ناصر اللحام يكتب : تجربة انجلترا . المجتمعات تتحطم في كل مكان
يتغير العالم بسرعة مدهشة ويستبدل 500 عام من القيم بسرعة البرق ، وبينما يقضي المثقفون والجنرالات ورجال الدين أيامهم على شاشات الفضائيات يتباكون على أطلال الأفكار والأمجاد القديمة والوحدة والاتحاد والقومية والاشتراكية وأمجاد كهنوت الكنيسة أو صولجان الخلافة، تندفع الشعوب بقوة القطيع الهائج نحو المستقبل الأكثر وضوحا وجرأة ـ تبحث عن الأفضل والأسرع والأوضح والأقل تعقيدا .
قبل نحو 400 عام رسمت البشرية شكل الحياة المعاصرة ، بدء من مفهوم الأسرة والنسق الاجتماعي – الأسرة كمفهوم اقتصادي اجتماعي – مرورا بعلم الأخلاق المعاصرة والرياضيات ” القديمة “وصولا إلى التبادل التجاري الدولي واعتماد العملة النقدية في ظل مفهوم دولة ، ومفهوم اتحاد ، ومفهوم جيش ، وقوى أمن ، وبنوك ، وباقي أدوات الفرض الإلزامي على المجتمعات البشرية ، حتى نجحوا في الوصول إلى نتيجة صهر مصالح الفرد في بوتقة مصلحة الجماعة . وصهر مصالح الجماعة في بوتقة المجتمع ، باعتبار أن المجتمع بشكله الحالي هو الاتحاد الذي قرره رجال الدين والأغنياء والنبلاء وكبار المالكين والعسكر .
مع بدء الربيع العربي – مصطلح أمريكي مختلف عليه – حطّم العرب بشكل هستيري مفهوم الدولة ، وقادت الأحداث إلى تعزيز مفهوم الجماعة ، ومفهوم المجموعة المسلحة على حساب الدولة والجيش .. فتحطمت الدول بطريقة تدميرية ونشأ على أنقاضها مجموعات أثنية وعرقية وطائفية واقتصادية وكارتيلات وفضائيات خلقت لنفسها دساتير جديدة ومحاكم تناسبها .
ولكن النهب لا يمكن أن يكون منهاج حياة ، فسارعت كل مجموعة إلى السيطرة على ثروات منطقة جغرافية ما ، والتحكم بها والدفاع عنها – ليس دفاعا عن الوطن وإنما دفاعا عن منطقتها . تماما مثلما تفعل الوحوش في الصحاري والغابات .
ومعنى ذلك أن البشرية تمرّ الان في مرحلة تحطيم الشكل السابق للمجتمعات وقيمها وتبحث عن شكل جديد يوازن بين رغبات الفرد الجامحة وحاجة البشرية لمجتمع متفق عليه ، وهكذا يمكن ان نفسر رغبة اسكتلندا في الانفصال عن بريطانيا ورغبة بريطانيا في الانفصال عن الاتحاد الاوروبي ، وسعي كاتالونيا للانفصال عن اسبانيا والبوليساريو للانفصال عن المغرب والاكراد للتحرر من تركيا والدول العربية ، وسعي العرب الى تحطيم كل شئ والبدء من جديد ، كما ان تحطم اسرائيل سيكون تلقائيا ولا أستغربن اذا جاء اليوم الذي يهرع فيه يهود اسرائيل الى المطار ويهاجرون من فلسطين كما جاءوا اليها بلمح البصر .
كما أن الغرب الذي أغمي عليه من الضحك بانهيار الاتحاد السوفييتي قبل ربع قرن ، ينتج اليوم سياسيين من أمثال ترامب ورجال دين يروّجون الحروب ويدعون لها .
دون ان ننسى ان العالم ليس غرب وشرق اوسط ، فهناك الصين واليابان وكوريا ، وان الصراع الدموي يحتدم الان في مجتمعات الكتب السماوية الثلاث بينما المجتمعات البوذية لا تزال متماسكة وقوية .
اي ان حضور رجال الدين في السياسة هو عنوان المشهد وسبب الازمة ، والصراع الدائر سيحسم بقاء رجال الدين في الحكم وزيادة مساحة نفوذهم أو طردهم كليا من المشهد ومنعهم من اللعب خارج دور العبادة ومنعهم من التدخل في السياسة والاقتصاد .
وليس سرا ان الواي فاي يعتبر محرما عند غالبية حاخامات اليهود !!!
تتحطم المجتمعات وتبحث عن شكل جديد يعبّر عن مضامين جديدة … ويحتاج الامر الى وقت ، وقد تستغرق عشر سنوات اخرى . او اقل من ذلك . وان انفصال انجلترا عن اوروبا انما هو هزيمة اخرى للرأسمالية وليس هزيمة للشعوب الاوروبية .