ناصر اللحام يكتب : المعارك الجانبية .. أكبر خطر على المثقف الفلسطيني
يبدو المشهد السياسي العربي هذه الأيام مثل غرفة الطوارئ في المستشفى . إصابات سير هنا ، وصراخ وأطباء يركضون لإيقاف النزيف هناك ، أو لمعالجة الجرح المفتوح في تلك الزاوية ، إعطاء مهدئات لهذا الملف أو تنشيط القلب لذلك الملف الذي فقد الوعي .
وهنا لن يستطيع غير الطبيب معرفة أي الجروح أخطر ، وأي المصابين يجب أن ينقل إلى غرفة الجراحة فورا ، ومن الذي يجب نقله الى غرفة الأشعة للتشخيص الأدق . والأمر لن يخضع لاستفتاءات ولن يعتمد على انتخابات وتصويت وتصفيق ولقاءات صحفية .
وإنما على تقدير موقف ثابت وواضح من الطبيب في تلك اللحظة .
ومن أجل هذه اللحظة تربّي الأمم قادتها ومثقفيها وأطباءها ، ليتخذوا القرار المناسب في اللحظة المناسبة وليكونوا قادرين ومؤهلين على تنفيذ تقدير موقف واضح في اللحظات التي يصعب فيها ذلك .
أما الذين يهربون من غرفة الطوارئ إلى عيادات الغربة وعيادات التجارة بانتظار الزبون ” المريض ” الذي سيدفع لهم أكثر فهؤلاء مجرد باحثين عن السلامة الفردية ، لن يستطيعوا اجتراح الموقف ولا اتخاذ القرار الوطني المناسب .
وسيبقى دورهم في النميمة وإظهار العيوب في عمل الأطباء الذين صمدوا في غرفة الطوارئ وأنقذوا حياة المصابين .
وسيحاولون التباهي بنظرية ( لو أنهم كانوا في غرفة الطوارئ فأنهم سيعملون أفضل ) وهي نظرية تافهة لا تستحق معاينتها .
فمن أراد التطوع والعمل فلن يمنعه أحد .
ولن ننسى أبدا اؤلئك الأطباء العرب والأفارقة والأوروبيين ومن داخل الخط الأخضر ومن الضفة الذين تطوعوا للذهاب إلى غزة فترة الحرب لإنقاذ الجرحى .
ونقارنهم مع اؤلئك الذين قعدوا أمام كمبيوتراتهم يتبجّحون ويظهرون العيوب في عمل الذين تطوعوا ويعطون الوعظ وشهادات الصلاحية .
الأمر سيان في السياسة .
هناك وطن تحت الاحتلال ، وهناك قطاع محاصر منذ عشر سنوات لدرجة انه تحوّل إلى أكبر سجن في العالم .
وهناك استباحة عسكرية للضفة الغربية ، وهناك حرب تهويد ضد القدس .
والوطن بحاجة إلى عقول ، وبحاجة إلى طاقات ، وبحاجة إلى قادة وأطباء وصحفيين يعملون تحت الضغط ولا يهربون من المسؤولية .
مئات المعارك الجانبية مفتوحة على مصراعيها أمامنا ، ولكن قضية واحدة فقط يجوز أن نصب كل الجهود فيها .
وهي تحرير فلسطين ورفع الظلم عن القدس ورفع الحصار عن غزة والوقوف في وجه المستوطنين في الضفة الغربية .
وهناك مائة سبب لنهرب من المسؤولية ، ومائة ألف ذريعة لنغادر غرفة الطوارئ ، وهناك مليون فرصة لنهرب من قضية عادلة .
وهناك سبب واحد فقط لنبقى ونقاوم ونتشرف بالبقاء على هذه الأرض .
وهو شرف الموقف .
وكلما ضعفت إرادتي وضاقت أنفاسي علي .
انظر حولي فأجد أصدقاء الشعب الفلسطيني المتضامنين الأجانب قادمون ليتظاهروا ضد الجدار في بيت لحم ونعلين وبلعين وبيت جالا ، وأقول : هؤلاء أطباء ومحامون ومثقفون وطلبة جامعات ومهندسات تركوا عواصم أوروبا ومدن أمريكا وطاروا آلاف الأميال يبحثون عن شرف النضال ضد الاحتلال .
ونحن أولى وأحق بهذا الشرف .