وليد صلاح يكتب : ما معنى أنقاذ الجيش للدولة او تدخل القوات المسلحة لحل الأزمة؟

هذا ما تعيشه البلاد على نحو 3 سنوات و مُخطط له أستمراره فى رأى الشارع المصرى حوالى 10 سنوات آُخرى، و لكن هذا يطرح الأستفسارات و التساؤلات .. هل هذه التجربة مدروسة جيداً؟! هل مُخططة جيداً؟ و لها أستراتيجية مُمَنهجة ذات مرجعية ناجحة و مُجربة سابقاً؟ …

و هنا تَبرُز التجربة الأسرائيلية التى مضى على بدءها 50 عاماً بالتحديد بعد أنقطاع تغذية و دعم فرنسا لها بالصناعات الثقيلة و الأسلحة نتيجة لغضب شارل دى جول وقتها ذاك “فى عام 1967 لعدم مشورته فى غزو مصر”، و نتيجة لذلك عكفت إسرائيل علي سياسة جديدة في محاولة لتطوير و إنتاج حاجاتها من جميع أنواع الأسلحة و أدي هذا الشعور المُلح بضرورة تحقيق الاستقلال عن الموردين الأجانب إلي ثورة صناعية لا سابق لها فى المنطقة بل بالعالم كله، و العجيب ان ما كانت تستند عليه من قوة موارد بشرية لا يتعدى الـ 3 مليون نسمة و مُتأثرين جميعاً بكم شديد من ضغوط ناتجة عن التهجير و السفر و فقدان للوطن و غيرها من ظروف ناتجة عن ميولهم المسيطرة الصهيونية و المتآمرة، و الأغرب فى الأمر هنا انه أثناء هذة الطفرة التى أدهشت العالم كله تمكنت اسرائيل من هزيمة مصر فى حرب 67 وقت ما كان التِعداد السُكانى لمصر ما يقرب لـ 40 مليون نسمة، رغم أعلان الرئيس عبد الناصر عصر الروبوت فى الصناعة و عصر القوة الأصلاحية من خلال المجتمع المدنى و التجارة الحرة .. و لكن بكل آسف بعد كل هذة الطلقات النارية لم يشهد اى أنجاز صناعى او تُجارى بل تصلطت الأضواء على رد عبد الناصر على النهضة الأسرائيلية بمجانية التعليم، السد العالى هو لا يعتبر عمل صناعى على الأطلاق، تأمين الصحى، إدخال الفلاحين للبرلمان، كرم المراة بصوتها الأنتخابى، عزز بث الأذاعة و التليفزيون، اما بالنسبة للنهضة الصناعية التى توعد بها تكريماً للشعب او رداً على نهضة أولاد العم كانت أقامة 1200 مصنع، كل ما ذكر كانت أنجازات ضخمة ترفع لها آلاف القُبَاعات للرئيس عبد الناصر، و لكن فى عام 2016 ننظر نظرة تأملية لنتاج كل هذة الصناعات و الأنجازات و نقيص مدى أستمراريتها، فنرى الثبات بَل الأرتقاء و التطور فى التجربة الأسرائيلية رغم خوضها عدة حروب مع أغلب بلدان المنطقة مثل فلسطين و الأردن و سوريا و لبنان و مصر إن كانت حروباً مباشرة او حروباً ناعمة، و لكن فى مصر رغم أستقرارها الأمنى الخارجى بعد عام 1973 تحديداً بعد حرب أكتوبر 73 و أنفتاح الرئيس السادات و عصر الأمن الثلجى فى عهد الرئيس حسنى مبارك .. نرى المفاجأة المُلفته للأنتباه، و هى عدم أستمرارية هذة المصانع و الصناعات التى أقيمت ضمن الـ 1200 مصنع و المزودين بالعشرات الأخارى بل المئات فى عصرى الرئيس السادات و الرئيس محمد حسنى مبارك، بل نرى السقوط لهذة المصانع العملاقة او أنتكاستها المالية المتمثلة فى التفليس او جفاف و تآكل الأصول الخاصة بها، مما نتج عنه مشروع الخصخصة و الدمج و غيره من محاولات أصلاح صناعية، و بعد ثورتى يناير 2011 و 30 يوليو أطلقت العديد من المبادرات الحكومية و المدنية و على رأسها المؤسسة العسكرية المتمثلة فى القوات المسلحة بجميع أجهزتها .. و لكن من هذة الزاوية نستطيع ان نقييم .. هل نكرر نفس التجربة التى نتج عنها الفشل أثناء النهضة بالـ 1200 مصنع ام ننتهج التجربة الأسرائيلية التى نتج عنها الأستمرارية و الثبات و الأرتقاء الذى آدى الى النهضة الذاتية !! لذا يجب ان نلتفت للقائمين على التجربة و هو المواطن، و نقارن بين النوعين من المواطنين .. المصرى و الأسرائيلى.

تبرز نظرية المواطنة و الولاء و الأنتماء و صفات عديدة و التى ايضا من المهم رصدها، فنرى المواطن الأسرائيلى يدافع عن قضية بقاءه ووجوده أساساً، الوطنية او الرغبة عنده فى المواطنة لا تحتسب بل تعدى الأمر للأكثر بكثير .. و هو فكرة وجوده و وجود أولاده و نسله، يحفر و يزغرف قواعد عقيدته فى وطن هو من حدد حدوده و عادى العالم كله لأجل وجوده، و إذا عُرض عليه عقود العمل بملايين الدولارات او الريالات فلا يتزحزح عن مشروعه القومى و العقائدى و الدينى و الفكرى و .. و..، فهو فى حرب حياتية و هى الأهم من الحرب الجبهية ذات الأسلحة و الدبابات و الصواريخ، انها حرب البقاء فى حد ذاتها، لذلك أستمرت نهضتهم فى الصناعة و مساندة القوات المسلحة لشعبها فى البدايات لرجال الأعمال و المستثمرين و غيرهم من الصناع بل تمادت هذة المساندة للوجود الأساسى لتلك القوات المسلحة و الجيش لأى عمل او صناعة او تجارة او حتى سياحة فى دولة اسرائيل و المدهش فى الامر ان هذا الواقع قائم بكل التراضى و الرضى بين المواطن و الجيش، و ثبتت التجربة الأسرائيلية نجاحها منذ أنطلاقها عام 1967 حتى الآن فى 2016.

و عندما نرى المواطن المصرى بكل آسف أندثرت فى السنوات القليلة وطنيته، إن كان هذا فى العصر الثلجى للرئيس مبارك او حتى بعد الثورة، فهناك العديد من المواطنين و هم ليس بقليل من الأعداد لا يلتفتوا لمصلحة وطن و أقتصاده المنهار جراء فساد العصر الثلجى او التخبط الناتج عن الثورتين و الأستغلال المُحيط من التُجار و الصُناع و الأنفلات الأمنى و الحكومى و .. و .. ، أصبح المواطن الموصوف منذ آلاف السنين بالعديد من الصفات المُخيفة فى الوطنية و القوة فى الحماية و الأنتماء و غيره من صفات فريدة و حصرية بالمواطن المصرى .. أصبح المواطن الذى يبحث عن أدنى قيمة لعقد عمل و لو بربع دخله (المهدد) فى مصر، بل يبحث عن اللجوء الأنسانى فى الدول الأسكندلافية و الأمريكية هرباً من أنعدام الدخل هنا فى مصر، يبحث عن السفر دون رجوع حتى إذا أستدعى الأمر عدم العودة لدفن أمه و أبيه و أولاده او حتى حبيبته التى يسعى من أجلها و يبحث عن الأموال و الرزق لزواجها، فجأة .. دون ندم و لا تراجع، و بكل رضا و تصالح مع النفس يسعى المواطن المصرى للهجرة او اللجوء السياسى او الأنسانى.

نلفت الأنتباه هنا .. و واجب ان نضيق المقارنة، فلماذا دولتين فى نفس المنطقة الجغرافية و بينهم القليل من الحدود لها نفس الظروف الأمنية، دولة مهجنة مطاردة من كل من محيطينها و مقاومة من الجوار، و دولة آخرى عمرها أكثر من 7000 سنة لها حدود جغرافية مطمع من كل المحيطين و الشرق و الغرب، دولة أثبتت ثباتها و نهضتها الصناعية و الأقتصادية و التجارية و السياحية مثل دولة أسرائيل و دولة آخرى بدأت نفس مقصدها من النهضة و لكن دائماً متدنية أقتصادياً و خاسرة فى صناعتها بمصانعها و سياحتها دائماً مهددة و تجارتها غير مستقرة.

تتعدد الأسئلة هنا فى .. هل المواطن هو العديم للوطنية و لا يعنى له الوطن و الضمير و الولاء و الأنتماء و العروبة شىء و يعنيه فقط لقمة العيش أينما كانت؟

هل مفهوم النهضة متغير بين الدول و بعضها مما نتج عنه الوضع الحالى من النهضة الغير مصدقة فى البلاد او فشلها بالمفهوم العالمى الخارجى؟

هل الدوافع الوطنية فقط لا تكفى و يجب تعزيزها بدوافع عقائدية و دينية؟

هل الشرط أساسى فى النهضة هى الخوف من فكرة البقاء فى حد ذاته او الطرد من الأرض و التهجير مثلما يحدث مع أولاد العم؟

هل هى حالة فشل فى أستيعاب حجم المشكلة مما دفع العديد بالعبث و أستغلال النهضة و الأستفادة قدر الأمكان منها بشكل شخصى و أُحادى المصلحة دون أعتبار البلد و ما سيتتأثر به من أستغلال و أحتكار و خلق أزمات و غيره و غيره …

تعددت الأسباب و النتيجة هى واحدة .. منذ عام 67 نهضة الرئيس عبد الناصر الذى وعد بها رداً على ولاد العم لم تتحقق لا على يده و لا فى عصر خليفه الأنفتاحى و لا حتى فى العصر الثلجى بزعامة الرئيس حسنى مبارك و لا أخيراً (حتى الآن) على يد مُتبعى منهج و أستراتيجيات الملك محمد على الألبانى قديماً إن كانوا يَعنوها.

بقلم : وليد صلاح منصور

شكرا للتعليق على الموضوع