كندة سمارة تكتب : إشكالية الهوية العربية

ما زالت الهوية العربية تترنّح في تحديد الحقبة التي تنتمي إليها. فهي تارة تكون عروبية ترجع بجذورها لجزيرة العرب قبل الإسلام، ومن ثم هجرة القبائل إلى حيث الأراضي الخصبة. وأحياناً أخرى ترجع في أصولها مع بزوغ البعثة المحمدية، وصولاً للخلافة العباسية، مختارين من تلك الفترات اللحظات المتألقة منها، ومعتبرين كل ما جاء بعدها انحطاطاً، ملقين اللوم على الاستعمار بعد ذلك في رسوخ ذلك الانحطاط.

مما زاد في إشكالية الهوية العربية اليوم، هو تقاعس دور الفكر العربي الوحدوي خاصة بعد خيبات الأمل المتكررة بعد محاولات الوحدة الفاشلة… تزامن مع هذا التراجع ظهور خيار جديد، تمحور حول علاقة الهوية العربية بالهوية الإسلامية، مولّداً اتجاهات ايديولوجية جديدة، نجدها جليّة اليوم في ظاهرة الإسلاميين والذي بدأ نجمهم السياسي يعلو، (على الرغم من عجزهم عن استلام الحكم في أي بلد عربي)، وحسموا الأمر لمصلحة الهوية الإسلامية على حساب الهوية العربية. هذا بالإضافة إلى بزوغ اتجاه إقليمي انتعش بعد تراجع أسهم المطالبين في الوحدة، والذي نجد مظاهره واضحة في العديد من الأدبيات المعاصرة، مركزين على هويتهم الجديدة، كالهوية اللبنانية، والهوية الأردنية، والهوية الإماراتية وغيرها من الهويات، مستخدمين مسميّات وطنية أو إقليمية بدلاً من المسمى القومي الواسع.

في جميع الأحوال، ما زال هناك إشكالية في تعريف الهوية الحالية، سواء كانت هوية محددة لمجموعة ما يجمعهم تاريخ واحد وواضح. أو كانت هوية معاصرة تشكلت نتيجة ظروف سياسية حديثة. أو كانت هوية حديثة النشأة ظهرت مع حدود وطن حديث. أو تلك الهوية التي تلغي معها جميع المسميّات لتضم هوية انتمائية أوسع، كالأمة العربية أو الإسلامية. فالتعريفات كلها تواجه مشاكل تعريفية وتنتظر حلولا، والتي ربما لن تأتي من مجال الثقافة نفسها، بل من الصراع السياسي والاجتماعي والعقائدي القائم والذي لم يحسم بعد. إلا أن الحقيقة التاريخية الدائمة تفيد، بأن الحضارات التي تعارفت وتعايشت وتحاربت وتصالحت وتبادلت المعرفة والأفكار لا يمكنها أن تُبقي على وهم تضادها إلا حين تكون هويتها الموجودة مهددة بالانصهار والاختفاء. لذلك فالفرصة المتاحة اليوم تكون بالدعوة إلى صياغة هوية عربية معاصرة ومتحررة وواعية ومنفتحة على الجميع، حتى المختلفين معها عرقياً أو دينيا، ولا يكون ذلك إلا من خلال الثقافة والتعليم ودعمهما، وإنشاء جامعات ومراكز أبحاث على مختلف الأراضي العربية وبتمويل عربي مشترك، وذلك لبناء حوار ثقافي جاد ومنفتح، حوار جديد نتجاوز فيه أخطاء الماضي وتشنجات الحاضر ونؤسس فيه لمستقبل أفضل.

التلغراف – ملبورن

اقرأ للكاتبة :

أخطاء في قراءة تراثنا

شكرا للتعليق على الموضوع