محمد النقلى يكتب : إصطباحه (هل ” الأحرار ” كانوا .. أحراراً ؟) سنوات االحلم .. والغوايه ( 3 )

في صباح أحد الأيام الحاره من صيف 1952 .. كانت مصرعلى موعدٍ مع  حدثٍ .. لايقل سخونةً عن ” قيظِ ” أيام ذلك الصيف .. إستيقظ شعب مصرعلى صوتٍ يتسلل إليهم عبر الإذاعةِ المصرية ليخبرهم .. بأن ” مصر إجتازت فترة عصيبه من تاريخها الأخير من الرشوه والفساد ، وعدم إستقرار الحكم … ” تلك كانت مفردات بيان “الحركه المباركه ”  – كما أطلقوا عليها وقتها –  في صباح23 يوليو1952 ، ليعلنوا بذلك إنقلابهم ” العسكريّ ” على حكم دام لفترةٍ تقترب من 150 عاماً .. حكم أسرة محمد علي (1805 -1952 ) .

     إبتهج المصريون بحركة ضُباط جيشهم ” المباركه “.. إلتفوا حولها .. ساندوها .. وإعتبروها ” منحة السماء “..  فأصبغوا عليها بذلك صفة ” الثوره “.. ولم لا  ؟ فقد بدا في الُأفق بوادر تحقيق ” الحُلم ” .. حُلم إستعادة عصمة الحكم .. للأُمَّه.. والذي ظل أسيرا..  لنزواتِ قصر .. و سطوةِ محتل .. وفساد ساسه .. لما يقرب من مئة عام .. ذلك ” الحُلم ” الذي بُذل فيه الغالي والنفيس .. بدءاً من ثورة عرابي .. مروراً بثورة 1919 .. واليوم .. وبهذه الحركه المباركه يمضي الشعب مكملاً طريق ثورته .. حتى وإن كانت هذه المره بمنحه ” توكيلاً على بياض ” لضباط هذه الحركه .. واثقاً في صدق تمثيلهم لحلمهِ .. ولتكن تلك الحركه .. ” مباركه ” .. إسماً .. وقولاً ..  وفعلاً .. فمعها .. وبها سيتحقق .. حُلم شيوع العدل .. حُلم دولة المصريين .

     هكذا كان حال عموم أهل بر مصر في السنوات الأولى لحركة ” الأحرار ” .. سنوات “الحُلم الفتيّ “.. الذي إختمر في أذهان الناس .. و صدقوه .. وأقبلوا عليهِ .. وبقدر ماكانت البدايات في تلك السنوات صحيحه ، وتوجهاتها تُنبِأ  بالصلاح والإصلاح ، ومن ثم ..  إقتراب  الحُلم من مغادرة الخيال و ملامسة أرض الواقع .. إلا إنها كانت أيضاً .. سنوات ” غوايه ” .. غواية شيطان السلطه .. لمن هيأت لهم نفوسهم بقرب الغنيمه ..  بعد أن سبق وهيأت لهم سمو أسباب السعى إلى تلك الغنيمه .. غنيمة السلطه .. فأصبح ” الأحرار “.. بين ” مثالي ” أقرب إلى العقل والمنطق .. يرغب في إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي .. إلى حياه مدنيه صالحه ، وبين “ثوري” مؤمن إيماناً أقرب إلى العقيده  بضرورة ” الديكتاتوريه العسكريه ” لفرض الإنضباط وعدم ضياع أى ” مكتسبات ” تمت .. هكذا كانت .. ” الغوايه ” .

    ومالبث أن بدا في الأُفق بوادر تداعي ” الحُلم “وتصدُع أركانهِ ، بمعاول ومطارق  تلك ” الغوايه ” .. فحدثت أزمة فبراير / مارس 1954 .. وعلى إثرها .. تم الإنقلاب على كل من نادى بعودة الحياة النيابيه و المدنيه بكل صورها .. وعودة ” الأحرار ” إلى ثكناتهم .. فتم إستبعاد و تحديد إقامة ” محمد نجيب ” وحذفه بعد ذلك من كُتب التاريخ .. كأول رئيس .. لِأول جمهوريه  .. وتم إستبعاد ” خالد محيي الدين ” إلى سويسرا ( المنفى الإختياري ) .. ومن قبلهم كان ” يوسف صديق “.. ذلك الرجل الذي لولاه – بشهادتهم جميعاً –  ولولا تحركه بوحدته العسكريه .. ما كان هناك ” أحرار” ولا كانت هناك ” حركه ” ولا ” ثوره ” و لا أى شئ  ..  خرج ” يوسف صديق ” ولم يعُد .. وظهرت مقولة .. ” الثوره .. بتاكل عيالها “

     و يحضرنا هنا سؤال مهم .. هل كان ذلك تمهيداً لكل ما أتى بعده ؟ .. هل كان هناك  سوء نيه أو تخطيط (مؤامره) ؟.. أم إن ذلك كله كان لتوالي و تدافع الأحداث ، أو لظروف وطبيعة الفتره ، وكذلك لطبيعة الأشخاص ؟ .. أما السؤال الأهم ..

 هل ما حدث من  ” الأحرار ” .. لبعض ” الأحرار “.. يعتبر .. من شيم  ” الأحرار ” ؟؟

 المهم .. أيا ما كانت الإجابه على كل تلك الإستفهامات .. بدأت محنة ..  ” المنحه “.. وكانت  ” بداية التحول .. وتحول البدايه ” وتحول كل شئ .. تحول ” الأحرار “.. و تحولت مصر .. وتحول الجيش ، فلم يصبح .. جيش الدوله .. بل .. أصبحت مصر .. دولة الجيش  .

” والحديث موصول .. مالم يُكتب للعمر إفول “

” إستقيموا يرحمكم الله “

بقلم / محمدعلي النقلي

Elnokaly61@gmail.com 

 

شكرا للتعليق على الموضوع