مصطفى جودة يكتب: أكبر الخاسرين

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

لكل حرب خاسرون ورابحون. يتربع اثنان من الخاسرين على رأس قائمة حرب حماس وإسرائيل الدائرة رحاها الآن، هما نيتانياهو وثانيهما الرئيس الأمريكى بايدن. كلاهما سيدفع فاتورة أخطائه بسببها. فى إسرائيل كل الشواهد تدل على أن نيتانياهو انتهى سواء بإجراء انتخابات أو بإجباره على الاستقالة.

كل المؤشرات تدل على أن العملية وضعت آخر مسمار فى نعشه، وأن آخر يوم فى الحرب سيكون أول يوم فى تقاعده. إنه الآن يبدو ممسوخا مهزوزا وفاقدا الثقة فى نفسه وهو الذى كان يظن أنه أسطورة إسرائيلية تشبه الأساطير اليونانية، وأن إسرائيل ستختاره للأبد إذا كان راغبا فى حكمها.

لقد أسقطته العملية مثلما تسقط العاصفة العاتية نخلة عجوزا خاوية. الرجل الذى كان قبل العملية بأيام يخطب ويختال فى خطابه بتاريخ 22 سبتمبر فى الأمم المتحدة والذى ذكر فيه رؤاه للسلام فى الشرق الأوسط وأن التطبيع مع المملكة العربية السعودية سيشجع على استتباب السلام فى الشرق الأوسط، ممسكا بقلم فلوماستر فى يده ليرسم على خريطة للشرق الأوسط ممرا يمر عبر آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، مضيفا أن إسرائيل ستصبح ممرا للسلام بين القارات .

كان يملؤه الإحساس بأنه مثلما عودته الميديا الغربية دائما أنه فوق البشر وأنه مثل قياصرة الروم والإسكندر الأكبر وأنه يملك تغيير تضاريس الكرة الأرضية. ظن أن الخلق ينظرون جميعا إليه وهو يبنى المجد الإسرائيلى الجديد وحده. ولكن سبحان الله تغيرت الأمور بين عشية وضحاها فأصبح نيتانياهو كأن لم يغن بالأمس، وغيرت عملية طوفان الأقصى أحلامه فى أيام معدودة فأصبح ينكمش كل يوم بمعدل لم تعرفه زعامات التاريخ كلها. لقد تدنت شعبيته لتصل الى 26% وهى نسبة لم تحدث من قبل وتدل على أن الرجل انتهى بالكامل.

أما الرئيس بايدن والذى ظن أن شعبيته العارمة فى إسرائيل والتى لم يتمتع بها أى رئيس أمريكى من قبل، ستزيده قربى وزلفى من اللوبى الصهيونى فى أمريكا فراهن على دوره المشين منذ اليوم الأول للعملية، فشد الرحال الى إسرائيل بطريقة لم تعهدها الرئاسة الأمريكية من قبل، ثم أصبح يبرر كل ما تفعله إسرائيل فى قصفها الجوى لغزة وحرقها وتدميرها بقسوة على رءوس سكانها ثم عقب كل فجيعة تفعلها يخرج ويبرر ويقول: إسرائيل دائما على حق ولديها الحق أن تدافع عن نفسها ولديها أمريكا تحمى لها الظهر وتعطيها كل الأسلحة الأمريكية، والتى لم يستخدم بعضها من قبل ليجرب فى قتل أهل غزة رجالا ونساء وأطفالا ولتقذف طائراته عليهم قنابلا فاقت فى قدراتها التدميرية أضعاف القنبلة الذرية التى ألقيت على هيروشيما والتى مازالت البشرية تستنكر أسباب إلقائها. كل الشواهد تدل على أنه سيخسر الانتخابات القادمة. فى استطلاع للرأى نشرته وكالة رويترز بتاريخ 7 نوفمبر، 2023، أظهر أن 56% من الشعب الأمريكى يعارضون سياسة الرئيس بايدن وهى أكبر معارضة منذ شهر أبريل وأن شعبيته تدنت لتصل الى 40%، وهى نسبة حضيض لم يصلها أحد من قبل عدا الرئيس جيمى كارتر إبان أزمة الرهائن الأمريكيين الذين احتجزتهم حينها إيران مما أدى الى سخط الشعب الأمريكى كله عليه. اما شبكة سى إن إن فقد أظهرت بتاريخ 13 نوفمبر أن نسبة المعارضين لسياسته تبلغ 58% وأن الموافقين عليها 39%، وهى تقريبا متوسط نسبة قبوله ورفضه فى غالبية استطلاعات الرأى وآخرها استطلاع الرأى الذى أجرته شبكة إن بى سى بتاريخ 19 نوفمبر، الذى أظهر نفس النسبة وأظهر أن 34% فقط من الشعب الأمريكى توافق على طريقة إدارته للحرب وأن ذلك قد يودى بفرصته للفوز بالرئاسة لو ترشح ممثلا للحزب الديمقراطى. أدرك الرجل مؤخرا ومعه الحزب الديمقراطى أن كلا من الانتخابات الرئاسية وانتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ ستكون كارثية ليس فقط على الرئيس بايدن ولكن على الحزب كله فى نوفمبر 2024.

من أخطر ما يواجه الرئيس بايدن هو التحول الكبير الذى حدث للجاليات العربية والإسلامية التى لم يعرها بايدن التفاتا أو تعاطفا والتى كان لها تأثير كبير فى فوزه بانتخابات 2020 وخصوصا فى الولايات التى يطلق عليها ولايات أرض المعارك والتى أصبحت هى العامل الرئيسى المحدد لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى السنوات الأخيرة. هذه الولايات تختلف كثيرا عن بقية الولايات الثابتة فى اتجاهات تصويتها إما جمهوريا أو ديمقراطيا وهى أغلبية الولايات. هذه الولايات هى الولايات المتأرجحة فى طريقة تصويت سكانها. قد تصوت مرة للمرشح الديمقراطى ومرة أخرى للمرشح الجمهورى. تشمل تلك الولايات فلوريدا وبنسلفانيا وميتشجان وأوهايو وويسكونسون ونيو هامبشير ونيفادا وبالتالى أصبحت المنافسة كلها فيها لدرجة تكاد تجعل الانتخابات وكأنها مقصورة عليها. تكمن أهمية الجاليات العربية والإسلامية أنها توجد بنسبة عالية فى بعض تلك الولايات وبالتالى فإن أصواتها الانتخابية لها أهمية كبيرة. مثلا تبلغ نسبة الأمريكيين من أصول عربية فى ولاية ميتشجان 5% وفى ولايتى أوهايو وبنسلفانيا قرابة 2%. هذه النسبة قد تحدد الفائز بأصوات تلك الولايات فى الانتخابات الرئاسية 2024. يمكن استنباط ذلك بما حدث فى انتتخابات 2020 فى تلك الولايات. فاز الرئيس بايدن بولاية ميتشجان بنسبة 50.6% مقارنة بـ 47.8% للرئيس السابق دونالد ترمب، كما فاز بولاية بنسلفانيا بنسبة 50.01% مقارنة بـ 48.8% لترامب. فيما يبدو أن الرئيس السابق دونالد ترمب لاحظ ما يحدث لبايدن نتيجة تأييده المطلق لإسرائيل فى قصفها الوحشى لغزة فقام بعكس موقفة 180 درجة وبدأ عملية نقد علنى لما تفعله إسرائيل.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: نيتانياهو «2 ــ 2»

شكرا للتعليق على الموضوع