هل يمكن أن تعيش على نوع واحد من الطعام؟

نُنصح دائما بضرورة تنويع نظامنا الغذائي، لكن ماذا إن اضطررت لتناول طعام واحد فقط، ما هو الغذاء الذي يمكن أن يُبقيك على قيد الحياة لمدة أطول من غيره؟

“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، ليس هذا مجرد قول مأثور، وإنما حقيقة تعود إلى عدة أسباب؛ أحدها أن من سيخوض هذه التجربة البسيطة، سيعاني من نقص في فيتامين سي بعد نحو شهر.

على أي حال، يُعد النظام الغذائي الأفضل هو ما يحتوي على قدرٍ كبير من التنوع في الأطعمة، بما يضمن حصولك على كل العناصر الضرورية، بدءا من فيتامين “سي” ومرورا بعنصر “الحديد”، وصولا إلى حمض اللِّينولييك، دون أن تكون حتى مضطرا لأن تشغل بالك بذلك.

حتى الأنظمة الغذائية التي تَعِدْ من يلتزمون بها بفقدانٍ سريعٍ للوزن – بطرق غير صحية عادة – والتي تركز على تناول عدد محدود من الأطعمة أو على الامتناع عن أنواع محددة منها، تحاول أن تضمن توفير الغذاء الكافي للجسم.

لكن في حالة اضطرارك للاعتماد على لونٍ واحد من الطعام ليس أكثر – وهو سيناريو مستبعدٌ بشدة – هل هناك أطعمة أكثر اكتمالاً وشمولية من الوجهة الغذائية من غيرها؟ هل بوسعك الحصول على كل العناصر الغذائية الضرورية بالنسبة لك من تناول البطاطس، أو الموز، أو الأفوكادو، على سبيل المثال؟

بداية؛ هناك أمر واحد مؤكد في هذا الصدد، ألا وهو أن قائمة أنواع الطعام المرشحة في هذه الحالة لن تتضمن اللحوم، أو غالبية أنواع الفواكه والخضروات.

فاللحوم تفتقر إلى الألياف وكذلك إلى غالبية الفيتامينات والعناصر الغذائية الرئيسية. أما الفواكه والخضروات، فرغم إمكانية احتوائها على فيتامينات، فهي لا تحتوي – بأي حال من الأحوال – على قدرٍ كافٍ من الدهون أو البروتينات، حتى وإن تم تناولها بكميات كبيرة.

على أي حال، لا يحتاج الجسم – كما قد تحسب – للكثير للبقاء على قيد الحياة، ولكنك تتجاهل ذلك، رغم ما ينطوي عليه هذا التجاهل من خطورة.

وقد سبق أن كتب مستكشفٌ للقطب الشمالي يُدعى فيلغالمر ستيفانسون عن ظاهرة تنتشر في تجمعاتٍ سكانية في شمالي كندا، يُطلق عليها اسم “المجاعة التي تسببها الأرانب”.

وتتمثل في معاناة من لا يتناولون سوى اللحوم قليلة الدهون بشدة مثل لحم الأرانب من أعراض “الإسهال بعد نحوٍ أسبوع، مصحوباً بصداع وإرهاق ووهن، وكذلك حالة مبهمة من الضيق والانزعاج”.

وأشار ستيفانسون إلى أنه يتعين على من يعانون من هذه المشكلة تناول قدرٍ من الدهون لتجنب خطر الموت بفعل سوء التغذية.

ويُعتقد أن حصول المرء على كل السعرات الحرارية التي يحتاجها من تناول البروتينات، دون الحصول على أي قدر يُذكر منها من الدهون والكربوهيدرات، قد يقوض قدرة الكبد على إفراز البروتين.

وفي ظل استبعاد اللحوم وغالبية الخضروات من قائمة الأطعمة المرشحة لأن تشكل بمفردها خياراً يستطيع المرء أن يعيش عليه وحده، وهو أمرٌ مفاجئٌ قليلاً، ليست البطاطس اختيارا سيئا في هذا الشأن كما قد تحسب، حسبما تقول أخصائية التغذية جيني جاكسون من جامعة غلاسغو كالدونيان.

وقد كتبت جاكسون العام الماضي بشأن تجربة خاضها استرالي يُدعى أندرو تايلور، وتمثلت في قضائه عاماً كاملاً لا يتناول سوى البطاطس. ورأت جاكسون أن تلك المحاولةً حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، سعى من خلالها تايلور لإنقاص وزنه واكتساب عادات صحية أفضل.

وتقول جاكسون إن الأمر الذي يجعل للبطاطس خصوصية في هذا المضمار، هو احتواؤها على البروتينات بكميات غير معتادة بالنسبة لغذاءٍ نشوي، وكونها تحتوي على مجموعة واسعة ومتنوعة من الأحماض الأمينية. رغم ذلك، لا يوفر تناول ثلاثة كيلوغرامات من البطاطس يوميا، سوى ثلثيّ الكمية التي يُنصح شخصٌ في وزن أندرو تايلور بتناولها.

ورغم أن تايلور أدرج في نظامه الغذائي البطاطا الحلوة، ليحصل منها على فيتامينيّ “أيه” و”إي” وعلى الحديد والكالسيوم، فإن ذلك لا ينفي – كما لاحظت جاكسون – أن نظاماً غذائياً مثل هذا لن يلبي احتياجات المرء بالكامل من مجموعة فيتامينات “بي” ومن الزنك وغيره من المعادن.

لكن تايلور نجح في واقع الأمر في فقدان جزءٍ كبيرٍ من وزنه خلال تجربته تلك التي استمرت عاماً، واجتازها دون أن يصاب بأذى يُذكر.

وعلى أي حال، فمن المعتاد أن يرد ذكر البطاطس في النقاشات التي تدور حول مثل هذا الموضوع. فقبل سنوات، كتب قارئٌ إلى عمود تخصصه صحيفة “ذا شيكاغو ريدر” الأمريكية الأسبوعية لأسئلة القراء ويحمل اسم “ذا سترايت دوب”، سائلاً عن صحة ما إذا كان بوسع المرء فعلاً أن يحيا على البطاطس والحليب وحدهما أم لا.

ربما يبدو ذلك سؤالا وجيها، في ضوء ما يُقال عن أن الناس في إيرلندا كانوا يتغذون على البطاطس وحدها تقريباً، قبل حدوث ما يُعرف بـ”مجاعة البطاطس الإيرلندية” في القرن التاسع عشر.

وقال سيسل آدامز كاتب ذلك العمود الخاص بأسئلة القراء إن تحليله للأرقام والبيانات المتعلقة بهذا السؤال أفاد بأن تناول المرء كمياتٍ كبيرة من البطاطس والحليب سيمنحه غالبية العناصر الغذائية التي يحتاجها جسمه، باستثناء عنصر الموليبدنَم المعدني. لكن يمكنك تعويض هذا النقص والحصول على كل ما تحتاجه من هذا العنصر من خلال تناول بعض من دقيق الشوفان.

واسترسلت الإخصائية جاكسون في الضحك عندما استمعت إلى هذه الرأي، قائلة: “هذا هو نظامنا الغذائي، إنه النظام الغذائي الاسكتلندي منذ مئة عام، وهو ملائمٌ لتحقيق هدفه تماما. البطاطس، والحليب، ودقيق الشوفان، وبعض نبات اللفت كذلك”.

من جهة أخرى، وبعيداً حتى عن النظر إلى الأمر من زاوية التغذية وحدها، ثمة مشكلات أخرى تَحُدُ من إمكانية اقتصار النظام الغذائي للمرء على نوع واحد من الطعام فقط. فلدى البشر آليات داخلية في أجسامهم لتجنب حدوث وضعٍ مثل هذا (نظراً إلى أن ذلك سيقود على الأرجح في نهاية المطاف إلى الإصابة بسوء التغذية).

ويبدو عمل هذه الآليات واضحا من خلال ظاهرة تُعرف باسم “الإحساس بالتخمة حيال نوع بعينه من الطعام”. وتعني هذه الظاهرة أنه كلما تناول المرء كميات أكبر من طعامٍ واحد، قلت قدرته على هضمه، وعلى تحمل تناول كميات إضافية منه.

وتقول جيني جاكسون: “أُسَمي ذلك سيناريو ‘حلوى البودنغ’. فعندما تتناول وجبة معينة، وتُتخم منها، لا يكون بمقدورك تحمل ولو قضمة واحدة إضافية من الأطعمة الموجودة فيها. لكن حينما يكشف لك أحدهم عن وجود حلوى البودنغ في انتظارك، تجد أن بوسعك استهلاك بعض السعرات الحرارية الإضافية”.

ومن هنا، فثمة خطرٌ يتمثل في أن تناولك للطعام نفسه يوماً تلو آخر لفترة طويلة، سيجعل من العسير عليك أن تتناول قدراً كافياً منه يُمَكِّنُكَ من مواصلة حياتك بشكل صحي وطبيعي.

فضلاً عن ذلك، لا يبدو عملياً أو مفيداً تبني الفكرة التي تقول إنه من الممكن أن يصبح اتباع نظام غذائي قائم على تناول نوع واحد من الطعام – بدلا من أنواع متنوعة – كفيلاً بتجنيب صاحبه مواجهة أي آثارٍ سلبية، طالما كان هذا الطعام يحتوي على كل الفيتامينات والمعادن والسعرات الضرورية.

وللتعرف على السبب في ذلك، يجب أن يتأمل المرء الكيفية التي بلورنا بها فهمنا الحديث لمسألة التغذية برمتها. فقد حرم الباحثون في مطلع القرن العشرين الجرذان من مواد غذائية بعينها، وراقبوا ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى إصابتها بالمرض أو هلاكها.

وقد تعرفنا – بفضل تجارب مثل هذه – على وجود عناصر مثل الفيتامينات، على سبيل المثال. وتكشف تلك التجارب للقائمين عليها عن ماهية المواد الغذائية التي ستهلك الجرذان إذا ما حُرِمت من تناولها، على المدى القصير على الأقل.

غير أن تجارب مبسطة مثل هذه تنطوي على مشكلة، في رأي جاكسون، تتمثل في أنه من المحتمل ألا يمكن من خلالها التعرف على بعض الفوائد الصحية التي تنجم عن اتباع نظام غذائي متنوع، ولكنها تظهر على المدى البعيد. (كما أن البشر ليسوا جرذاناً في نهاية المطاف).

وتظهر البيانات الخاصة بـ”علم الأوبئة” بجلاء أن تنوع الخضروات في نظامك الغذائي – على سبيل المثال – أكثر فائدة من الوجهة الصحية من احتواء هذا النظام على خضرواتٍ أقل تنوعاً. ولكن من غير المعروف حتى الآن السبب المحدد وراء ذلك.

فربما يعني افتقار النظام الغذائي للمرء إلى ما يُعرف بـ”الخضروات الورقية” أن فرص إصابته بالسرطان في وقت ما في المستقبل تزيد عمن يحرص على تناول مثل هذه الخضروات.

لكن جاكسون تقر بأن أحدا لا يعرف حقا التأثيرات المحددة لتناول كل نوعٍ بعينه من الأطعمة، أو لعدم تناوله. وتضيف: “لذا، فبينما يمكنك تحديد ما كنت تحتاجه مما يُعرف بـ’ العناصر الغذائية الكبرى’ بدقة، فليس بمقدورك أن تعلم بالقدر نفسه من الدقة ما يمكن أن تفتقر إليه” في هذا الشأن.

على أي حال، ربما سيوفر عليك الاقتصار على تناول لونٍ واحد من الطعام يومياً الوقت والجهد، لكنه سيشكل في الوقت نفسه طريقا سريعا للإصابة بالمرض والشعور بالملل معاً.

بي بي سي

شكرا للتعليق على الموضوع