دخلت فلسطين متسللا هذا المساء “قصة قصيرة”
لم ينجح أحد من أصدقائي في أن يحصل لي على تصريح دخول الى فلسطين، دائما تموت القصة ولا يأت جواب، كل أصدقائي بعيدين عن السلطة، والسلطة لا تحدد أسباب الرفض، اليوم دخلتها متسللا، تهريب في وضح النهار، فأنا أعرف العنوان الذي سأذهب إليه، شارع الأيام في رام الله متحف محمود درويش، هذا المكان الذي كنا بصدد أن نوقع إتفاقية توأمة بينه وبين محترف الرمال للفنون بعمان، لنستقبل أهلنا من هناك، وننقل أحداثه لنتجاوز الحدود، أيضا لم يسعفنا الوقت، وتزداد المسافة بيني وبين فلسطين (هي هجرة أخرى) لتزاد القضية إقترابا لما هو روحاني، اللعنة على هذا الجسد المقيد بأوراق ثبوتيه، من يملك أن يمنعني من زيارة بلد أبي وأمي التي حدثوني عنها كثيرا حتى بت أعرف الطرق دون أن أزورها !!
عبرت الجسر متخفيا، وكنت أغني لدرويش ” لم يعرفوني في الظلال التي تمتص لوني في جواز السفر، وكان جرحي عندهم معرضا لسائح يعشق جمع الصور”
سخرت من الجنود على الحدود، كانوا يتلتفتون خائفين من صوت بعيد قريب، كانت تزعجهم أغنية وهمهمات تقول ” يعبرون الجسر في الصبح خفافا أضلعي إمتدت لهم جسرا وطيد، من كهوف الشرق من مستنقع الشرق الى الشرق الجديد، أضلعي إمتدت لهم جسرا وطيد”
شجر الزيتون على الطريق لن يتخلى عن خضرته، زهر اللوز الذي يرتدي فستان عروس أبيض شفاق، أقوى من كل ما يعصف حوله، فلسطين بخير، في طريقي إلى كل الأماكن التي أعرفها ولا تعرفني، حنين مؤجل لذاكرة الغد، أصدقائي على الفيسبوك لم يعرفوني أيضا، ضحكت مني وتابعت طريقي الى درويش …
في المتحف الليلة كان عرض لمسرحية غنام غنام سأموت في المنفى، كان غنام يحكي عن مشهد وفاته في بلد غير بلده الأصلي، بينما الملقن يهم بالتلقين قاطعه واحد يضحك … الواحد هاد هو أخلد نواس، وضحك الجمهور حين خرجت لهم ،من قلب غنام …
لن أغيب عن جنازة كما عهدتني يا صديقي لا بد أن أمارس هوايتي بأن أرش على الموت سكر، ولا أغيب عن عرض مسرحي لك، منعتنى المسافة، ومنعتني الحدود فدخلتها متسللا لأضحك الفلسطينين على موتهم ، دخلتها بقلبك الكبير الكبير، كيف استطاعوا أن يحملوا نعشك الخفيف وفيه هذا القلب الكبير! وزن جسدك خفيف وكل هذه الأفكار التي تزنا بلدا به !
لم يفتني عرض اليوميا غنام، لا تحصيني مع الغائبين، قبلتك وحضنتني، كنت متخفيا بإسم حبيبة درويش، لا تضيع الصدفتين الثمينتين إنهن من شاطئ حيفا، مكانهن محجوزبجانب التراب الذي أحضرته لي من القدس …
دخلت فلسطين المُسورة بكل أشكال الحدود والأسوار،دخلتها متسللا في قلب حصان أكبر من طروادة، دخلتها بقلبك يا غنام شكرا لأنك نطقت اسمي هناك …
تاليف : أخلد نواس – الاردن