نانسى فتوح تكتب : الغباء إلاعلامي .. والانهيار السياحي

يتفق كل العقلاء في الأرض وبغض النظر عن أديانهم أو انتماءاتهم الطائفية أو الفكرية على إدانة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، واعتباره عملاً مقيتاً ينافي الكرامة الإنسانية فضلاَ عن مخالفته الأديان السماوية والشرائع الأرضية.

ولكن أتساءل هل من الذكاء إلحاق كلمة “الإرهاب” في وسائل الإعلام الذي أصبح شغلها الشاغل العمل على ترسيخ تلك الفكرة، وحشر كلمة الارهاب في كل وسائل الإعلام حتى أن وصلت إلى العالم الخارجي؟

متناسين أن كل ذلك لا يصب في صالح بلدنا الحبيبة بل العكس، إن صح القول فذلك يدل على الغباء الإعلامي الذي لم يعي حجم الكارثة التي وصلنا إليها بسبب الغباء المتفشي في كل القنوات المصرية إلا من رحم ربي ، حتى أصبح شعارهم الأول ” انقذوا مصر من مستنقع الإرهاب “

ولكن .. نحن من ندفع الثمن ..

فلم تعُد حالة الحرب التي تعيشها البلاد حربا داخلية ضد الإرهاب الداخلي وحسب، بل إنها انتقلت إلى نطاق أبعد من ذلك خارج حدودنا، مما كان له أكبر الأثر على إدخال الرعب في قلوب المستثمرين، وعدم وجود ضمان على مستقبل أموالهم المستثمرة في مصر، مما يترتب على ذلك انخفاض معدلات السياحة والاستثمار الأجنبي داخل بلادنا.

وبالتالي استمرار ضعف الطلب السياحي على مصر والتخوف الشديد لدى منظمي الرحلات من تسويق برامج سياحية لمصر خوفاً من عدم إقبال السائحين في أسواقهم عليها.

وكان آخر هذه البورصات هي بورصة “ميلانو”، التي تعدّ أكبر منتدى سياحي للسوق الإيطالية والذي أكدت على الضعف الشديد للإقبال على المقصد المصري في الوقت الحالي من هذا السوق الذي كان يوماً من الأيام السوق السياحي الأول للمقصد المصري.

ومما زاد الأمر سوءاً حادثة الطائرة الروسية المنكوبة التي كانت صفعة جديدة للقطاع السياحي المصري،مما ترتب إليه تعليق رحلات الطيران الروسية والبريطانية و5 دول أخرى، الأمر الذي قوّض مساعي القاهرة لإعادة أحياء هذا القطاع الذي يعد أحد ركائز الاقتصاد في مصر.

هذا ويعيش الاقتصاد المصري حالة مزرية بعد هبوط قيمة الجنيه، حيث تجاوز سعر صرف الدولار في السوق الموازية (السوداء) عتبة ال 12 جنيهات، وذلك بعدما شهدت البلاد تراجع عائدات قناة السويس بسبب هبوط حركة الملاحة البحرية العالمية وتأزم الأوضاع في قطاع السياحة.

حتى إذا وزنت الخسائر بسبب الإرهاب مع كل التحديات الأخرى مثل حوادث المرور والجرائم والمخدرات، والفقر، وأمراض سوء التغذية، وعشوائية النمو الإجتماعي، والتلوث البيئي والبطالة، وتراجع مستويات الرعاية الصحية والتعليمية، فإن الإرهاب سيكون في أسفل قائمة التحديات والأخطار.

ولكن بسبب ذلك التهويل الإعلامي في معالجة ظاهرة العنف سياسياً واجتماعياً نجد أننا قد وصلنا لنهاية الطريق للوقوع في المنحدر والانغماس فيه، وذلك لأن أي حادث إرهابي مهما كان حجمه يعد خنجراً في قلب الوطن لأنه سيلقي بظلال سيئه على مصر والسياح وعلى موارد مصر من العملات الصعبة، حيث تعتبر إيرادات السياحة وقناة السويس، وتحويلات المصريين في الخارج مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة في البلاد.

وخاصة إذا تسارعت الدول المصدرة للسياحة بتحذير رعاياها من الوضع الأمني في مصر ..

 وليس صحيحاً امتلاك مصر الكثير من الأمكانات السياحية يكفي لتأهيلها لعودة النشاط السياحي في مصر لسابق عهده مرة أخرى، إلا في ظل الاستقرار الأمني ، وخاصة أن وسائل التواصل الإجتماعي أيضاً تنشر الكثير من الفيديوهات التي تظهر الاضطرابات والمشاكل الأمنية في مصر بشكل يذعر السياح.

حتى أن الشركات السياحية في مصر لم تستطع مواجهة ذلك بتسويق مصر سياحياً بالرغم من امتلاكنا ثلث آثار العالم، على عكس الدول الأخرى التي نجحت في تسويق نفسها رغم فقر مقوماتها السياحية والاثرية .

لذلك علينا أن ندرك أن تكرار مصطلح الإرهاب في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا له تأثيرات سلبية خطيرة على تدفق حركة السياحة الوافدة إلى جانب تراجع حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية.

لذا يجب وضع خطة استراتيجية شاملة للتنمية السياحية والنهوض بالاستثمار لمواجهة تلك المشاكل وحتى تجد طريقها للتعافي وجذب المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية بدلاً من هروبها خارج المنطقة، والاسراع في البحث عن سبل تقوية الجنيه المصري بالتنمية المحلية، وزيادة مشروعاتنا الداخلية لزيادة الانتاج ورفع صادراتنا للخارج حتى يتوقف نزيف الجنيه المصري، وليس كما يدعي البعض بالاكتفاء باجتماع السيسي بمحافظ البنك المركزي.

فهل يوجد من الأذكياء العقلاء من ينتبه على وجود حلول سريعة لكل تلك المشاكل التي نواجهها وعدم زيادة العبء عبئاً حتى ننقذ مصر من ذلك المنحدر؟

فنحن الآن لسنا بصدد البحث عن أسباب هذا الانهيار الاقتصادى.. فجميعنا يعلم ما حدث لمصر على مدى 60 عاماً مضت.. نحن بصدد البحث عن إجابة لسؤال مهم .. كيف نهضت مصر اقتصادياً وصناعياً وتجارياً خلال سنوات ما قبل يوليو 1952 فى ظل سيطرة المحتل البريطانى؟!..

 وكيف يمكن استدعاء هذه السنوات الرائدة لعودة الروح إلى مصر؟!

فعندما نعود إلى الوراء فى مطلع القرن الماضى .. كان فى مصر رجل وطنى من الطراز الأول .. استطاع بعبقريته وإخلاصه وحبه لتراب هذا الوطن أن يحدث نهضة اقتصادية وصناعية لم تشهدها مصر من قبل أو بعد ..

هذا العبقرى هو «طلعت باشا حرب».. الذى لا يعرف المصريون عنه سوى أن هناك شارعاً بالقاهرة يحمل اسمه!

فإن ما فعله كفرد من أجل مصر أكبر بكثير مما فعلته حكومات كاملة في عهود سابقة، فنحن نحتاج إلى رجال كثيرين لهم عبقرية طلعت حرب ..

واعلموا أن مصر في ورطة ومحنة وأن نزيف الجنيه المصري مستمر، وأنه لم ولن تنهض مصر من سقطتها إلا برجال ذو خبرة اقتصادية قوية، يقفون بجدية أمام الفساد ويحاربونه، لأن الفساد السياسي هو العدو الأول للاستثمار، والفساد الإداري هو المعطل الأول للمستثمر عن انجازاته الاستثمارية .

فلن نفقد الثقة في رجال مصر..

 تصبحون على واقع أفضل ..

شكرا للتعليق على الموضوع