لبنى نويهض تكتب : شغفُ المعرفة “أسمى شغف في الحياة”

لطالما استوقفني شغف البعض وتعلقكهم الشديد بأمور مستحبة على قلوبهم… فأنّى لهم هذا الشغف؟ كيف وُلد في دواخلهم؟ بل كيف نعرِّف الشغف وما هي أرقى أنواعه؟!!!

    رحتُ أقلِّب في صفحات شبكة الانترنت لأجد بعض المقالات التي تُعرِّف الشغف بالحبّ والولع والتعلُّق النابع دومًا من القلبِ (Strong passion). وهذا الشغفُ يظهرُ عادةً في منحىً معيَّن في حياة المرء، كالشغف بالموسيقى أو الرسم أو الإلكترونيات، أو أيِّ إطارٍ آخرَ محدَّد المعالم… أمّا من أهم سِمات الشخص الشغوف (كما جاءَ في عدد من المقالاتِ على شبكةِ الإنترنت) فهي المحبة، الحماسة، الالتزام، التغلب على الفشل والتحلّي بإرادةٍ قوية، إلى ما هنالك من صفات أخرى.

    ما لفتني في المقالات التي اطلعتُ عليها أن البعض يقول إنّ الشغف يولَدُ مع الإنسان، والبعض الآخر يشير أنّه ينمو مع المرءِ إنْ أَوْلاهُ الانتباه والأهميّة…

   وكوني أؤمن بالعدل الإلهي وبمقولة العالم النفساني الشهير كارل يونغ (Carl Jung) بأننا “خُلقنا متساويين إنما وُلدنا مختلفين”، فكنتُ على يقين أنّ الشغف كما أي شيء في الحياة ’صناعة وتصنيع‘… وليس هنالك أسمى من تصنيع الإنسان لنفسه ولبنيانه الداخلي والذي كان لي شرف التعرّف إلى أبجدية منهجه العملي من خلال اطلاعي على علوم إنسانية الإنسان- الإيزوتيريك.

فعلوم الإيزوتيريك تؤكد أنّ مَن لا يعرفُ الحبَّ، لا يعرفُ الشغَف… والحبُّ كما الذكاءُ وكما العبقريةُ، صناعةٌ وتصنيع… فمِن خلال إصدارات الإيزوتيريك التي ناهزت المئة مؤلف وفي سبع لغات ومحاضراته العامة، يقدَّمَ النَّهج المعرفيّ والمنهجَ العمليّ لصناعةِ الحبِّ وتصنيعِه بمختلف أشكاله وأنواعه… كحُبُّ المرء لتطوير نفسه، والحُبُّ الواعي بين الشريكينِ كحافزٍ لإزالة سلبيات النفس، وحبُّ الحياةِ من خلال تقدير نِعَم تجاربها التي تصقُلُ الوعيَ، وصولًا إلى جعل الحبّ نَبْضَ أعمالنا وتربيتنا وتفاعلاتنا الداخلية وتواصلنا معَ أفراد المجتمع، إلى ما هنالك من ألوانٍ وتدرُّجات للحبِّ في حياةِ المرء…

 وكون الإيزوتيريك يساعد المرء في بناءِ صرْحه الداخليِّ الذي يتكوَّن من أبعاد وعيٍ تبدأُ بالجسد وتنتهي بالروح، فهو يصف معالم الشغف في هذه الأبعاد قائلًا إنّ الشغف على صعيد الجسد هو حبّ الشمس والهواء والطبيعة وكلِّ ما يمُدُّ الجسد بطاقة الحياة ويحافظُ على صِحَّتِه… والشغفُ على صعيد المشاعر هو التلذُّذُ بكلِّ شعورٍ وإحساسٍ من خلالِ فهم آنيّة اللحظة التي تُوَلّدُ ذلك الشعور… والشغفُ على صعيد الفكر هو حبُّ استخلاص العِبرة من كلِّ تجرِبةٍ وكلِّ اختبارٍ لتعميق الفكر وتوسيع الوعي… فالشغفُ هو شُعلةُ الحبِّ المتوهّجِ في كِيانِ الإنسان… هو الإدمانُ في الحبِّ، في حبِّ الحبّ… مُصنِّعُهُ الفكرُ المتجدِّد، مُحرِّكُهُ الفُضولُ الدائم، ونَبْضُهُ تواضُعُ الإنجازِ في عطاءٍ لامتناهٍ… بدايتُه حبٌّ ومُنتهاهُ عِشْق…

أمّا الشغفُ الأَسمى في الحياةِ فهو شغف المعرفة (strong passion)… هذا الشغف الذي يُشعِلُ إرادة المرء ليقتحمَ بجرأةٍ مجاهلَ نفسِهِ ويواجهَ أعمق سلبياته، متحدّيًا الحواجزَ والمصاعب التي تُعيقُ تطوّره… فسعادةُ المرء الشغوف بالمعرفة هي محطّاتٌ يختمرُ بها وهو يعاين تعمُّقًا في فهم محور وعيِه الداخلي، فارتقاءً ونضجًا في شخصيّته المعرفية، فتوسعًا في فهم الحياة وعيشها بسعادة ووعي وتقدير.

حقًًا، ليس من شغفٍ أسمى من شغف المعرفة، انطلاقًا من إرادة الحبّ، لأنّه المحرِّك المحوريّ لكلِّ شغفٍ في الحياة… بدايته حبّ، فالتزامٌ، فتطبيق، فحسْم وجزْمٌ برقّة في التعامل مع النفس، فتفاعلٌ، فشغفٌ، فحبٌّ متعمّقٌ واعٍ ينتهي بعِشق وفَهْم لقُدسيةِ معنى الحياةِ ونظامِ الوجودِ وهدفِ خَلقِ الإنسان…

بقلم : لبنى نويهض – بيروت

www.esoteric-lebanon.org

شكرا للتعليق على الموضوع