ليلى مراد.. الوثائق الخاصة تخلص سيرتها من آفات التأريخ للمشاهير

قضى الناقد السينمائي المصري أشرف غريب 20 عامًا في قراءة الوثائق الخاصة بالفنانة المصرية ليلى مراد -التي ولدت في مثل هذا اليوم قبل 98 عامًا- ليخرج بكتاب يوثق مسيرتها الفنية وحياتها الشخصية.

ولم تحظ فنانة مصرية بما أحاط بليلى مراد من ألغاز والتباسات اختلطت فيها الشائعات بالحقائق.. فهي يهودية صارت نجمة ذات شعبية طاغية في مجتمع مسلم كان يتسم بالليبرالية والتسامح.

وأسلمت ولكنها تعرضت بعد ثورة 1952 لاتهام بزيارة إسرائيل والتبرع لجيشها. وفي قمة مجدها اعتزلت ليلى وابتعدت عن الأضواء 40 عاما وبعد وفاتها يوم 21 نوفمبر تشرين الثاني 1995 أطلت الشائعات مرة أخرى لتطارد سيرتها.

ولدت ليلى في 17 فبراير 1918 لأب ملحن ومطرب هو زكي مراد ورثت عنه جمال الصوت. وكان شقيقها منير موسيقيا وممثلا خفيف الظل أما شقيقتها سميحة فكان عمرها الفني قصيرا إذ قامت ببطولة فيلم وحيد هو (طيش الشباب) الذي أخرجه أحمد كامل مرسي عام 1951 وشاركها البطولة كل من حسين رياض ومحمود المليجي.

أما ليلى فرصيدها 238 أغنية و27 فيلما آخرها (الحبيب المجهول) الذي أخرجه حسن الصيفي عام 1955 وكان عمرها 37 عاما.

ويقول غريب في كتابه (الوثائق الخاصة لـ ليلى مراد) إن اطلاعه على الوثائق الخاصة بالفنانة الراحلة “خلص سيرتها.. من كل الآفات والنواقص التي شابت السير الذاتية المماثلة” راجيا أن تتاح الوثائق والمستندات الشخصية والرسمية قبل التصدي للتأريخ لحياة المشاهير من أهل الفن.

في مقدمة الكتاب يسجل أن ليلى كان لها “حضور استثنائي” رغم اعتزالها التمثيل والغناء في وقت مبكر ويفسر ذلك بأنها “الوحيدة” في تاريخ السينما المصرية التي حملت عناوين الأفلام اسمها (ليلى) أو (ليلى بنت.. الفقراء.. الأغنياء.. وهكذا) كما كانت “أول نجم شباك في مسيرة السينما المصرية”. إذا كان الجمهور يقبل على مشاهدة أفلامها دون الاهتمام بعناصر الفيلم الأخرى كما كانت “أولى اثنتين” حملتا لقب “سندريلا”. أما الثانية “والأخيرة” فهي الفنانة الراحلة سعاد حسني التي تزوجت زكي فطين عبد الوهاب ابن ليلى مراد.

والكتاب الذي يقع في 223 صفحة كبيرة القطع أصدرته (دار الشروق) في القاهرة يتميز بما يشمله من وثائق وعشرات الصور الفوتوغرافية التي سجلت جوانب من حياة ليلى مراد الفنية والعائلية منذ كانت تلميذة وسط زميلات المدرسة وكتيبات دعائية لبعض أفلامها إضافة إلى صور مع أزواجها الثلاثة ومنها “الصورة الوحيدة التي تجمع ليلى بزوجها وجيه أباظة” -مدير الشؤون العامة بالقوات المسلحة آنذاك- بحضور محمد عبد الوهاب والممثلة المصرية زينب صدقي.

وأنجبت ليلى من أباظة ابنهما أشرف.

ويضم الكتاب صورتين لليلى مع زوجها الأول أنور وجدي كنجمي إعلانات عن نوعين من السجائر. كما يشمل صورة لها مع وزير الثقافة الأسبق يوسف السباعي وكمال الملاخ مؤسس مهرجان القاهرة السينمائي “في آخر ظهور عام لها بحفل تكريمها سنة 1977” وصورة لها مع عبد الحليم حافظ عام 1957 “بعد أن تنازلت” له عن أغنية (تخونوه) للملحن المصري بليغ حمدي.

وفي الكتاب أيضا صورة لجواز سفرها الأخير الذي استخرجته في نهاية عام 1978 لكي تسافر في “رحلتها الأخيرة إلى أبو ظبي من أجل تصوير أحد البرامج التليفزيونية” بصحبة بليغ حمدي.

وتكشف بعض الصور جوانب مجهولة في مسيرتها الفنية ومنها إعلان عن “حفلة غنائية كبرى بسينما أسيوط الصيفي” مساء السبت 9 يوليو تموز 1938 وقيمة تذكرة الدخول 100 قرش (جنيه) ويحمل الإعلان صورة ليلى “بطلة فيلم يحيا الحب” الذي أخرجه محمد كريم في العام نفسه وقام ببطولته محمد عبد الوهاب. كما يضم الكتاب صورا لبعض مقالات كتبتها ليلى وإحداها بعنوان (أنا) نشرت بمجلة (الكواكب) الأسبوعية المصرية عام 1954.

وغريب مؤلف الكتاب له نحو 15 كتابا في النقد السينمائي وسير نجوم الفن وتولى رئاسة تحرير مجلة (الكواكب) عام 2012.

ويقول المؤلف إن رحلته مع الوثائق الخاصة بليلى مراد بدأت حين دخل منزلها عقب وفاتها عام 1995 واطلع على “أصول مجموعة الوثائق الرسمية والخاصة… (التي) تؤرخ لحياتها بشكل منضبط.. تعطي صورة حقيقية ودقيقة” عن حياة فنانة برزت في الغناء والتمثيل ثم وجدت نفسها “طرفا في معادلات سياسية في زمن اتسم بالضبابية وعدم وضوح الرؤية” عقب ثورة 1952.

ويضم الكتاب وثيقة زواج ليلى من أنور وجدي في 15 يوليو تموز 1945 “ووثيقة إسلامها رسميا” يوم 27 ديسمبر كانون الأول 1947 أمام قاضي المحكمة الشرعية آنذاك الشيخ حسن مأمون الذي تولى عام 1955 منصب مفتي الديار المصرية ثم أصبح عام 1964 شيخا للأزهر حتى وفاته عام 1973.

ويقول المؤلف إن الملايين التي أحبت “النجمة الاستثنائية” منذ فيلمها الأول (يحيا الحب) حتى فيلمها (قلبي دليلي) عام 1947 لم يشغلها كونها “يهودية الديانة تماما مثلما لم يكن يستوقفهم أن نجيب الريحاني مسيحي وأن يوسف وهبي مسلم.. من هنا كان استقبال نبأ تحول ليلى مراد من اليهودية إلى الإسلام هادئا عند الإعلان عنه رسميا” عام1947.

ويسجل أيضًا “محاولات إسرائيل الدءوبة التمسح فيها والنيل من إسلامها ومصريتها” وأن فرعا من عائلتها هاجر إلى إسرائيل في أكتوبر تشرين الأول 1949 “ظل حتى مماتها لا يعترف بإسلامها وبذل محاولات مضنية للتواصل معها ودعوتها للهجرة إلى هناك.. لكنهم وباعترافهم لم يجدوا إلا الصد”.

ويقول إن فيلم (شادية الوادي) الذي أخرجه عام 1947 يوسف وهبي وقام بطولته أمام ليلى تضمن استعراضا “لا علاقة له” بقصة الفيلم وعنوان الاستعراض هو “أوبرا الأسيرة.. أو مأساة فلسطين” من تأليف أحمد رامي وتلحين رياض السنباطي وغناء ليلى وكارم محمود وآخرين.

وتضمن الكتاب صورة لبيانات “أوبرا الأسيرة” تشمل اسمي المؤلف والملحن وكلمات الأغاني التي تقول بعض سطورها..

“يا رجال ابن سعود أدركونا بالجنود… يا صناديد الفرات ساعدوا في النائبات… يا جنود الأرز هيا شعب لبنان وسوريا… من ضفاف النيل جئنا في عداد الأوفياء… اليوم صرنا وحدة عربية قامت على عزم الرجال المخلصين”.

ويعلق غريب قائلا إن استعراض “مأساة فلسطين” في هذا الفيلم سبق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1947 والذي يحمل رقم 181 والخاص بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود كما سبق “نكبة 1948” وإنه كان “أول عمل فني يضع يده على الجرح الفلسطيني بل ويتنبأ بما سوف يحدث من دخول القوات العربية متطوعين ونظاميين إلى فلسطين” وإن الأوبريت كان سابقا على “الإشهار الرسمي لإسلام ليلى مراد”.

رويترز

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *