محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث (1)

“قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث”…. الرسالة الاولي من 70 رسالة ( مقال ) .

تحير كثيرا الإنسان في نشأته وأصله ، وفي هذا طاف العالم يبحث عن إجابات لأسئلته تارة من الكتب المقدسة وتارة من الأبحاث العلمية وتارة ثالثة من مصادر أخرى، وفي هذه النشأة خرت الكثير من القصص التي بمرور الوقت تطورت إلى نظريات علمية وإنما ظل الحال في هذه النظريات قطيعة تامة بين رجال الدين ورجال العلم ولكن هذا ما لا يحدث في هذا البحث حيث اقوم بالاستعانة بالعلم والدين معا للوصول إلى الحقيقة أو ما يقرب منها في قضية الخلق حيث لا تعارض بينهما أبدا وخاصة بين الدين الإسلامي ومنهجه الأساسي في القرآن الكريم وبين ما توصل إليه العلم الحديث، وهذا البحث سيقدم الى القارئ على شكل سلسلة من المقالات، وهذا المقال هو الاول من اصل 70 مقال اكثر او اقل.

 ينادي كثير من علماء التفسير أن نبتعد بالقرآن الكريم عن مجال العلوم مؤكدين أنه ليس كتاب علم وينادي آخرون بألا نلجأ إلي القرآن الكريم في بحث أي موضوع علمي إلا بعد أن يؤكد رجال العلم صحته، وكلا الفريقين يٌغمط القرآن الكريم حقه ويتجاهل ما به من كنوز علمية تثير الدهشة، كما يجعله الفريق الثاني علي الدوام مسبوقا لا سابقا تابعا لا متبوعا .
لقد آن لنا أن نهدم هذا السد العالي الذي بين العلم والدين ذلك السد الذي أقامه المحدثون من علماء المسلمين، إن معطيات العلم الحديث مهما بلغت من دقة لا يمكن أن تتعارض مع ما تفسر به تلك الآيات خاصة إذا لم يستند ذلك التفسير إلي أساس علمي .
إن هذا البحث ينادي بأن يكون القرآن الكريم – كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – المرجع الأول لكل من يبحث في مشكلات تتعلق بالإنسان ذاته أو بما يحيط به في هذا الكون السرمدي الواسع، وهذا البحث ايضا لا يرتاب قارئه في صدق إيماني كباحث، فأنا كباحث ومن خلال هذا البحث لا أكف عن تمجيد الهنا سبحانه وتعالي، وأنسب الأمر كله لله والخلق كله إليه ، ولا اتوانى لحظة واحدة عن إثبات سعة علم الله عز وجل وإحاطته بكل شيء، والاشادة بقدرته سبحانه وباجتماع العلم والقدرة في الخلق، والاستدلال بقوله تعالي “إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” (القمر:49)، ومع ذلك فهذا البحث يفسر بعض آيات القرآن الكريم في ضوء بعض النظريات العلمية في خلق الكون وخلق الإنسان والحيوان والعلاقة بينهما في المراحل الأولي للخلق .
وفي ذلك سوف يختلف احدهم معي أحياناً ويتفق معي أحياناً، وذلك شيء طبيعي ما دمنا بصدد تفسيرات بشرية للقرآن الكريم مع التسليم المطلق مني ومن القارئ علي السواء بالنص القرآني المعصوم من الخطأ وبالعقائد الإسلامية الثابتة بنصوص القرآن الكريم ، والتي لا ينال من صحتها وثبوتها علي وجه الزمن ، خطأ الأفهام أو غلط التفسيرات ، فهي حق في طريق ثبوتها ، وفيما يخص نظرية التطور اذهب إلي أنه ليس معني ذلك أن الإنسان تطور من الحيوانات أو القردة علي وجه الخصوص، بل معناه أن الإنسان والقردة وغيرهم من الكائنات الحية تنوعت أنواعاً مستقلة ونشأت من أصل بعيد فالقرد لم يتحول إنساناً والإنسان لم يكن قرداً، وأصل الإنسان إنسان، لكن التطور في سلسلة الإنسان بدأ بإنسان هو آدم، فآدم أبو البشر سبقته أوادم كثيرة، كما قال بعض المفسرين، ولكن آدم أو النوع الإنساني كان بشراً سوياً بدأ الله خلقه عبر سلسلة آبائه السابقين من طين، فالنص القرآني: “وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ” (السجدة: من الآية7)، وقال تعالي :”وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ” (المؤمنون:12) يشير إلي البداية البعيدة كما نقول اليوم فلاناً من الناس زيداً أو عمراً مخلوق من طين وهو حق، وإن كان زيد هذا بالذات أو عمرو لم يخلق أحدهم من طين مباشرة بل خلق من ماء مهين.

ومن رأيي كباحث ان الفكرة المحورية في هذا البحث مع أفكار أخري مساندة لها هي فكرة يجب أن تناقش لا أن تصادر، وانها ما دامت تعتمد علي الإيمان بالخالق وعلي عموم النص القرآني والاعتراف بقداسة هذا النص فلا حرج بعد ذلك أن يخطئ العلم البشري أو يصيب .
ولئن كنا ندرك أن ربط التفسير القرآني بالنظريات العلمية تحوطه المخاوف عند الكثيرين، مخافة أن تبطل النظرية فيهتز الإيمان بحقيقة النص، فإننا نري أن الاجتهاد – أيا كان – في فهم النص هو غير النص، فلئن تبين خطأ الاجتهاد فلا ضرر ولا ضرار، لان النص باق علي اعتباره والإيمان به، لا يختلف التفسير العلمي في ذلك عن سواه من التفسيرات ولطالما تعددت أقوال المفسرين بغير العلم عبر العصور، ثبت منها ما ثبت وبطل منها ما بطل، وبقي القرآن ثابتاً، رغم تغير الآراء فليكن التفسير العلمي إذن واحداً من هذه التفاسير، يجري عليه ما جري علي غيره من الخطأ والصواب، ويبقي القرآن بمنجاة من الخطأ والصواب في كل حال .
علي أن هناك علماء أفذاذاً فتحوا مجالاً لهذه التفسيرات العلمية في تراثنا، من أقدم هؤلاء إمام المفسرين بالرأي الإمام الفخر الرازي حيث امتلأ تفسيره الكبير (مفاتيح الغيب) بالتفسير الكوني حيث كان العلم بالكون في زمنه مجال بحث وجدال، وكذلك الشيخ طنطاوي جوهري عمدة المفسرين العلميين في عصرنا، ثم يأتي الشيخ محمد فريد وجدي علي رأس الذين فتحو المجال لنظرية التطور، خاصة أن مؤكداتها لا تمس قاعدة من قواعد الدين ولا تهز نصاً من نصوص القرآن أو الحديث، يذكرنا برأي ابن مسكويه والفارابي وابن خلدون في ترتيب الأنواع، وعلي هذا الدرب سار الأستاذ عباس العقاد متعجباً من فزع البعض من نظرية التطور وقلقهم علي الدين بينما الدين في مأمن من هذه النظرية وغيرها من النظريات .
وفي هذا الإطار ينبغي أن يكون موقفنا من نظرية التطور وغيرها من الاجتهادات، لا تشنجاً ولا فزعاً أو مصادرة ، بل فحصاً بالموضوعية ، مقارعة بالحجة وجدالاً بالتي هي أحسن، ولا ضرر ولا ضرار علي الدين لأنه بمثل هذا الجدال يقوي في القلوب وتشتد به العقول ولا ينال منه رأي أخطأ صاحبه أو أصاب.
وقد يقول قائل : ألا تري فيما تقول جرأة علي الدين واعتداء علي العقيدة ” عقيدة خلق آدم ” ؟!
والإجابة : أعترف بأن فيما أقول جرأة في الدين وليس جرأة علي الدين.
إن الخالق سبحانه وتعالي يطلب منا تلك الجرأة حين يقول في آيات متعددة : قال تعالي “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” (العنكبوت: من الآية20 ) وقوله تعالي  “فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ” (الطارق:5)، “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”، (آل عمران:190)، “أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ” (الغاشية:17).
هذا هو تشجيع رب العزة لنا، انظروا كيف بدأت الخلق، انظروا كيف خلقت الإنسان، انظروا كيف خلقت الإبل، انظروا كيف خلقت السماوات الأرض، انظروا كيف خلقت الليل والنهار وغير ذلك كثير ويشجعنا الخالق تبارك وتعالي علي ذلك حين يقول “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ” (الزمر: من الآية9) “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ” (فاطر: من الآية28) “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً” (طـه: من الآية114).

تابعونا … الرسالة الثانية

شكرا للتعليق على الموضوع