تحت الشتي ” قصة قصيرة “

صباح الخير يا شام …..

كلمات صباحية بنكهة الصوت الدمشقي الذهبي تنبت من المذياع ،لتمنح الشتاء دفئه وتعلن بدء ولادة الحياة بعيني “أحلام “.

وما يلبث أن ينبت صوت فيروز الملائكي ليغني بعذوبة بشرية :

(بديت القصة تحت الشتي…بأول شتي حبوا بعضون …)

مع صخب تراقص خطواتها بين هنا وهناك ومع رائحة الأفيون الصباحي و وشوشات حبات المطر التي تتحرش بقضبان النافذة الزجاجية .

تشرع أحلام باستقبال يومها المنتظر، وكعادتها تجلس قرب النافذة الزجاجية  بحضرة جريدتها اليومية  تتبع عرس الشتاء ووصالها مع جوع الأرض .

تقلب صفحات الجريدة بأصابع عاشقة لتتوطن بالصفحة ما قبل الأخيرة عند الزاوية العمودية اليسارية بالذات تقرأ بنهم  ما كتب اليوم فيها من حروف طبعت ليتقاسمها العشاق .

 فرغت من الجريدة أخذت تدندن بصوت خجول مع أغاني فيروز … نظرت بصبر مستنفذ للساعة الخشبية المعلقة على الحائط ..

 حدثت نفسها :آه الوقت مازال باكراً.. تنهدت بخيبة وتساءلت ماذا سأفعل؟

أطرقت رأسها للحظات ،أشاعت بنظرها بأرجاء الغرفة وصاحت فجأة بحماس هاأنت … وتناولت كتاب مذكراتها الأحمر .. فتحته بشوق ..

قبلته وهمست له: أنت هو الطريقة المثلى لتبديد ساعات انتظاري.

قلّبت أوراقه بحنين وتوقفت عند ورقة كتب عليها تاريخ 14-2-2009 وقرأت:

اليوم التقيت شاباً في حفلة زفاف قريبتي…. كان لطيفاً معي ، عرض عليَ إيصالي للمنزل بسبب اشتداد المطر .. وجدته مميزاً .. لبقاً .. تحدثنا بحرية خلت من حواجز خجلي …

قدم لي أفكاره بسلاسة ،،أحببت اختلافه  ،بل الكلمة المناسبة حقاً كان يشبهني جداً بقدر ما كان يختلف عني..

 لا أعرف كيف تطورت الأمور بيننا ولكن غداً لدينا موعد سويةً وأنا سعيدة.

5-9-2009 : أحب وجوده بحياتي .. لقد صنع عاداتي وأعاد تشكيلها من جديد .

10-1-2010 اليوم عيد ميلادي .. استيقظت على نبرة صوته دعاني للإحتفال  سوية ، خرجت لأجده أمام منزلي ….جاور خطواتي …أخذني لمقهى معلق على جبال قاسيون  نظر إلي  بطريقة مختلفة ،أمسك يدي وشوشها بكلمة صامتة وثم قبلها، أهداني وردة حمراء ، منحني شعور أنني مميزة ، عاملني كأميرة.. كنت كطفلة نسيت ما لقتنها أمها من تصرفات لبقة ، فقدت إدراكي بما حولي…

رأيت دمشقي لأول مرة كخريطة ململة جميلة بطريقة جديدة .

 قال لي أحبك …. تجمدت .. نسيت حروف كلماتي .. لكني أعرف أنني أحبه أيضاً .

2-4-2010 : غريبٌ هو الإنسان لا يشعر بفقره وحاجته للحياة إلا عندما يكتشف أنه ببساطة كان خارج الحياة !!!

إنني الآن مدمنة عليه إنه يطرق أفكاري .. يستملكها .. يفجر الخجل المورث في نفسي .. يعصف بمقاومتي .. آه .. حتى لو كنت أدري أن الحب  شر لما جانبته .. ولو أنه كتاب لقرأته .. ولكن للحب إله  فعبدته!

5-1-2011 :الساعة 4:00 صباحا.

صرخ رنين هاتفي بسكون منزلي مبدداً ظلمات ليلي أرعبني صوته القلق قبل أن أسأله عن حاله بادرني :أتتزوجيني !!

 لا يكاد عقلي يقوى على استيعاب الأمر .. أسأل نفسي.. إنها أحلامي هاهي ترى نور الخلاص .. لماذا؟ .. لماذا يقولون أن الحياة قاسية ؟! .. لماذا وصف الحب بالمستحيل الذي لا يكتمل.. وافقت …

قلت : نعم !!

 اتفقنا أننا سنذهب الأسبوع القادم لزيارة عائلتي خارج دمشق وسنعود ..

 ويكون يوم 14-2-2011 تاريخ اليوم الذي دخل به لعالمي .. وسيكون تاريخ اليوم  الذي أعلن وجوده بحياتي ..  بخاتم ذهبي أضعه بأصابعي …..

تنهدت أحلام بحنين مطبق على صدرها ! قلبت الصفحات للوراء كمن يقلب ماضيه بأصابع مرتجفة وقلب متجمد رعباً من لقاء قد يعذبه …

قرأت بأنفاس مكبوتة :1-2-2011 .

أبتاع لي خاتم نقش عليه كلمتين  (كوني لي ) .

اشتدت الشتاء .. يستطيع المرء سماع صرخات مخاض الرياح من الداخل .. تنظر أحلام للخارج … أعتذر منك أيها الشتاء إنه يوم حبي .. لن أقلق من أمرك اليوم..

ألتفت للروزنامة على الحائط .. أنه تاريخ يومهما المعهود .. 14-2-2011

تنظر أحلام لعقارب الساعة تتراقص أمامها باستفزاز .. تحدث نفسها: أحان الوقت ؟؟

ترتدي أحلام أجمل مالديها .. تتجمل .. تتنهد برضى .. تسير بتثاقل لغرفة النوم تبحث عن شيء ما .. تجده .. بين طيات غطاء سريرها .. تحمل بيدها خاتم ذهبي وتهم لتخرج وما تلبث تلتفت أحلام وراءها وتدنو بخطوات حزينة لتلتقط جريدة مفتوحة على صفحة باللون الأسود والأبيض كتب عليها بخط عريض …

تساقط غزير للأمطار بمدينة دمشق يؤدي لتدهور سيارة خاصة مما يسفر عن وفاة شاب و تعرض خطيبته لإصابة خطيرة بساقها!

حملت أحلام الجريدة .. نظرت إليها بعينين مسافرتين ووضعتها بالدرج ..

 لبست خاتمها بأصبعها ..ومن ثم انحنت وتناولت عكازها الخشبي .. اتكأت عليه .. متجهة نحو الباب عجولة لموعد يومها المنتظر.

ناديا الاحمر

تاليف : ناديا الاحمر- سوريا

شكرا للتعليق على الموضوع