كندة سمارة تكتب : قيمة الإنسان

إذا كان القرن 17 هو عصر الرياضيات، و18 عصر العلوم الفلسفية، و19 عصر علوم الأحياء، والـ20 عصر الخوف والقلق، فإنّ القرن الـ21 هو عصر الحروب والكوارث والأزمات، إنه من أكثر القرون التي عرفتها البشرية دماراً وتجاهلاً لقيمة حياة الإنسان… تلك القيمة الحقيقية التي وصل إليها الإنسان بعد تعثّر طويل، إلى أن حظي بحقوقه كاملة بغض النظر عن أصله وجنسه وهويته وعقائده وأفكاره. وعلى الرغم من بقاء مفهوم قيمة الإنسان نظرياً في بعض الأحيان، وخصوصاً في تلك العلاقات التي تجمع بين الدول القوية والضعيفة، إلا أن مبدأ المساواة والعدالة بين جميع الناس بقي مدرجاً في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة في المساواة بين كافة الناس، إلا أن سمة العنصرية بقيت تحظى بالقبول عند بعض الفئات المجتمعية، والتي تراها تظهر جلياً بعد أي هجوم أو تفجير يحدث في الغرب. فتعلو الصيحات والدعوات للتخلّص من المهاجرين، أو إقفال الأبواب في وجوههم على أقل تقدير. طبعاً، لا يمكننا إنكار وجود بعض الصيحات المدافعة في الغرب، إلا أن إزدواجية المعايير بقيت الصفة السائدة، وخصوصاً تلك التي تفصل بين ضحايا الإرهاب في الغرب والشرق.

فالسؤال الذي يتبادر للذهن، لماذا  يتحدّ العالم لموت أناس في إحدى البلاد الغربية، بينما لا يهتز لموت الآلاف المؤلفة من السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين والمصريين والأفغان وغيرهم من ضحايا الإرهاب…. لا يمكننا إنكار أنّ العامل الاقتصادي والتعليمي والثقافي له الدور الأكبر في المجتمعات الغنيّة عن الأخرى الفقيرة. إلا أن العامل الأبرز يعود إلى فهمنا المنقوص لمعنى قيمة الإنسان كفرد… فالمجتمعات التي تعتبر أن الفرد هو مكون من التركيبة الأوسع كالأسرة والقبيلة والطائفة والعرق، وهم والأجدر بالحماية، لا تعطي ذات القيمة المعنوية لحياة الإنسان كتلك التي تمنحه إياها المجتمعات المبنية في تركيبتها حول الإنسان المستقل الواعي. فيركّز الغرب على التفاصيل الدقيقة عن حياة ضحايا الإرهاب وسرد القصص والحكايا عن أحلامهم المبتورة…. بينما نجد في ذات الوقت، العديد من الذين سقطوا على يد إرهابيين من أبناء قرية أو عشيرة ما، ولكننا لا نعلم عنهم الكثير كأفراد، فيبقوا بالنسبة لنا أرقاماً وصوراً مؤلمة إلا أنّ وقع تأثيرها أقل … ليبقى مجرمو الإرهاب بعيدين كل البعد في كلا الحالتين.

التلغراف – ملبورن

اقرأ للكاتبة :

إشكالية الهوية العربية

شكرا للتعليق على الموضوع