ناصر اللحام يكتب : بيهمش
لاول مرة منذ انتفاضة الحجارة عام 1987 تغرق اسرائيل في مدن الضفة الغربية بهذا الشكل المحموم. استباحة كاملة لكل رموز السيادة الفلسطينية السياسية والادارية والمالية والامنية والعسكرية والطبية واللوجستية وحتى الاعلامية، فالحاكم العسكري صار يرسل بياناته مباشرة لوسائل الاعلام المحلية دون اي اعتبار لوزارة الاعلام او نقابة الصحفيين.
والفلسطينيون يتحدون “التاريخ” ويحاولون انجاح تجربة الاستقلال رغم كل محاولات اسرائيل لدفعهم للاحباط. ويريدون اقناع العالم انهم قادرون على الحفاظ على كيان سياسي وامني وثقافي واعلامي مستقل حتى لو كان داخل زنزانة، وهي وجهة نظر تستحق التقدير والاحترام.
واكثر ما شد انتباهي مؤخرا دعوة الدكتور مصطفى البرغوثي لاعلان استراتيجية وطنية بديلة لتحقيق الحرية وتتكون من خمسة عناصر، يكون الهدف المركزي فيها تغيير ميزان القوى بين الفلسطينيين وبين الحركة الصهيونية، دون الدخول في جدل حول الهدف الوطني، سواء كان حل الدولة الواحدة أم حل الدولتين، وخوض كفاح ذكي وجديد يركز على نقاط ضعف إسرائيل، من خلال الاعتماد على النفس وتنظيمها، وتحدي الاحتلال ونظام التمييز العنصري الإسرائيلي والتمرد على إجراءاته.
سواء أقرّت القيادة هذه الاستراتيجية ام نفذتها بدون اعلان ، فان المواطن البسيط يعكف على تنفيذها منذ سنوات ، ويمارسها ويعمل على اساسها ، حتى ان منظمة التحرير تتعامل معها على انها تكتيكات لخدمة الاستراتيجية الوطنية القائمة ، دون الاعلان عن ذلك.
وبغض النظر اذا كنا سنواصل العمل تحت الاستراتيجية الراهنة وعنوانها الاستقلال الكامل واقامة الدولة عن طريق قرار دولي ومؤتمر كوني ، او من خلال مقاومة شعبية متصاعدة تكرس تجربة غاندي في الهند ومانديلا في افريقيا . فان الحل الافضل هو الصمود والبقاء والثبات ، فالجماهير الفلسطينية تتأقلم وتتحدى الاحتلال ، ولكن الهم الأكبر عند المواطن هو الاداء الضعيف لبعض القيادات التي تختبئ وراء أقنعة ايديولوجية وسياسية ودينية لتبرير فشلها وعقمها ،
رغم كل هذا، ستبقى الارض المحتلة مدرسة المناضلين في العالم، وستبقى تسطّر التاريخ بأرقى معاني الكرامة والتحدي والنصر. وكل ما يفعله الاحتلال من بطش وهدم المنازل واهانة الرموز وقمع الاسرى سيرتد ضد اسرائيل قريبا. واذا كان في مخططات اسرائيل ان تقود الضفة الى اليأس والاستسلام بهذه الاساليب الوحشية، فمعنى ذلك ان قادة اسرائيل لم يقرأوا التاريخ جيدا.
ولم ينتبهوا الى الشعار الشعبي الذي استنبطه الاعلام من الخليل ( عاصمة انتفاضة القدس ) هي العبارة الاشهر في العام الجاري: بيهمش.