الرقص الشرقي: بين يد الغوازي والعوالم وشاشات السينما

شروق سعيد – التلغراف : تبدأ الفرقة التي تعتلي خشبة المسرح _والتي تعلو الصالة الذي يجلس بها رواد المكان بأمتار قليلة ليتثنى لهم روية واضحة_ بعزف موسيقاهم الصاخبة، الرواد يجلسون في صمت يتهامسون مع بعضهم البعض، إلى أن تدخل فتاه حسناء ترتدى بدلة رقص وتحمل بيديها شال مزين، تتمايل بين الحضور وعلي خشبه المسرح، وهي تحمل شالها بين يديها لترقص به، فتكسر حاجز الصمت وتحوله إلى إعجاب بمدي رشاقتها وعزوبة الرقصة التي تؤديها علي أنغام الموسيقي، هكذا يكون مشهد الراقصة الذي حفر في أذهاننا من الأفلام، لكن الرقص مر بمراحل طويلة حتي وصل إلى شكله الحالي من حركات وملابس.

المصريين القدماء والرقص:

كان الفراعنة يقدسون كل قوى الطبيعة ويتقربون اليها بالرقص والغناء، فاستخدموا الرقص لطرد الأرواح الشريرة التي تحيط بالمتوفى فكان الرقص الجنائزي ورسمت الفتيات التي يرقصن على جدران المقابر والمعابد، إيمانًا منهم بأن الفتيات المرسومة ستودى رقصة طاردة للأرواح الشريرة إذا احتاجها المتوفي، اما رقصة الخصوبة وكانت أشهر أنواع الرقصات والتي كانت تعتمد على هز الخصر لأنها المنطقة التي تعلوها الرحم وهو السبب في نمو الأطفال، فكان الرقص وسيلة دينية لجلب الرزق والحماية.

رقص العوالم والغوازي:

بعد انتهاء الوثنية وانتشار الديانة المسيحية في مصر أصبح الرقص مرتبط بالملاهي والمتع الدنيوية، وأصبح الرقص شبيه لما نراه الآن، فبحسب الباحث الاجتماعي احمد قطب فان الرقص اتخذ شكلة الحالي بعد امتزاج رقص العوالم مع رقص الغوازي.

الغوازي هم مجموعة من “الغجر والنور” آتوا إلي مصر من بلاد فارس والهند بعادتهم وتقاليدهم المتحررة، فكانوا لا يدينون بدين ولا يهتمون بالأخلاق والآداب العامة التي يدين بها شعب مصر، فكانوا يقدمون المتعة لراغبيها، اما العوالم فهم الراقصات المحترفات العارفات بالآلات الموسيقية والعزف والقصائد والأغاني التراثية، ويرأس فرقة الغوازي رجل هو المسئول عن تدريبهم ويدعي “الأستاذ”.

محمد على شارع الرقص والأدوات الموسيقية:

استقرت الغوازي في شارع محمد على، فأسسوا وطنا بعيدا عن باقي المجتمع الذى نبذهم واعتبرهم خارجين عن الأخلاق والآداب العامة، لكنهم بالرغم من بعدهم عن الشعب قام والي مصر في اواخر القرن الثامن عشر بنفي الغوازي بعد تقربهم للجنود الفرنسيين فشعر الوالي بالإهانة.

الثمانينات الرقص في شاشات السينما:

بدأ الرقص الشرقي يأخذ منحنى عالمي ففي الثمانينات من القرن التاسع عشر، ظهر الرقص في اوروبا على يد راقصة تدعي “ماتا هاري”  واشتهر باسم “رقص سالومي” لكن اختلفت الأزياء عما نراها اليوم فكانت عبارة عن جلباب وحزام للوسط مزخرف أو بنطلون واسع فضفاض وقطعه تغطى الصدر، في بداية القرن العشرين بدأت هوليوود في ادخال الرقص الشرقي في أفلامها  مع إعادة تصميم الزى، أخذت السينما المصرية الرقص عن هوليود وادخلته في أفلامها، وبدأت الغوازي في أخذ دور مختلف في المجتمع فاصبحوا نجوم سينما وتحولوا من صوره الغوازي الذين يرقصن في الملاهي الليلية إلي الراقصات في أفراح وحفلات سمر الأغنياء ورجال المجتمع، إلي أن تحول المجتمع بعد الانفتاح في عصر السادات، فتلاشي الاهتمام بالرقص كفن واصبح مجرد حركات مغرية لإثاره الغرائز حتى وصل إلى شكلة الحالي الآن في الأفلام التجارية. 

شكرا للتعليق على الموضوع