رحمة الطاعون “قصة قصيرة”

كانت نشرة أخبار عادية، وأنا مسترخ فوق الكنبة أسترجع الحديث المتوتِّر الذي دار بيني وبين زميلتي الجديدة.

استفزَّني موقفها من قصة مروعة كانت تُروى في المكتب حول جثث الأطفال الممزَّقة في الحرب الوحشية المستشرية في سوريا.

ابتسمت بسخرية، وقالت :” صلُّوا! وواظبوا على الصلاة لإله لم يعد موجوداً”.

” ما دخل الله بما يحصل؟”، سألتها بنبرة هادئة نسبياً.

” يا جماعة، الله غير موجود، بكل بساطة.

لو كان موجوداً، هل كان ليحصل ما يحصل في العالم؟”.

ثم فجأة اندلع النقاش وامتدَّ لأكثر من ساعة، أقوى من أصوات الحرب وأزيز قنابلها.

ولو كانت المشاعر تقتل، لاستشهدت زميلتي بطلقات الغضب والحقد المصبوبة عليها.

حاولت تشتيت مشهد النقاش الذي عاد ليستفزَّني من جديد بعد يوم متعب، فوجَّهت اهتمامي إلى الشاشة.

كان المذيع يعلن عن حدوث زلزال بقوة 8,8 درجات على مقياس ريختر في منطقة لم أسمع بها قبلاً عند أطراف باكستان.

 الحصيلة الأوليّة فاقت عشرين ألف قتيل.

بدت ابتسامة المذيع عادية وهو يقرأ الخبر، تشبه ابتسامته المرحة وهو يروي قبل ليلة تفاصيل زواج ولي عهد هولندا من عروسته الجميلة، فيما الكاميرا تمسح بهدوء ساحة منكوبة جُمِّعت فيها جثث مئات الأطفال الذين قضوا فوق مقاعد مدرستهم التي دمَّرها الزلزال.

” ما بال المآسي تلاحق الأطفال في هذا النهار الثقيل؟”، قلت في نفسي متأثراً بهذا المشهد المأساوي.

ثم ظهر رجل ملتحٍ للإدلاء برأيه حول أسباب زلازل مدمِّرة من هذا النوع.

 ظننته للوهلة الأولى عالماً في الجيولوجيا، وكنت مهتماً بالفعل بالاستماع إلى بعض الشروحات العلميّة، لكن اختصاصه المطبوع على الشاشة، أظهر أنه رجل دين.

قال حرفياً:” إن الفيضانات والزلازل والبراكين والأعاصير والمجاعات، هي تخويف من الله سبحانه وتعالى وتحذير لعباده من التمادي في الطغيان.

وقد تكون رحمة وبركة منه تعالى.

ومرض الطاعون الذي يُبتلى به البشر هو رحمة لأمَّته، إذا أصيب الناس به فيصبرون.

فالله تعالى رحيم يَبتلي عباده بالخير تارةً وبالشرِّ أخرى، فرحمته…”

غام نظري ووعيي، ولم أعد قادراً على فهم ما يقول.

إذاً هو رحمة من الله هذا المشهد الفظيع لأطفال مدرسة باكستانية نائية، توجَّهوا صباحاً إليها علَّهم يفهمون شيئاً عن الحياة.

حقدت أكثر على زميلتي المُنكِرة لوجود الله، وتمنَّيت أن تُبتلى برحمته.

أمر واحد فاتني أن أفهمه.

حين قال المتبحِّر بالدين إن الزلازل تحذير للعباد من التمادي في الطغيان، مرَّ في بالي أنها برغم هدفها النبيل، استثنت قصور الطغاة الذين تسبَّبوا بمقتل الملايين في الحروب الأخيرة.

لماذا ؟

لو أجد فقط جواباً على هذا السؤال !

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

اقرأ للكاتب

جميلة تفقد ثديها”قصة قصيرة”

 

شكرا للتعليق على الموضوع