طائر الأحلام “قصة قصيرة”
تاليف : امانى الشرقاوى
أصبح الملل وعدم التغير صفة من صفات الحياة التي أعيشها ، أدلف إلى الفراش في الحادية عشرة استعداداً لاستيقاظ مبكراً ، فصباح الخير يا مصر يبدأ الثامنة ، وعملي كمراسلة يستوجب التواجد بمكان التصوير السابعة ، سمعت نغمات الهاتف تجاهلتها نبهتني والدتي أخبرتها ألا تعيرها انتباها ، تكررت النغمات فأغلقت باب الغرفة ، ماذا يمكن أن يتغير من الليل إلى الصباح فينفض عني التثاؤب الذي أستشعره ؟ الغبار يغمر روحي لا أمل في شيء .
في الصباح وجدت عشرين مكالمة مصاحبة لاسم سالي إبراهيم علي إظهار اسم الطالب ، تُرى من تكون ؟ أجلت الاتصال بها ، حتى انتهيت من العمل المعتاد وعدت إلى مبنى ماسبيرو.
حينما اتصلت بسالي ، جاءني صوت سيدة أجش غير واضح ، مضغم المفردات ، لم أفهم ما تقول فسرعة تدفق الكلام من فمها، جعلني أشك في إمكانيات هاتفي . أعدت الاتصال بها مرة أخرى :
– الرقم ده اتصل بي امبارح كتير
جاءني صوتها بمفردات سريعة متقطعة ، مخارج حروف ممطوطة ، يلحقها تعطيش لحرف التاء فتتوه بين الشين والتاء :
– أيوه كلمتك بالليل فيه برنامج جديد في قناة mbc مصر عن النساء طلبينك
تقدميه من الساعة أربعة الظهر لخامسة
أثارت اهتمامي فأجبتها بانفعال :
– و مين رشحني لكم ؟
-أنا بشوفك في صباح الخير يا مصر كل يوم روعة ، أصحا الصبح عشان اشوفك ، أنت مطلوبة بالاسم أنت عارفة القناة جديدة
تجدد الدم في عروقي بعد استشعاري المتابعة أجبتها :
– معنديش مشكلة
– صورتك في التلفزيون ، منورة لكن متهيألي أنك تخنت شوية
– بألعب في 2كيلو
– إنت عارفة إن التلفزيون بيزود الوزن4كيلو..
– مش عاملة daitاليومين دول .
– عندي تمرين قالت لي عليه الممثلة (سدرة) عارفاها ؟ دي صحبتي الممثلة السورية .
– قمر
– نزلتني عشرة كيلو في كام يوم اتصلي بي لما ترجعي البيت سأقولك عليه.
– لكن نزول الوزن السريع يؤثر في ال face.
– خالص بالحق أنت عندك كام سنة ؟
– خمني .
– معدية الثلاثين .
– تقريباً
– و أنت تقولي عندي كام سنة
تعجبت من السؤال ، فأنا لا اعرفها ولم أرها، لكن صوتها في أواخر الخمسين ، المصارحة في مثل هذه الحالات تفقدني الأمل في الفضائية .. خطر لي أن أجاملها وأقول لها أربعين ، لكن بعض المداهنة لن تضر، بل تزيد فرصة الحصول علي بغيتي ، قلت لها :
– صوتك يقول إنك فوق الثلاثين .
أطلقت صيحة استحسان :
– تمام أثنين وثلاثين سنة بالضبط
أصابتني صدمة مبالغتها قاطعتني سائلة :
– وظروفك إيه متزوجة ؟
– كنت ..
– مرتبطة ؟..
– لا……..
– عندك أولاد ؟
– لا…
– طيب ليه ما بتتجوزيش ؟
– نصيب .
– أنا فرحي الشهر الجاي …
يزداد اندهاشي نبراتها بدت كبيرة ، بمجاملة :
– ألف مبروك
– أنت معزومة ؟..
– إنشاء الله … حتعملي الفرح فين ؟
– في شيراتون المطار .
– الفورمنت
استفسرت عما قلت ، لم تفهم أن اسم الفندق تم تغيره من عدة سنوات ، انقطع الخط أرسلت لها رسالة (عفوا الخط انقطع سأتصل بك عندما أعود إلى البيت)
أخيرا جاءت الفرصة التي طالما انتظرتها ، منذ أن بدأت عملي بالتلفزيون المصري
وأنا احصل على ألف جنيه ، تعاقد بدون تعيين ، أحلم بالفرصة لاقتناصها ، مدربة على مواجهة الكاميرا ، حصلت على كورسات لدى خبراء كلفت والدي الكثير ، بدأت بالإعداد ، حتى انتقلت لمواجهة الكاميرا ، غابت إحدى المراسلات ، لم يكن أمام المخرج إلا أن يضعني بدلاً منها ، شيئاً فشيئاَ ، أصبح لي فقرة صباحية ، أتابع فيها أحوال المرور والذي غالباً ما يكون مثالي لأن الساعة تكون الثامنة .
حاولت الخروج من هذه الفقرة ، وأطور عملي ، لكن حرباً شرسة ألقاها ، فأقبع بمكاني في انتظار فرصة لأنقض عليها .
لكن هذه المرأة غريبة بعض الشيء ، أولا مستحيل أن تكون في الثلاثينيات ، الصوت مرآة كاشفة كالعيون ، مخارج حروفها تتأرجح بين الريفية والسوقية ،
بدت مرتبكة بأول المكالمة لهذا كانت تتحدث بسرعة ، مالي وارتباكها ، أحلم بالخروج من شرنقة التلفزيون المصري و الانطلاق عبر الفضاء ، منى الشاذلي ليست أفضل مني ، ولا رشا مجدي ، ولا رولا خرسا ، المعارف والتربيطات ، ربما حانت الفرصة التي طالما انتظرتها ، خرجت علينا سيدات لا علاقة لهن بالكاميرا ، ونجحن .
سأقول لماما وبابا فقط ، هما يتمنيان لي الخير ، ولن أسال أحداًعن البرنامج الجديد كي لا تفر الفرصة إلى إعلامية أخرى .
أحاطتني الآمال بتغير دفة الحياة لصالحي ، فلم أشعر بزحمة الطريق المعتادة أثناء العودة ، أخبرت ماما وبابا وطلبت منهما الابتهال إلى الله لأوفق في خطواتي . اتصلت بها . كان هاتفها مشغولاً .
أريد أن أظهر بمظهر جديد ، سأغير لون وموديل شعري ، وأحصل على عدسات عسلية ، يجب أن أخفض وزني 2كيلو خلال أيام ، ويوم ال (inter view) سأرتدي بدلة كلاسيك أتيت بها من آخر رحلة بتركيا .
ساعة و سمعت رنة ، يا للعجب ، انتهت أيام الرنات منذ فترة طويلة ، ربما ليس لديها كريتدد ، أتصل بها يأتيني صوتها السوقي الأجش :
– أهلاً ..أهلا آسفة رنيت لان معنديش شحن ممكن تبعتلي كارت شحن
– آه طبعا أقفلي حبعته لك حالاً
ورد خاطر أنها ربما كانت تختبرني إن كنت سأجزل لها العطاء أم لا ، اتصلت بأحد المحلات المجاورة ، اشتريت كارت بخمسين جنيه وأرسلته لها ، واتصلت بها جاءني صوتها مفعم بالسعادة :
– إيه الذوق ده مش عارفة أشكرك ازاي ….اعتبري نفسك بتقدمي البرنامج
– الموضوع بسيط ما يستحقش .
– قولي لي بتجيبي هدومك منين ؟ أنت داخلة مجال منافسة كبير.
– بسافر مع ماما وبابا كل سنة تركيا أشتري ملابس الصيف والشتاء .
– عندي صاحبة بتجيب هدوم من بلاد بره و أسعارها كويسة وممكن تقسط.
– ممكن أخذ فكرة .
– أنت ساكنة فين ؟
– في العجوزة بعد مستشفي الشرطة على النيل .
– مكان حلو .
– و أنت ؟
– في المهندسين عند نادي التوفيقية .
– فين بالضبط
– مبعرفش أوصف .
تهربت قلت لها :
– نتقابل في كافيه الساعة خامسة .
تجاهلت العرض ، وعرجت إلى الحديث عن تمرين معتاد ، أنهته بالرقص خمسة عشر دقيقة ثم ضحكت ضحكة رقيعة صدمتني وتابعت :
– تعرفي ترقصي ؟
بدأ صبري ينفذ :
– كل ستات مصر تعرف ترقص ..
– أنا كنت بأسأل .
– معندكيش صاحبة كده تكون عالموضة زيك تشتغل معانا في المحطة
بدأ حلقي يجف :
– لا .
– بنت خالتك بنت عمك .
– مفيش حد في دماغي دلوقتي .
– طيب يوم الخميس الساعة خامسة حعدي عليك بالعربية علشان نروح المحطة نعمل عقد البرنامج .
أغلقت الهاتف وساورني شكوك تجاهها ، أتأرجح مابين الأمل واليأس ، لهجتها غريبة .
ذهبت لصديقتي الممثلة المغمورة إيناس ، قصصت عليها ما حدث أطرقت تفكر قليلاً ، حادثت نفسها ( الموضوع يحتاج خطة جديدة) ؛ ثم طلبت رقم سالي من هاتفها ؛ وأطلقت الميكرفون لأسمع الحديث ؛ ارتفع صوت أمل عن المعتاد ، وبسوقية شديدة :
– ألووو …. ألووو غادة …أزيك يابت إنت مبتسأليش ليه
– أيوه …أيوه ..مين الحقيقة أنا مش واخدة بالي .
– أنا سلوى يابت ….أنت غادة ولا مش غادة صوتك متغير .
بعد تردد أجابت :
– أيوه أيوه أنا غادة بس عندي شوية برد وأخبارك إيه وأخبار الحب ايه ؟
تبادلتْ مع أمل نظرات الدهشة تابعت أمل حديثها :
– زي ما انت عارفة كله زي ما هو .
– ده أنا عندي لك حتة واحد ..
– وعمر أسيبه لمين ما أنت عارفة …
– ياختي .
– انت عارفة هو شبه مين؟
-مين ؟
– كريم عبد العزيز الممثل ..
– يا وعدي …طيب أقابله فين عايزة كافية يكون صغير محدش يشفنا ولا أجيلك منقبة ..
– زي ما انت عايزه ، طب ما تيجي عندي البيت ..
– لا يا شيخة لا يجي حد ..
– حد مين أنا لوحدي …؟
– بس حترَّوقي لنا القاعدة تيجيبي لنا الأصفر والبُني والأبيض ؟
– طبعاً …
– بس انت حتطلعي بإيه ؟
– يعني مش مشكلة ….خدمة .
– لا ازاي لازم أعمل معاك واجب ..
بصوت خافت متردد :
– ممكن أطلب منك حاجة ؟
– أنت تؤمري .
– ممكن تشحني لي كارت موبيل ؟
– بكام …؟
– مية .
– عينيه … حالاً …
أغلقت أمل الهاتف ، مرددة ( نصابة أملها في الحياة كارت شحن ) .
قصة قصيرة