دراسة: “رءوس الأفيال” كانت الوجبة المفضلة للبشر الأوائل

تقارير – التلغراف : كانت دماغ الفيل، في العصر الحجري، هي الوجبة المفضلة للبشر الأوائل من بين الوجبات المتاحة على قائمة الطعام.

فعندما كان البشر الأوائل يخرجون لتناول العشاء في الخارج، كانوا يختارون الرؤوس الضخمة للأفيال التي انقرضت حاليًا.

فقد أظهر بحث جديد أن الناس الذين كانوا يعيشون في العصر الباليوليتي، الذي يعرف بشكل عام بالعصر الحجري، كانوا يصطادون الأفيال لكونها مصدرًا قيمًا للغذاء.

ولم يأكل البشر الأوائل أجسامها فحسب، بل أيضًا لم يهدروا أي جزء من رؤوسها الضخمة، إذ كانوا يخرجون أدمغة الأفيال من داخل رءوسها، ويأكلونها، وكانوا يأكلون أيضًا خراطيمها، وألسنتها، وغددها، وحتى جماجمها، وعظام فكها السفلي.

وهذا يُفسر السبب وراء عادة اصطحاب الإنسان القديم لرؤوس الأفيال أثناء انتقاله من موقع لآخر.

ومازال الجدل محتدمًا بشأن مدى إقبال الإنسان في العصر الحجري على أكل الأفيال. فلا خلاف على أن الإنسان القديم كان يصطاد الحيوانات ويأكلها كمصدر لا غنى عنه للبروتين والدهون.

يقول الباحثون في ورقة بحثية نشرت في دورية “كواتيرناري إنترناشيونال”: “إن الإنسان بطبعه آكل للحوم، منذ المراحل الأولى لتطوره وحتى العصر الحديث”.

ولكن طالما تساءل العلماء كيف يمكن قتل أفيال بهذا الحجم الهائل، فربما لم يكن الإنسان القديم يصطاد هذه الأفيال، بل كان في المقابل يقتات على جيف الأفيال النافقة، سواء أهلكها الدهر أو قتلتها حيوانات ضارية أخرى.

ولكن خلصت دراسة جديدة في الوقت الحالي إلى أن الإنسان القديم لم يكن يصطاد الأفيال فحسب، بل أيضًا كانت رؤوسها تمدّ جسمه بالسعرات الحرارية اللازمة للبقاء، إلى درجة أن الإنسان القديم كان يتحمل عناء نقل الرؤوس أينما ذهب.

وقد استعرض أفياد أغام وران باركاي من جامعة تل أبيب بإسرائيل، عددًا من المواقع الأثرية، التي اكتُشِفت فيها رءوس أفيال.

وكان من بينها مواقع عاش فيها الإنسان الأول في قارات العالم القديم، مثل موقع يضم آثارًا تعود إلى ما بين مليون و600 سنة ومليون و300 سنة، في جمهورية جيبوتي حاليًا في إفريقيا، بالإضافة إلى مواقع أخرى تضم آثارًا تعود إلى ما بين 150 ألف سنة و13 ألف سنة في قارات العالم الحديث، روسيا وأوروبا.

على سبيل المثال، عثر علماء الآثار بالقرب من “جسر بنات يعقوب”، في موقع مفتوح يعود إلى الحد الفاصل بين عصري البليستوسين المبكر والأوسط، عند البحر الميت في غور الأردن، على بقايا سرطانات البحر وأسماك وأيائل سمراء وسلاحف، بالإضافة إلى بقايا 154 فيلًا، بما فيها جمجمة كاملة، وأجزاء قليلة من الأسنان والأنياب والقحف، وجزءان من السطح الداخلي للقحف العصبي الذي يحمي الدماغ.

كما استخرجت من الموقع نفسه جمجمة فيل أخرى تكاد تكون كاملة، غير أن الناس الذين كانوا يعيشون هناك يومًا ما أزالوا منها جزءًا عن عمد وقاموا بسحقه.

وهذه البقايا التي عُثر عليها هي بقايا فصيلة من الأفيال انقرضت حاليًا، تعرف باسم الفيل مستقيم الأنياب.

وعلى الرغم من أن هذا النوع من الأفيال مستقيمة الأنياب يمتّ بقرابة وثيقة إلى الفيل الأسيوي الحالي، إلا أنه أكبر من أنواع الأفيال الموجودة حاليًا بكثير.

ولذا، فتعد الأفيال مستقيمة الأنياب، التي جابت أوروبا وآسيا طولًا وعرضًا، أكبر الوجبات التي كان يصطادها الإنسان القديم ويقتات عليها، فهي أكبر خمس مرات من ثاني أكبر الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة في هذا الوقت، وهو فرس النهر.

قد تزن جمجمة الفيل الإفريقي الحديث وفكه 180 كيلوغرامًا، أضف إلى ذلك وزن الخرطوم 110 كيلوغرامًا، والأذنين 44 كيلوغرامًا، واللسان 14 كيلوغرامًا، كما يزن الدماغ وحده 6.5 كيلوغرامًا، ليفوق بذلك وزن رأس الفيل الحديث، والذي يبلغ إجمالًا 400 كيلوغرام.

يقول العلماء: “وتزداد هذه الأرقام كثيرًا، إن لم تتضاعف تقريبًا، في حالة الأفيال المنقرضة التي كانت تعيش في عصر البليستوسين”.

ويقولون أيضًا: “كانت الأفيال تمثل وجبة غذائية مثالية”، لاحتوائها على النسب المثالية من اللحوم والدهون التي يحتاجها الإنسان القديم.

ويوجد في كهف بولومور، بوادي فالديغنا، بالقرب من فالنسيا في إسبانيا الحديثة، دليل آخر على أن الإنسان الأول كان يسعى وراء اصطياد رءوس الأفيال، حيث عُثر على عدد من عظام أفيال قديمة، بما في ذلك جماجم، وعظام الأرجل.

ويقول الباحثون: “لكي تصل إلى هذا الكهف، يجب أن تتسلق بحرص شديد، ومع ذلك، وجدنا بقايا أفيال، بما فيها أجزاء من الرؤوس، داخل الكهف”.

وهذا يشي بالقيمة الغذائية لرؤوس الأفيال التي كانت تستحق بذل هذا العناء الشديد من أجل نقلها إلى هناك.

كما أجرى العلماء أبحاثًا بشأن القيمة الغذائية التي يوفرها كل جزء من أجزاء رأس الفيل. وقد تضمنت أبحاثهم روايات تصف كيف اصطاد الناس في إفريقيا في القرون الأخيرة الأفيال وأكلوا لحومها.

ويشير العلماء إلى أن الناس في الأزمنة الغابرة قد طحنوا جماجم الأفيال وعظام فكيها لاستخلاص الدهون الموجودة بداخل الفجوات التي تملأ بنيتها العظمية.

كما يمكن استخراج الدهون من الأماكن المحيطة بعيني الفيل النافق ومن غدة أخرى لا توجد إلا لدى الأفيال، تسمى الغدة الصدغية، التي تفرز مادة سائلة لدى ذكور الأفيال عندما يكونون في حالة من الهياج، (وهي حالة دورية يتسم سلوك ذكر الفيل إثناءها بالعدوانية الشديدة ويصاحبها ارتفاع في معدل الهرمونات الإنجابية).

ويذكر العلماء دليلاً آخر على أن الإنسان الأول قد نقل رءوس حيوان الماموث المنقرض بطريقة مشابهة.

وخلص العلماء إلى أن “الإنسان الأول كان يفضل رءوس الأفيال على سائر الأطعمة لكونها مغذية إلى أبعد حدٍّ”.

كما يعدّ إقبال البشر الأوائل على تناول رءوس الأفيال دليلًا على أنهم كانوا يتعاونون معًا عند الصيد، لأن نقل هذه الأشياء كبيرة الحجم إلى الكهوف يتطلب تكاتف الكثير من الأفراد.

ويقول الباحثون: “تدل هذه الشواهد المتكررة التي تثبت أن رءوس الأفيال كانت تُنقل إلى المواقع السكنية، على أن البشر الأوائل عمدوا إلى نقلها إلى أماكن إقامتهم. ومن المستبعد أن يكونوا قد حصلوا على الجمجمة وجلبوها إلى مناطق تجمعاتهم لاستخراج الدماغ منها واستهلاكها فحسب”.

وأضاف الباحثون: “إن النظام الغذائي لأشباه البشر، أو البشر الأوائل، لم يخل أيضًا من أجزاء أخرى من رأس الفيل، مثل اللسان، والغدة الصدغية، والخرطوم، وعظم الفك السفلي، وحتى الجمجمة”.

شكرا للتعليق على الموضوع