة ومزعجة، لأنه عارضت بشكل مباشر الرأي السائد والقصة التي تضمنتها الكتب المقدسة وخصوصا ما ورد فى سفر التكوين من نزول ادم من الجنة بعد ان اكل من الشجرة المقدسة.

ولقد قوبل اعلان نظرية التطور فى الغرب بثورة كبيرة من حملات الاستنكار فى البيئة الدينية، وهذا ما ادى الى صراع كبير بين الداروينية والمسيحين، وعليه حرمت بعض الجامعات والمدارس تدريس نظرية التطور، وقد ظل هذا التحريم الى ما بعد الحرب العالمية الاولى بسنوات، والان اعترفت الكنيسة بصحة نظرية التطور واعتبرتها من النظريات الغير متضاربة مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية والانجيل.

 وقد عرف داروين التطور على انه عملية تغير فى ” السمات الوراثية” أي الصفات الجسمية المتوارثة ، او هى عملية تغير فى الشيفرة الوراثية والتى تحدث بواسطة ” الاصطفاء الطبيعي” وتستند تلك العملية على حقائق ثلاثة :

اولا: النسل المنجب يأتي بأعداد كبيرة، واعداد قليلة منه هى التي تنجو.

ثانيا:  تتباين السمات بين الافراد وهذا يؤدى الى تباين معدلات النجاة والقدرة على التكاثر.

ثالثا : التشابه والاختلاف فى الصفات والسمات هى بفعل متوارث.

فقدرة الوالدين فى النجاة والتكيف مع الحياة والتكاثر اكثر من قدرة الابناء، حيث يموت بعضهم، ويرث الناجين قدرة الوالدين على التكيف، والاصطفاء الطبيعي هو السبب الوحيد لهذه العملية، وعرف بالتكيف لكنه ليس مسببا للتطور الذى تسببه الطفرات والانحراف الجيني،

الفكرة التي على اساسها نشأت نظرية التطور الحديثة هى ان جميع الكائنات الحية نشأت تدريجيا من خلية واحدة، وكان للمصادفة وتوافر بعض الشروط الفيزيائية من هواء وحرارة ورطوبة ….الخ، ادت الى تكاثر تلك الخلية ليتولد عنها سلسلة من المخلوقات من نباتات وحيوانات وانسان، ومن هنا لاحظ داروين هذا التشابه العجيب بين الكائنات الحية.

اشار داروين بشكل غير مباشر الى ان اصل الانسان قرد، وعلل الامر بان جميع المخلوقات توالدت من بعضها البعض مع مرور السنين بفعل التطور الطبيعي، وقد رفضت تلك الفكرة من رجال الدين المسيحي واليهودي فى عصره، لأنها تأتى متناقضة مع تعاليم التوراة والانجيل.

بعض علماء الدين يقرون بنظرية التطور، فسلسلة الكائنات وتشابهها فى الخلايا وتسلسلها وتدرجها، تتفق الاديان على هذا الامر شرط ان تبقى بمعزل عن خلق الانسان وتطوره.

تابعونا : الرسالة السابعة

 

شكرا للتعليق على الموضوع