نهى أبو عمرو تكتب :تجربتي بعد عشر سنوات حصار
بعد عشر سنوات حصار عايشتها كمواطنة فلسطينية بكافة تفاصيلها من ظروف صعبة اقتصادياً وسياسياً ومعيشياً وحروب خضناها دفعنا فيها كفلسطينيين ومواطنين في قطاع غزة أغلى ما نملك من دماء شهدائنا وآلام جرحانا وأحزان أمهاتنا والحنين إلى منازلنا التي دمرت ، وكانت تحمل أجمل تفاصيل أيامنا ولم نستطع حتى اليوم إعادة إعمارها .
أما عن السياسيين فسأتحدث وبدون حرج وسأقول أنه برغم معاناتنا وآهاتنا كشعب وما دفعناه ضريبة لفلسطين والقضية من دماء أبنائنا لم تكن كفيلة عند ساستنا أن يجمعوا بقرار واحد ويضحوا من أجل شعبي المحاصر ومن أجل حياة كريمة لهم، فما عشناه من ظروف صعبة وتجارب سياسية فاشلة لم تشفع لشعب بأكمله بأن ينظفوا وصمة العار التي كانت ولا زالت على جبين كل فلسطيني، ألا وهو اِنقسام شعب كان علامة بارزة في المقاومة ضد المحتل، ويشهد له كل العرب بسنوات كفاحه وبطولاته أمام المحتل الاسرائيلي، اما الآن وبفضل من اِخترنا أن يمثلوا رغباتنا وتطلعاتنا من الساسة الذين جلسوا على طاولة المصالحة لأكثر من مرة وفي أكثر من دولة عربية تبنت قضية إعادة لم الشمل الفلسطيني ولم يكن همهم على تلك الطاولة سوى ما يقدم لهم من أفخم المأكولات تاركين ملف شعب يعاني ويجوع وتهضم حقوقه بسبب تبعات اِنقسامهم السياسي على قائمة الاِنتظار إلى ما لا نهاية لاهثين خلف مصالحهم ومكاسبهم الشخصية والحزبية وأرصدتهم البنكية التي هي من حق كل طفل فلسطيني لم يستطع أن يشتري له والده طعامه لضيق الوضع الاِقتصادي واِرتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار، فبسبب كل هذا تحولنا في نظر العرب من أبناء جلدتنا من شعب مكافح إلى شعب ميت وغير قادر بأن يفرض رغباته وتطلعاته كما حال بقية الشعوب العربية التي غيرت خارطة نظامهم السياسي عندما هضمت حقوقهم وأن يحاسب كشعب قياداته السياسية على كل الظروف الصعبة التي فرضوها عليه ولم يجدوا لها حلولاً خلال عشر سنوات تكبدنا فيها ما لا نطيق تحملها صغيرنا قبل كبيرنا وعزائنا في ذلك أننا كفلسطينيين كتب علينا أن ندفع فاتورة كفاحنا ضد المحتل، ولكن غير مطالبين أيضاً بأن ندفع فاتورة اِنقسامهم السياسي .. بعد عشر سنوات حصار ذقت فيها ورأيت فيها كإعلامية فلسطينية ما لا أطيق ذرعاً تواطئاً وتخاذلاً وزيادة معاناتنا لنصبح بذلك شعب يعاني من احتلال أذاقه الويلات على مدار سنوات كفاحه، ومعاناة اُخرى فرضها علينا ساستنا وقياداتنا اُضيفت إلى فاتورة كفاحنا ضد كل تجار الوطن والقضية التي لم تعد على سلم أولويات أحد إلا من رحم ربي فلطالما آمنت كشابة فلسطينية كبقية الشباب في القطاع المحاصر وقبل آخر أحداث عايشتها بفكرة أن نهاية المأساة التي نعاني منها وتحديداً في غزة من إغلاق معبر رفح البري وانعدام فرص الحياة لنا في وطننا إلا بفكرة التغيير التي لن تبدأ إلا من خلال روح الشباب والشعب ولكن شعبي المغلوب على أمره والمحكوم من حديد ونار لم يستطع حتى اللحظة أن يقر بحتمية التغيير وعما يجول بخاطر كل مواطن بالمطالبة بحياة أفضل والحديث بها في غزة تكاد تكون فكرة مشبوهة أو طرحها تحمل كثير من القلق والمخاوف لأنها ستجلب الكثير من المشاكل على رأس كل من سيقف أمام حكوماته ويطالبهم بحلول أو حتى تحسين أوضاعهم سيتبعها كثير من الاستدعاءات ترسلها أجهزة أمنية تخاف من ترويج هذه الفكرة بين صفوف الشباب وتخاف من صحوة الشعب لأن صحوة الشعب تعني أن يفقدوا الكثير من مصالحهم التي ينتفعون منها والضحية في ذلك هو المواطن المقهور الأمر الذي دفعني بأن أخرج من الشعب الذي لطالما كنت شاهدة على معاناته التي رصدتها خلال عملي كصحفية من غزة وأن أتحدث بلسان كل المقهورين من أبناء بلدي، وأن أكون نموذجاً لكل شاب غزي يطمح بحياة ومستقبل أفضل بأن لا يخاف من أحد لأن دمار مستقبله محقق إن لم يتكلم فإما سيبقى يعاني ولن يستطيع تحصيل قوت يومه أو سينتظر حرباً جديدة قد يكون فيها على قائمة الشهداء أو الجرحى، لذا تحدثت بجرأة وبدون خوف من تبعات ما سيحدث معي عندما قررت أن أقف أمام حكومة وأطالبهم بأبسط حق يمنح لأي مواطن في العالم ألا وهو الحق بالسفر بدون أن اُستغل مادياً نظراً لصعوبة أوضاع المعبر واستمرار إغلاقه ولم يكن الشعب مجبوراً لتحمل مشاكل حكومته في رفض التعامل والاعتراف بها على المستوى الدولي أو العربي ولم يكن مجبراً بأن يدخل في كل هذه المهاترات السياسية وكان الأولى على تلك الحكومة أن توجد الحلول لكل أزماتها كي يعيش المواطن البسيط وأبناؤه وأن يستطيع تحصيل قوت يومه لهم لا أن تكون عبئاً على شعبها وتحمله أزماتها وتحدثت عندما طرحت تلك القضية بعفوية الجماهير ذلك المصطلح المعروف في عالم السياسة انه يحمل كثير من العاطفية السياسية، وكما يحمل من المميزات يحمل سلبيات خاصة.
إن المتحدثين الذين يغلب عليهم استخدام هذا الاسلوب هم من لم ينشئوا في حزب سياسي ولم يكونوا على علاقة بأي من التنظيمات السياسية وتغفل عنهم القاعدة السياسية التي من المفترض أن يتبعوها بضرورة التمييز بين الوقت المناسب للهجوم من أجل الدفاع عن القضية والوقت المناسب للهدوء لتحقيق مكاسب سياسية وشحذ الأفكار لإعادة طرحها وبقوة من جديد ..
بعد عشر سنوات حصار طرحت قضية مأساة معبر رفح البري الذي يحمل كثير من التناقضات فعلى بوابته تكن فرص الحياة لمريض وفرصة موت لمريض آخر لم يستطع تجاوز تلك البوابة وفرصة أمل لطالب سيتجاوز تلك البوابة لإكمال دراسته وضمان مستقبله العلمي واِنهيار وتحطم آمال كثير من الطلبة الذين لن يستطيعوا تجاوز عتبة تلك البوابة السوداء وفرصة لقاء لزوجة أو لفتاة تريد أن تجتمع بمن تحب سواء كان خطيباً أو زوجاً ويبقى المخرج طلاق و انفصال لفتيات وزوجات منعتهم تلك البوابة من اللقاء تماما كما حدث معي .. فبعد عشر سنوات حصار كنت أعلم وأعي تماماً أنني بالنهاية سأنتصر رغماً عن كل التهديدات والمضايقات والاضطهاد الذي تعرضت له في بلدي ومنعي من السفر لمجرد أني تحدثت عن تجاوزات تحدث ويستغل بها شعباً مناضلاً ومكافحاً لم يستحق أن تضاف على قائمة معاناته أن يبتز مادياً من قياداته وحكوماته وانتصرت في طرح هذه القضية وخسرت أيضاً، ولكن هذه الخسارة فتحت لي بوابة أمل جديدة بتحقيق طموح طال انتظاره في مجال عملي، وأن لا أكترث كثيراً لما فقدته أثناء دفاعي عن هذه القضية التي كانت ولا زالت على سلم أولوياتي ولن أتوقف عن طرحها برغم كل محاولات تشويه صورتي بحملاتهم المنظمة أو محاولات الاستهزاء مني كي لا أكون نموذج وصحوة لكثير من الشباب بعدي لمجرد أني قلت وتبنيت ودافعت عن هذه القضية باستماته وكنت على استعداد أن أضحي بكل شيء من أجل أن تصل تلك الفكرة وأن تحل لأجل أجيالنا القادمة وعندما تبنيت قضية جديدة ألا وهي فكرة تحسين صورتنا كشعب بعيداً عن كل الأحزاب السياسية أمام المصريين وصورة أطيب وأعرق شعب وهو الشعب المصري بعيون كل الغزيين تعرضت لهجمة منظمة ضدي وبتزوير صفحات تحمل اسمي كي لا أنجح في أن يسمعني أحد من أبناء غزة وأتساءل لماذا كل هذه الهجمة عندما تبنيت تلك القضية والتي بدأتها من مصر وأتحدث عنها بكل من ألتقي بهم من أبناء الشعب المصري، ومن المستفيد باستمرار تدهور وسوء العلاقات السياسية بين مصر وغزة ؟ والمتضرر بالتأكيد هو كل مواطن في غزة لأنه هو من يمنع عنه الخروج من تلك البوابة، أما قيادة حماس السياسية لم يمنعوا هم وأبنائهم من السفر والاستقرار بالخارج، وإن دل هذا على شيء فلا يدل إلا على أن المصريين لا يمنعوا أحد من السفر أو التنقل حتي لا يمنعوا من يختلفوا عنهم فكرياً وسياسياً ولكن حقهم أن يطالبوا بجهة شرعية وممثلة للشعب الفلسطيني ومعترف بها أمام المجتمع الدولي بأن تمسك زمام الأمور في معبر رفح لإعادة فتحه على مدار أربعة وعشرين ساعة حتى وإن طبقوا نظام وآلية معبر إيريز على نفس آلية ونظام معبر رفح البري عندها ستحل تلك الأزمات فيما لو تنازلوا وكانوا معنيين بذلك من أجل مصلحة الشعب في القطاع المحاصر ..
بعد عشر سنوات حصار تجاوزت معبر رفح البري وللمرة الاولى التي أسافر فيها وأغادر القطاع الذي دخلته مع عائلتي وأنا طفلة أبلغ من العمر 6 سنوات، ولم أخرج منه إلى ذاك الوقت بدأت رحلتي باكتشاف العالم الآخر الذي غُيب عني نحو تحقيق الذات ومستقبل أفضل من أجل خدمة قضايانا الوطنية والجوهرية أهمها القدس ومعاناة أبناء غزة التي لن تغيب عني مهما فصلت بيني وبين أرض الوطن آلاف الأميال وسأقرأ السلام من أهل غزة المحاصرة على كل بلد ومكان سأزوره في غمرة اكتشافي للحياة هناك وعلى كل مواطن عربي حر وشريف لا زال يؤمن بقضيتنا العادلة، وسأقول لهم أن أرض غزة وشعب غزة برغم الآلام والحصار والمعاناة يحبون الحياة ما استطاعوا إليها سبيلا وسيحيوا رغماً عن أنوف من يحرمونهم من فرص الحياة.